محمد فاضل: الدراما جرس إنذار تسبق الواقع ولا تنقله

قال المخرج محمد فاضل إنه بعد تخرجه في كلية الزراعة، أدرك أن أي فن ينطلق من بذرة موهبة يمنحها الله للناس بدرجات متفاوتة لاسيما أن هذه الموهبة تحتاج إلى مناخ خصب لتنمو، وهو ما تجلى بوضوح في تأثير الإذاعة المصرية قبل ثورة 1952 وما بعدها، في فترة سبقت ظهور التليفزيون ، مشيرًا إلى أن الجانب الدرامي في الإذاعة يستهويه بشكل خاص مثل روائع القصص الرمضانية التي قدمها الإذاعي القدير يوسف حطاب بالتعاون مع الكاتب الكبير محمد علي ماهر، بالإضافة إلى سحر ألف ليلة وليلة، وشخصيات بابا شارو وطاهر أبو فاشة ومحمود شعبان وغيرهم من عمالقة الفن الإذاعي الذين وضعوا أسسه الأولى.
وأضاف فاضل خلال حديثه لبرنامج (نجوم في سماء المحروسة) أن في محافظة الإسكندرية تشكل وعيه وثقافته من خلال الاستماع إلى قامات فكرية وفنية عبر أثير الراديو، مشيرًا إلى صوت الدكتور طه حسين بلغته العربية الفصحى الذي يتردد في أذنه، و يجاوره سخرية فكري أباظة المحببة بالعامية، مؤكدًا أن موسيقى أوركسترا الإذاعة بقيادة محمد حسن الشجاعي وعبد الحليم علي وغيرهم تملأ الأجواء بهجة في الصباح، وكان يستنير بحديث الشيخ محمود شلتوت الديني.
وذكر فاضل أنه في أعقاب ثورة يوليو 1952 اكتسب النشاط الجامعي في جامعة الإسكندرية زخمًا كبيرًا ليوازي في أهميته النشاط التعليمي، مشيرًا إلى أن منتخب الجامعة للتمثيل مثال حي على ذلك، حيث كان المسئول يولي اهتمامًا خاصًا بتدريب الطلاب على أصول التمثيل استعدادًا للمنافسات المسرحية، وأشار إلى زكي طليمات عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الذي كان يدرس علوم المسرح وكان جزءا من الحياة الجامعية آنذاك، موضحًا أن هذا المناخ الخصب في الجامعات المصرية في تلك الفترة أثر بشكل ملحوظ في المناحي الإبداعية في تكوينه كمخرج.
وأكد محمد فاضل أن هناك اعتبارات نفسية وشخصية دفعته لاختيار مجال الإخراج الذي يمنحه دور القيادة للعمل الفني بأكمله، لاسيما وأن الممثل يمثل جزءًا أساسيًا منه، تمامًا كالنص والمؤلف في أي عمل فني سواء كان مسرحيًا أو سينمائيًا، موضحًا أن لديه قناعة بأنه لن تُسند له أدوار بطولة بسهولة، حيث يلعب المظهر الخارجي دورًا في ذلك، لذا فضَل الإخراج لأنه يتطلب دراسة متعمقة للسيناريو والديكور والموسيقى والأزياء واختار الطريق الأصعب الذي يتيح له تحقيق شغفه بالقراءة والسفر، وهما من أمتع الأمور بالنسبة له.
وأشار المخرج إلى أن نور الدمرداش قامة شامخة في عالم الإخراج التليفزيوني، واعتبره قدوته الأولى لاسيما وقد حظَي بشرف العمل معه كمساعد مخرج وكانت بدايته مع العمل الدرامي “القاهرة والناس” عام 1967، الذي حقق نجاحًا لافتًا ثم قام بإخراج سهرة “لأبي ذر الغفاري” الصحابي الجليل مما نال استحسان الرئيس جمال عبد الناصر شخصيًا، حيث أمر بمنحه مكافأة وبعثة إلى ألمانيا عام 1966.
وتابع قائلًا إنه عند عودته من ألمانيا كُلف بإخراج مسلسل اجتماعي أسبوعي، ومن هنا بدأ التحضير لـ “القاهرة والناس”، حيث تناولت كل حلقة قضية مختلفة من خلال أسرة مصرية ثابتة، مشيرًا إلى أنه بعد حرب 1967، استغل هذا العمل لتحليل أسباب الهزيمة من خلال تسليط الضوء على الديكتاتورية، والانفراد بالرأي، والنفاق الاجتماعي والمحسوبية والفساد الإداري والبيروقراطية لتكون كل حلقة بمثابة رسالة.
وأوضح فاضل أن المسلسل التليفزيوني “أبنائي الأعزاء شكرًا”، الذي لا يزال يحمل في الذاكرة طعمًا خاصًا بفضل أداء الفنان عبد المنعم مدبولي لشخصية “بابا عبده” ، علامة فارقة في مسار الدراما الاجتماعية في ظل التغيرات الجذرية التي طرأت على المجتمع المصري مع بداية الانفتاح الاقتصادي غير المنظم عام 1974 عقب حرب أكتوبر، حيث تصاعدت قيمة المال والمادة، مما أدى إلى خلل في منظومة القيم والأخلاق، جاء هذا العمل الفني عام 1979 كصرخة إنذار، وقد نجح المسلسل في الوصول إلى قلوب المشاهدين لأنه تناول قضية تفكك الروابط الأسرية وأهمية التمسك بالانتماء وصلة الرحم بين الأبناء والآباء والإخوة.
واستطرد قائلًا إنه ضمن إطار أمني واجتماعي يناقش مسلسل “لدواعي أمنية” فقدان العدل وتأثيره المدمر على الأمن، مؤديًا إلى العنف والإرهاب، مشيرًا إلى حماسه لإخراج هذا العمل، الذي حذر من خطر الميليشيات الخاصة، لاسيما وأن الدراما تستبق الواقع لا تنقله فقط، لافتًا النظر إلى تعاونه مع الفنان كمال الشناوي، وكافة عظماء الفن وكان سلسًا بفضل إيمانهم بالنص والإخراج، حيث كانوا يتعاملون بحماس الفنان المبتدئ.
واختتم المخرج محمد فاضل حديثه قائلًا إن فيلم “ناصر 56” وثَق فترة حاسمة في تاريخ مصر، وبرز فيه دور أحمد زكي مشيرًا إلى استلهامه من تلك الحقبة الروح التي واجهت تحدي الاعتماد على الاستيراد والمعونات الأمريكية في بداية علاقة مصر بالعالم، مشيرًا إلى إلى إثبات المصريين آنذاك – من مهندسين وضباط بحرية ومرشدين وحسابات – قدرتهم على تولي إدارة قناة السويس بنجاح بعد سيطرة أجنبية، لاسيما وأن شباب مصر اليوم يمتلكون الكفاءات اللازمة من مهندسين وضباط ومرشدين ومحاسبين لإدارة المشروعات العملاقة الحالية بكفاءة تفوق التوقعات.
برنامج “نجوم في سماء المحروسة“ يُذاع عبر أثير شبكة البرنامج العام، من تقديم الإذاعية عزة إسماعيل.
لمتابعة البث المباشر لاذاعة البرنامج العام .. اضغط هنا