خالد إسماعيل: حارس القصص ورائد روايات الجنوب المهمشة

خالد إسماعيل: حارس القصص ورائد روايات الجنوب المهمشة

خالد إسماعيل مهتم بالكتابة عن «ناس الصعيد» فى ظل محو منظم لثقافة يُراد لها أن تُباد
«أبو القمصان» سؤال الهوية.. وكهوف

في زمن تتكاثر فيه الضوضاء، وتتراجع الأصوات الصادقة أمام طوفان التفاهة، ينهض الروائي خالد إسماعيل كمن اختار طريقه عن وعي لا بريق فيه ولا ادعاء، لكنه مسكون بالحقيقة منحاز إلى الإنسان ومتجذر في الأرض التي جاء منها.. الجنوب المصري بكل ما فيه من قسوة الشعراء وحنان السردة.. في كتاباته لا يبحث إسماعيل عن البطولة الزائفة، بل عن المجهولين الذين صنعوا الحياة بصمت، عن المهمشين الذين لا تلتفت إليهم عدسات الجوائز، لكنهم يسكنون ذاكرة الوطن والوجدان.

خالد إسماعيل هو أكثر من روائي، هو صوت الحكاية الصافية التي لا تنخدع بالإيقاع السريع، ولا تنحني أمام معايير السوق..

كاتب يعرف قيمة الكلمة ويؤمن بأن السرد مقاومة، وأن الأدب موقف قبل أن يكون صناعة.. من روايته الأولى “عقد الحزون” وحتى أحدث أعماله “أبو القمصان” ظل وفيا لمشروعه.. أن يكتب عن الناس لا عن الأوهام، وأن يلتقط من زوايا الحياة ما يغفله الجميع فيحوله إلى أدب يمس القلب والعقل معا.

يشغل خالد إسماعيل إلى جانب إبداعه الأدبى موقعا مرموقا فى المشهد الإعلامى والثقافي، كنائب لرئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون.. وفى كل ما يكتبه أو ينشره تظهر ملامح المثقف الذى لا يكتفى بالرصد بل يشارك فى تشكيل الوعى ويقف ضد الزيف، مدافعا عن الإبداع الحقيقى وعن جوهر الثقافة فى وجه (تجار الجوائز) و(سماسرة المشهد الثقافى) كما يصفهم.

خالد إسماعيل هو أحد أولئك الكتاب الذين يمضون فى صمت، لكن أثرهم يعلو، لأنهم يكتبون من القلب وعن الناس وبالمعرفة المتجذرة.. كاتب لا يستعير لغته من غيره بل يصوغها من نبض الأرض ليمنح السرد المصرى وجها أكثر صدقا وعمقا.

فى أمسية مليئة بمشاعر التقدير اجتمع نخبة من النقاد والمبدعين والمثقفين مساء الأسبوع الماضى للاحتفاء بتجربته الروائية، والذين حرصوا على مناقشة مشروعه الأدبي، والاحتفاء بكتاباته التى تنتمى للناس، وتعكس عمق التجربة الإنسانية فى صعيد مصر حيث النبض الحقيقى والتاريخ الحى.

بدأت الندوة بالوقوف دقيقة حداد على روح الشاعر والناقد الكبير محمد السيد إسماعيل الذى غادرنا منذ أيام، وأدار الندوة الشاعر عيد عبد الحليم، وكان المتحدثان فيها الشاعر والسيناريست والكاتب الإذاعى سعد القليعى والناقد د. عبد الكريم الحجراوى، وشارك الحاضرون بمداخلات ورؤى حول الرواية، نذكر منهم د. فارس خضر مدير دار الأدهم -التى نشرت الرواية- والكاتب والشاعر خالد حنفى رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون ود. عمرو خيرى والشاعر أحمد المريخى والزميلين سيد مليجى ومسعد جلال نواب رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون.

  تعد رواية “أبو القمصان” امتدادا لروايات الروائى خالد إسماعيل السابقة، مثل “عقد الحزون، أرض النبي، عرق الصبا، زهرة البستان، ومجموعات قصص غرب النيل، درب النصاري، مقتل القصاصة”.. وتقدم الرواية زوايا جديدة وقراءة لمجتمع الصعيد وتاريخه وموروثه الثقافى ذى الخصوصية المعروفة، وهى تجمع بين الماضى والحاضر، كما ترصد الرواية التفاعل بين التاريخ والواقع المعاش من خلال ما يرويه (سعيد جوهر أبو القمصان)، وما عاشه فى القاهرة المجتمع الجديد للعائلة، وما سمعه من الجدة والوالدة والعم عن الحياة السابقة للعائلة فى الصعيد وبالتحديد محافظة سوهاج.

وفى “أبو القمصان” تم تقديم رؤى متعددة عميقة حول العمل، تركزت حول قضية الهوية، الذات، وتأصيل الواقع الاجتماعى والثقافى من خلال البناء الروائى والتقنيات الفنية المستخدمة، وقد استهل الشاعر عيد عبد الحليم الندوة بنبذة عن الكاتب خالد إسماعيل وعالمه الأدبي، مؤكدا على تميز شخوصه فى الرواية وارتباطهم الوثيق بالواقع، خصوصا فى رواية “أبو القمصان”، التى تشكل محورا رئيسيا فى هذا النقاش.

أما الشاعر سعد القليعى فتحدث عن أن قضية الهوية ومعرفة الذات تمثل أبرز الأسئلة الكبرى التى تحاول الأعمال الفنية الإجابة عنها، مؤكدا أن خالد إسماعيل بنى فى روايته “أبو القمصان” عالما خاصا لا يتقاطع مع أعمال الروائيين العرب الآخرين، سواء من جيله أو من أجيال سابقة.

وأضاف القليعى أن الرواية تمثل طبقة جديدة فى مشروع إسماعيل الضخم، وهو مشروع مستمر منذ روايته الأولى “عقد الحزون” قبل ربع قرن، ولفت إلى أن الكاتب يملك رؤية ناضجة وتمكنا حرفيا متميزا، وأشار إلى أن شخصيات الرواية واقعية بكل تناقضاتها، تحمل انتصاراتها وانكساراتها، وتعيش آلامها وأفراحها فى الظل والنور.

كما أكد أن خالد إسماعيل يوظف الحدث التاريخى داخل الرواية كجزء من بناء الشخصيات ومنعطفاتها، بحيث يصبح الحدث جزءا لا يتجزأ من مادة الرواية الخام، ما يجعل من الصعب تمييز الحدود بين الواقعى والتخيلى فيها.

وفى قراءته قال الناقد والمسرحى د. عبد الكريم الحجراوى، أن “أبو القمصان” تمثل نقلة نوعية فى تناول موضوع الأعراف والصراعات الاجتماعية.

وبيّن “الحجراوى” أن أعمالا كثيرة تناولت الصعيد بسطحية، لكن خالد إسماعيل قدم رؤية مغايرة تمتاز بالواقعية والفانتازيا معا، مبرزا قدرة الكاتب على فهم آليات تحرك الشخصيات وعلاقاتها.

وأشار إلى أن الرواية تتميز بثراء وتعقيد غير مألوف، وقابلة للقراءة من عدة مناحٍ: السرد، الأنثروبولوجيا، السير الشعبية، الفلسفة، وكل مدخل يقدم رؤية جديدة.

كما تناول الحجراوى التكنيك السردى فى الرواية، حيث استخدم الكاتب خطابا داخل الرواية بذكاء وحرفية، إذ يجعل البطل محملا بثقافة تُمكّنه من قراءة تاريخ عائلته ونقل أزمته، معتمدًا على فكرة الخطاب الموجود عند والدة البطل داخل صندوق، كرمز إنسانى عميق.

وأكد أن الرواية تضفر موضوعات متباينة بنجاح، حيث ربط بين الخاص والعام، ومزج مأساة حرب اليمن مع قصة بطل مسجون، مما يعزز من جماليات العمل وروعة أسلوبه السردي، الذى يشبه فى سرعته وانتقاله السلس بين الأحداث الأسلوب المميز لنجيب محفوظ.

كما ناقش د. الحجراوى فكرة السيد والعبد، التى تسيطر على السير الشعبية، حيث يتمرد البطل على هذه العبودية، مع وجود أسماء شخصيات تحمل دلالات رمزية تعكس وعى الكاتب العميق.

 العرق كدافع تحريكى

الشاعر والكاتب الصحفى د. فارس خضر تناول موضوع العرق وتأثيره فى تكوين الإنسان وسلوكه، مشيرا إلى أن خالد إسماعيل برع فى إظهاره بشكل متعمق عبر الرواية.

واستعرض “خضر ” علاقة الرواية بالسيرة الهلالية، حيث تؤكد الرواية فكرة العبودية التى لا يستطيع الإنسان الإفلات منها بسهولة، مستشهدا بسيرة “أبو زيد الهلالي”، معتبرا أن فكرة العبودية هى جرح اجتماعى لا يزال يعانى منه المجتمع رغم محاولات تجاوزها. وهو ما قدمه خالد إسماعيل فى استحضار قصة أبوزيد الهلالى فى أيامه الأخيرة؛ بعد أن تجاوز عمره 80 عاما  عندما جاءه ابنه ليعترف له أنه يحب ابنة الجازية ويريد الزواج منها.. وذهب إليها لطلبها للزواج، لكنهم فوجئوا بالرفض لأنه عبد، وكيف يجرؤ عبد ابن عبد على أن يطلب الزواج من ابنة أسياده.. وللأسف هى سمة بارزة فى السلوك الإنسانى لمجتمعات كثيرة.. رغم أنها ضد قناعاتنا الإنسانية، بغض النظر عن أصوله الإنسانية وانتماءاته الفكرية.. وأن أصل الإنسان غلاب وداخل تكوينه الجينى كما لو كان يعيش بالخطأ التراجيدى الذى ولد به ويظل يعانى منه ولا يستطيع الإفلات منه.

من جانب أخر  تحدث الشاعر والكاتب خالد حنفى رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون موضحا عمق العلاقة والصداقة التى تربطه بالكاتب خالد إسماعيل قائلا: إيمانى بالروائى خالد إسماعيل وما يكتبه جعلنى فى يوم من الأيام أتحدى الشاعر الأكبر عبدالرحمن الأبنودى.. عندما تحدث وقال إنه لم يعد هناك كُتاب رواية يتحدثون عن الصعيد.. ودخلت معه فى رهان بإعطائه راوية تجعله يتراجع عن رأيه هذا.. وأعطيته رواية (غرب النيل) للكاتب خالد، وفوجئنا جميعا بأنه كتب عنه فى يومياته بجريدة الأخبار مقالة بعنوان (عندما جاءه الصعيد عاريا)، هذا يحدث فى وقت كانت الحركة النقدية محكومة بأشخاص محددين ولحساب أشخاص بعينهم..

وأكد “حنفى” ما ذكره د. “الحجراوى” من أن خالد إسماعيل لا يقدم الصعيد بشخصياته المسطحة.. بل يقدم شخصيات من لحم ودم.. حتى أننا عندما نجلس معه نجده يقوم بالتأصيل لأى شخصية ويغوص فى جذورها ويصل به من كلمة واحدة يقولها أى شخص أن يكتشف (أصله وفصله)، وهى ميزة لا توجد إلا عند خالد إسماعيل.

أما الشاعر والكاتب الصحفى أحمد المريخى فقد وصف مسار خالد إسماعيل فى الكتابة بالجرأة والتحدى؛ فقد تحول من الشعر إلى القصة والرواية، مع تركيزه على الجماعة الشعبية وقضاياها الواقعية. وقال: كنت حينها أشفق عليه لأن الموجة الموجودة حينها فى حقبة التسعينيات موجة لا تتحدث إلا عن الواقعية السحرية لماركيز، وقد كان الواقع الخشن الذى قدمه خالد إسماعيل هو مسار أكثر دهشة من المسار الماركيزى، وهو ما أسميه بمسار الواقع الفائق.. وكان التحدى هو القدرة على تناول قضايا الواقع فى سردية فنية، وبذل خالد إسماعيل جهدا كبيرا جدا فى الإخلاص لقضايا الناس فى قصصه ورواياته؛ منذ “درب النصارى” إلى “بخيتة القصاصة”.. وبالنسبة لرواية “أبوالقمصان” فإن أول إحالة تأتي من العنوان إلى (أبوالقمصان في السيرة الهلالية)، فحالة بطل الرواية سعيد جوهر أبو القمصان تتماس بشكل أو بآخر مع فكرة العبودية؛ فالمؤلف هنا وهو يكتب حكاية هذا الشاب يبحث عن الحرية، وعن إجابة لسؤال: لماذا ينظر إلىّ هكذا؟ لكن الشاب للأسف يظل بسبب ما يمور به المجتمع من تمييز أسيرا للعبودية؛ وهو ما يعكسه موقفه فى نهاية الرواية؛ حيث يقول: “إن كل ما يحدث خارج السجن لا يهمنى”..

ويتابع “المريخي” أن الراوية تدين هذا المجتمع؛ فرغم أننا وصلنا إلى “مدنيَّة” تقرر ألا يكون هناك تمييز على مستوى العرق والجنس أو اللون إلا أن المجتمع ما زال يهمش القانون ويعلى من قوة العرف..

ويضيف “المريخى” أن الرواية تقوم على فكرة ثنائية الأصيل والخسيس، وأن المؤلف يربط بينهما من خلال توظيف الحكايات الشعبية الخرافية والسيرة الهلالية التى أورثتنا التمييز وصناعة البطل الوهمى والكثير من عادات وتقاليد  بالية. كما أشار إلى أن الرواية تدين الواقع الاجتماعى القائم على التمييز العرقى والاجتماعى والاقتصادي، مع إبراز التأثير السلبي للأعراف على حياة الناس، حيث تختل منظومة القيم.

وفى مداخلته أعرب الزميل مسعد جلال عن إعجابه بأسلوب خالد إسماعيل السلس والممتع، وباستخدامه جملا قصيرة ومصطلحات مألوفة للقارئ العام، مشيدا بطريقة الإسقاط فى الرواية خاصة فى استدعاء حرب اليمن لتسليط الضوء على واقعنا الحالى.

أما الفنان التشكيلى والإعلامى على المريخى فقد أشار إلى دقة خالد إسماعيل فى تأصيل الأزياء الشعبية وتصنيفها زمنيا ومكانيا، وبقدرته على تمييز الأزياء واللهجات بكل سهولة، مما يعطى عمقا ثقافيا واجتماعيا للرواية.

د. عمرو خيرى، المتخصص فى تاريخ مصر الحديث والاقتصادى، قال إن خالد إسماعيل “دائما يرجع للتاريخ عندما يتحدث أو يكتب، وهذا أمر فى غاية الأهمية، فهناك مؤرخون يكتبون التاريخ أو الأحداث أو الروايات، لكن هناك صنفا نادرا من الكتاب والمؤرخين الذين تنبع رؤيتهم للحياة من القراءة التاريخية للأشياء”؛ فالشىء “كما قال كارل ماركس يُعرف بحركته فى الزمن”.

وأضاف خيرى: النقطة الثانية التى لفتت انتباهى هى الانشغال الحالى للهوية عند الكاتب خالد إسماعيل، لكنه لا ينشغل بالهوية فى حد ذاتها، بل هو مهتم بالواقع الاجتماعى المعاش، يحاول رصده وتحليله إلى عناصر ورصد علاقاتهم ببعض. وهذه القدرة على التحليل وممارستها فى الأدب تميز كاتبا عن آخر. بناء عليه، الانشغال بسؤال الهوية لديه هو انشغال تابع للهم الأساسى، وهو تأهيل وتحليل واقع اجتماعى ينبع من رؤية تاريخية تصب فى الشكل المشار إليه من الحضور، وهو الاختصار. فهو منشغل بتقديم الواقع وليس بجماليات اللغة رغم تمكنه وقدرته فيها”.

وعن المدرسة الأدبية التى ينتمى إليها خالد إسماعيل، قال خيري: “جذور المدرسة الأدبية التى ينتمى إليها تتنوع ما بين الواقعية السحرية وما بعد الحداثة، التى تكاد تنتهي. وتابع خبيرى: هناك ما يسمى الاقتصاد السياسى للجوائز وارتباطه بالتحليل الاجتماعى للأدب والأدباء. فهناك عدد كبير من الأدباء والمبدعين يوجهون كتاباتهم أساسا لكيفية الحصول على جائزة قبل أن يفكروا فيما يكتبون. وهناك صنف من الكتابة الحقيقية، وهو ما يجب علينا الانشغال به والكتابة عنه، مثل كتابات الروائى خالد إسماعيل”.

أما الزميل سيد المليجى، فأكد أن مشروع خالد إسماعيل الأدبى هو توثيق لثقافة جنوب مصر، وقال:

خالد إسماعيل يكتب ويفعل كل شيء كما يفكر، مشروعه الأدبى كله يتراكم من بداياته حتى النتيجة الحالية. يملك خبرة تجعله يعرف المزاج العام للقارئ، ويخاطبه وفق إيقاعه وزمانه الحالي. أعجبتنى كتاباته لأنه من اللحظة الأولى منحاز لمشروع أدبى واضح، وهو توثيق الثقافة خوفا من اندثارها. يستخدم فى أعماله مصطلحات كثيرة لم تعد موجودة فى الواقع، لأن الأجيال التى كانت تعرفها لم تعد موجودة، فلو لم يستخدمها فى رواياته لاندثرت. والجيل الجديد فقد صلته بها.

وأشار “المليجى” إلى أن الأهم من ذلك أن خالد إسماعيل حقق توازنا فى مشروعه الإبداعى والهوية المصرية. وتابع: “لدينا أزمة عندما تدعى أنك مثقف وتنتصر لما هو أدبى رائع وتقف عند نقطة ما، وهى القاهرة وما دون القاهرة. هل دائما نبدأ وننتهى عند نجيب محفوظ؟ هذا الفخ الذى وقع فيه المجتمع كله، وهو الذى تنادى به أعمال خالد إسماعيل، حيث يطرح التنوع فى المجتمع نفسه. فنحن نصنع عظيما وننساه، ويصبح هو السيد ونحن العبيد. وبطل رواية “أبو القمصان” يعبر عنا جميعا، مع اختلاف مسميات العبودية. لدينا كلنا عبيد بأسماء مختلفة بين الرغبة والطموح، فنحن لم ننحز للسادة ولم نرضَ بأن نكون عبيدا. هنا يحدث التخبط وعدم التوازن”.

واختتم مداخلته قائلاً: إن “ميزة أعمال خالد إسماعيل بالنسبة لى هى “ذكِّر، فإن الذكرى تنفع المخدوعين”. لقد وفر علينا الطريق وجعلنا نقف أمام مرآة أنفسنا، وكتب لنا رواية نعرف من خلالها سياقنا، وكيف كان شكلها فى النهاية. قدم الروائى خالد إسماعيل من خلال “أبو القمصان” ما كان لنرى ما هو قائم ونتوقع ما هو آت”.

 أكتب بحثًا عن الحرية

وفى تعقيبه على المداخلات أجاب خالد إسماعيل عن سؤال “لماذا يكتب؟” قائلا:

“هو سؤال يشغلني، وكل من حولى يحثنى على الكتابة وفق نوعيات الجوائز للحصول عليها. والحقيقة أننى بالفعل قدمت على كل الجوائز الموجودة داخليا وخارجيا من باب سد الذرائع.

وعن موقفه من مقالة الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى التى أشاد فيها بقصصه، قال:

فى يومياته بالأخبار كتب عنى مقالا عدد كلماته 150 كلمة، كأننى أول مرة أُكتشف، وبعدها بدأ كبار النقاد يكتبون عنى وعن رواياتى.

ثم أضاف: أدين للكاتب الراحل عبد الوهاب الأسوانى الذى كتب عن أول رواية لى “عقد الحزون” عام 1999 مقالا فى جريدة العربى الناصرى بعنوان “مولد روائي”، ولم يكتفِ بهذا بل بشَّر بى فى كل الأوساط الأدبية”.

وتابع: كنت مهتما بالكتابة عن الصعيد فى ظل محو منظم لثقافة أراد لها أن تُباد، وتباين الإبداع السائد له شكل معين من أجل الحصول على جوائز وحضور فعاليات أدبية خارجية. ما شغلنى لكتابة هذه الرواية هو فكرة الحرية فى إطار مجتمع يعيش فى ازدواجية، يفعل عكس ما يقوله.

وأوضح أن “الفكرة الأساسية لروايته تدور فى قرية كوم العرب بمركز طما بسوهاج، حيث وجد هؤلاء العاملين الذين يأتون للعمل لدى الأسر التى لا تجيد الزراعة، ثم تحولوا إلى عصابات يسرقون ويقتلون، وبعد فترة يتزوجون وينصهرون وسط أهالى القرية، وكنت أتعاطف معهم إنسانيا، وظللت أبحث كيف تحرروا من الرق وكيف تحرروا ظاهريا، ولكنهم ما زالوا عبيدا”.

وفى النهاية لابد أن نقول إن الكاتب والروائى خالد إسماعيل يتميز بحرفية سردية ورؤية فنية عميقة لا يقتصر فيها عمله على السرد فحسب، بل يمتد إلى توثيق وقراءة دقيقة للتاريخ والثقافة الصعيدية، مع قدرة نادرة على رسم خريطة اجتماعية متكاملة تعكس تناقضات الواقع وأحلام الذات.

وأن رواية “أبو القمصان” تمثل إنجازا روائيا بارزا فى تناول قضايا الهوية، العرق، والواقع الاجتماعى عبر بناء سردى متميز يعتمد على الموروث الشعبى والتاريخي، وتوظيف الحدث التاريخى فى بناء الشخصية.