قمة «السيسي» و«ماكرون» تؤكد ثبات الموقف المصرى على إقامة الدولة الفلسطينية

طائرات «الرافال» تُحلق بالعلاقات «المصرية الفرنسية» إلى آفاق أوسع وأرحب

حظيت زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الأخيرة إلى مصر بزخم واسع على المستويات المحلية والعالمية كافة، خاصة أنها جاءت فى وقت تشهد فيه المنطقة والعالم تحولات جيو سياسية غير مسبوقة، فضلاً عن أنها تزامنت مع زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وعكست الجولة التى قام بها الرئيس “السيسي” إلى منطقة “خان الخليلي” بصحبة نظيره الفرنسى مدى العمق والعلاقات الوطيدة التى تربط الزعيمين والبلدين الكبيرين، تلك الجولة التى علّق عليها “ماكرون” عبر حسابه الرسمى على موقع “إكس” بالقول:” شكرًا  لفخامة الرئيس(السيسي) وللشعب المصرى على هذا الاستقبال الحار..هذه الحماسة، وهذه الأعلام، وهذه الطاقة التى تليق بخان الخليلى.

وقد سلّطت وسائل الإعلام الفرنسية الضوء على جولة الزعيمين بين الجماهير فى شوارع خان الخليلى ذات الدلالة التاريخية، مؤكدة أن زيارة “ماكرون” إلى “القاهرة” بدعوة كريمة من الرئيس “السيسي” تشكل نقطة تحول فى العلاقات الفرنسية ـ المصرية، التى ينبغى أن ترقى إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية”، خاصة أنها تلخص قضايا جيوسياسية، وإنسانية، واقتصادية، وثقافية، وبشكل يظهر الدور الذى تريد فرنسا أن تلعبه على الساحة الدولية وهو دور الوسيط الجريء، المستعد للتدخل عندما تشتد الأمور.

وذكرت الرئاسة الفرنسية، أن هذه الزيارة تُعزّز العلاقات الاقتصادية والثقافية والاستراتيجية بين البلدين، وتم خلالها توقيع  30 اتفاقية وعقدا تجاريًا فى مجالات النقل والطاقات المتجددة والصحة والصناعات الغذائية الزراعية. وقد رافق الرئيس الفرنسى خلال الزيارة  نحو خمسين من قادة الأعمال الفرنسيين.

وقد اكتسبت زيارة الرئيس الفرنسى إلى “القاهرة” أهمية خاصة، فى ضوء المباحثات التى شهدتها قمة الزعيمين والتى تناولت الدور المحورى الذى تلعبه الدولة المصرية فى المفاوضات بين إسرائيل و”حماس”، ومساعيها الرامية  لتحقيق الاستقرار فى المنطقة.

وخلال المباحثات الثنائية بين الزعيمين، أكد الرئيس “السيسي”، أن زيارة الرئيس الفرنسى للقاهرة تُجسّد بجلاء مسيرة طويلة من التعاون الثنائى المثمر بين البلدين، فى كافة المجالات التى تحقق مصالح البلدين الصديقين، والتى توجّت بالإعلان عن ترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، الأمر الذى يعتبر خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون المشترك، وفتح آفاق جديدة، تحقق مصالح بلدينا وتطلعات الشعبين الصديقين.

وبشان القضايا التى تناولتها طاولة المباحثات، لفت الرئيس “السيسي” إلى أنه تم استعراض العلاقات التاريخية الممتدة بين مصر وفرنسا، كما تم التطرق إلى سبل دفعها قدمًا فى كافة المجالات ذات الأولوية، لاسيما ما يتعلق بتعزيز وتكثيف الاستثمارات الفرنسية فى مصر، قائلاً:  أكدنا على  أهمية توسيع انخراط الشركات الفرنسية فى الأنشطة الاقتصادية المصرية، خاصة مع الخبرات المتراكمة، لهذه الشركات فى مصر على مدار العقود الماضية، كما شددنا على ضرورة البناء، على نتائج المنتدى الاقتصادى “المصرى – الفرنسي”، لتعزيز التعاون المشترك ودفع عجلة التنمية الاقتصادية.

وأضاف: اتفقنا أيضًا على أهمية تنفيذ كافة محاور شراكتنا الاستراتيجية الجديدة، بما فى ذلك الدعم المتبادل للترشيحات الدولية، وتعزيز فرص التعاون فى مجالات توطين صناعة السكك الحديدية، والتدريب الفنى والمهنى والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبرانى وإنتاج الهيدروجين الأخضر.. وأكدنا خلال المباحثات، على أهمية التعاون القائم بين مصر وفرنسا فى مجال الهجرة، وضرورة دعم مصر فى جهودها لمكافحة الهجرة غير الشرعية، خاصة فى ظل استضافتها لأكثر من تسعة ملايين لاجئ.

وأثنى الرئيس “السيسي” على الدعم الفرنسى لمصر، والذى أسهم فى اعتماد البرلمان الأوروبى مؤخرًا، قرار إتاحة الشريحة الثانية، من حزمة الدعم المالى الكلى المقدمة من الاتحاد الأوروبى لمصر، بقيمة أربعة مليارات يورو، لافتًا إلى أن هذا الموقف “يعكس التقدير العميق، للشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي، ويؤكد الدور الحيوى الذى تضطلع به مصر، كركيزة للاستقرار فى منطقتى الشرق الأوسط وجنوب المتوسط وفى القارة الأفريقية”.

بشأن التطورات المتلاحقة على الساحة الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الوضع المأساوى فى قطاع غزة، قال الرئيس “السيسي”: أكدت وفخامة الرئيس “ماكرون”  على ضرورة العودة إلى وقف إطلاق النار بشكل فوري، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل، وإطلاق الرهائن،  كما توافقنا على رفض أية دعوات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، واستعرضنا أيضًا الخطة العربية للتعافى وإعادة إعمار قطاع غزة، كما اتفقنا على تنسيق الجهود المشتركة بشأن مؤتمر إعمار غزة، الذى تعتزم مصر استضافته بمجرد وقف الأعمال العدائية فى القطاع.

وفى تأكيد على ثبات الموقف المصرى من التصعيد الحادث فى الأراضى المحتلة، قال الرئيس “السيسي”: أؤكد مجددًا، وبشكل لا التباس فيه، أن تحقيق الاستقرار والسلام الدائم فى الشرق الأوسط، سيظل أمرًا بعيد المنال، طالما ظلت القضية الفلسطينية بدون تسوية عادلة، وطالما ظل الشعب الفلسطينى يواجه ويلات حروب طاحنة، تدمر مقوماته، وتحرم أجياله القادمة من حقها حتى فى الأمل فى مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا.

وأضاف: فى هذا الإطار؛ بحثت مع الرئيس “ماكرون”، سبل تدشين أفق سياسى ذى مصداقية، لإحياء عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو عام ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية مؤكدًا ترحيبى بمختلف الجهود فى هذا الإطار.

وتابع: تناولت مباحثاتنا كذلك، التطورات التى تشهدها سوريا ولبنان، حيث توافقنا على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وضرورة اتسام العملية السياسية خلال الفترة الانتقالية، بالعمومية وبمشاركة كافة مكونات الشعب السوري، وتم التشديد فى هذا الصدد، على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى السورية.

كما أكدنا دعمنا للرئيس اللبنانى الجديد، والحكومة اللبنانية فى جهودهما لتحقيق الاستقرار، وتطلعات الشعب اللبنانى الشقيق، مع أهمية التزام جميع الأطراف بتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، ومحورية الامتثال الكامل للقرار الأممى رقم “١٧٠١”، وتطبيقه دون انتقائية.

فى ما يتعلق بالتطورات الخاصة بملف الأمن المائي، أكد الرئيس “السيسي” على موقف مصر الراسخ، الذى يؤمن بأن نهر النيل، رابط تاريخى جغرافي، يجمع دول الحوض ومن ثم تعمل مصر على الحفاظ على التعاون بين دول الحوض، وتتمسك بالالتزام بقواعد القانون الدولي، وتحقيق المنفعة للجميع، مع ضرورة مراعاة خصوصية الاعتماد المصرى التام على مياه نهر النيل، كونه شريان الحياة لمصر وشعبها.

وأضاف:  تطرقنا أيضًا إلى الأوضاع فى السودان الشقيق، إلى جانب التطورات الإقليمية فى منطقتى الساحل والقرن الأفريقي،  وقد اتفقنا فى هذا السياق، على ضرورة تكثيف التعاون، لتعزيز الأمن والاستقرار فى هذه المناطق بما يحقق تطلعات دولها وشعوبها، نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، وأكدنا على حرص مصر وفرنسا، على استعادة المعدلات الطبيعية، لحركة مرور السفن فى قناة السويس المصرية، وتفادى اضطرار السفن التجارية إلى اتباع مسارات بحرية بديلة، أطول مسافة وأكثر كلفة، وذلك نتيجة الهجمات التى استهدفت بعضًا منها فى مضيق باب المندب، بسبب استمرار الحرب فى غزة، وهو الوضع الذى أسفر عن خسارة مصر، نحو سبعة مليارات دولار خلال عام ٢٠٢٤، من إيرادات قناة السويس، إلى جانب تأثيره السلبى المباشر، على حركة التجارة الدولية وسلاسل الإمداد العالمية.

لقد جاءت الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسى إلى مصر لتحلق بعلاقات البلدين  إلى فضاء اوسع من التعاون السياسى والتنسيق المشترك، مرورًا بالتعاون الاقتصادى والتجارى والثقافي.

تبقى الإشارة إلى أن  زيارة “ماكرون” إلى القاهرة لم تخل من دلالات ذات مغزى تعكس حرص فرنسا على أن تظل مصر قوية كحجر زاوية الاستقرار، ولتؤكد أن مصر القوية تعنى فرنسا قوية، وفى هذا الإطار حرص ماكرون أن يستهل زيارته  بالإشارة إلى طائرات “الرافال” الفرنسية التى أصبحت تلعب دورًا رئيسًا فى القوات الجوية المصرية، حيث نشر على حسابه الرسمى على منصة “إكس” فيديو يُظهر طائرات الرافال المصرية تصاحب الطائرة الرئاسية الفرنسية، وقال: “وصلنا إلى مصر برفقة طائرات رافال المصرية، فخورون بهذا لأنه يعد رمزًا قويًا للتعاون الاستراتيجى بيننا”.