إلى أين تتجه أسواق الذهب؟

من ملاذ آمن إلى ملاذ وحيد.. مسار رسمته تحديات سياسية واقتصادية عضال للذهب خلال الأشهر الأخيرة وسط أفق ملبد بالغيوم.
في 2025.. حقق الذهب بداية عام استثنائية إذ حطم أرقاما قياسية متتالية ليتجاوز التوقعات التي أشارت إلى تجاوزه 3 آلاف دولار للأوقية إلى 3300 ألف بعد أن أصبح الأصل الأكثر طلبا في العالم.
التكالب على شراء الذهب بلغ مستويات تاريخية العام الماضي.. فعلى الرغم من ارتفاع سعر المعدن الثمين قرابة 25% سجلت القيمة الإجمالية للتداول على الذهب 382 مليار دولار وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الأسواق.
المعدن الأصفر ازداد بريقا جراء تزايد التوترات الجيوسياسية.. وفي مقدمتها العقوبات الغربية على موسكو، بما فيها تجميد أصول روسية في أوروبا.. الأصول المجمدة بلغت نحو 400 مليار دولار وهو ما يعادل نحو 65% من إجمالي الاحتياطي الروسي الخارجي.. وهو ما قلص الثقة في الأصول التي تخضع لسيطرة الغرب، ودفع العديد من الدول إلى تعديل استراتيجياتها الاستثمارية.
التوترات بين موسكو والغرب دفعت الصين التي كانت تستثمر نحو تريليون دولار في السندات الأمريكية إلى سياسات أكثر تحوطا إذ تخلت عن أكثر من 20% من تلك الأصول لصالح الذهب ورفعت بكين احتياطاتها من المعدن قرابة 17% في الفترة ما بين 2022 و2024.
وفقا لمجلس الذهب العالمي، عززت البنوك المركزية مشترياتها من الذهب إذ اشترت 1045 طنا، خلال 2024 ليتجاوز الطلب 1000 طن للعام الثالث على التوالي وهو ما يتجاوز بكثير المتوسط السنوي البالغ 473 طنا بين عامي 2010 و 2021.
على الرغم من قوة الاقتصاد الأمريكي إلا أزمة ديون واشنطن التي تتجاوز 36 تريليون دولار زادت من ثقل المعدن الأصفر كأداة تحوط يتفق عليها الجميع.. إذ تتحدث أكثر الأصوات تفاؤلا عن تباطؤ نمو الدين الفيدرالي وليس خفضه.. الدولار والذي يشكل أكثر من 60% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية حقق تراجعات متتالية وهو ما دفع الدول إلى تعزيز احتياطياتها من السبائك الذهبية.
اتساع رقعة التوترات في الشرق الأوسط لتتجاوز غزة إلى لبنان وسوريا واليمن زاد الاتجاه إلى الاحتماء بالذهب خاصة من قبل البنوك المركزية والتي سجلت مشتريات قياسية.. ويزداد الأمر وضوحا بالنظر إلى أن تلك المنطقة يمر عبرها نحو 40% من حركة التجارة العالمية.
ضبابية الرؤية بشأن تطور الحرب التجارية ومخاوف التضخم والخلافات الجوهرية بين الرئيس الأمريكي وعدد من شركاء بلاده التجاريين فضلا عن خلاف يحتدم مع رئيس الفيدرالي جيروم باول بشأن مسار الفائدة على الدولار.. كلها عوامل تعزز الطلب على الذهب وتزيد وجهاته ليصبح الملاذ الأول وليس فقط الآمن.. ورغم التوقعات بحدوث تصحيح أو هبوط كبير على أسعار المعدن إلا أن الذهب يتجاهل ذلك ويواصل الصعود مسجلا رقما جديدا لم تره الأسواق من قبل.