مريم عبد العزيز: لا أبحث عن النهايات السعــيدة والحلول الوردية

مريم عبد العزيز: لا أبحث عن النهايات السعــيدة والحلول الوردية

ورش الكتابة تعويض للمشهد الثقافى
«لونجا» محاولة لفتح آفاق جديدة فى الكتابة

مريم عبد العزيز، كاتبة شابة صدر لها مؤخرا رواية “لونجا”، وتتناول جريمة قتل تدور أحداثها فى حى عابدين، الرواية وصلت للقائمة القصيرة لورشة “أصوات وخيوط: رواية الجريمة الأدبية”، وتعد الرواية الثانية لها، فقد صدر لها فى عام 2016 مجموعتها القصصية الأولى “مقام الأرواح”، ثم أصدرت أول أعمالها الروائية “هناك حيث ينتهى النهر” عام 2022، ووصلت الرواية للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس فرع شباب الكتاب، وعن الرواية والورشة كان لنا معها هذا الحوار.

ما الذى يختلف فى روايتك “لونجا” عن روايتك الأولى؟

“لونجا” روايتى الثانية بعد “هناك حيث ينتهى النهر”، وأعتبرها محاولة لفتح آفاق جديدة فى الكتابة، إذ كانت روايتى الأولى تدور حول حادث كبير وقضية عامة كالهجرة غير الشرعية. انطلقت “لونجا” من جريمة صغيرة فى عقار بحى قديم من أحياء القاهرة، لتستكشف ما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية ومستويات القهر والقمع التى تمرر من الأقوى للأضعف، فى شخصيات تعانى جميعها من الهزيمة والإحباط. دارت أحداث روايتى الأولى فى ثلاث مدن، بينما ركزت “لونجا” على حيّ واحد، بل حتى مربع صغير فى هذا الحىّ كعينة لمجتمع أكبر مأزوم.

 “لونجا” إنتاج ورشة “أصوات وخيوط: رواية الجريمة الأدبية”، ما تفاصيل هذه الورشة، وكيف اشتركت بها، وما الذى أضافته إليك؟

أعلنت وقتها إحدى منصات الكتب الصوتية عن الورشة، فتحمست للتقديم لوجود الروائية منصورة عز الدين كمحاضرة ومشرفة عليها. مرت الورشة بمراحل عدة لاختيار المشاركين والحمد لله كنت من المقبولين. بالطبع، أضافت الورشة لى الكثير، فأنا من المتحمسين لورش الكتابة باعتبارها تعويضا للمشهد الثقافى عن الصالونات الأدبية ونوادى الأدب، وهى طريقة لنقل الخبرات والتجارب، ومشاركة هموم حرفة الكتابة بين الأجيال الأسبق والأجيال الجديدة، كما تفتح نقاشات حول الأدب وتقنياته وتذوقه، وتبادل الخبرات فى تفضيلات القراءة وترشيحات لكتب وتحليلها. كل هذه الأنشطة تساعد فى كسر حالة حبسة الكتابة، وكنت أمر بها بعد نشر روايتى الأولى. 

 “لونجا “هى قالب موسيقى عربى، فما علاقة ذلك برواية جريمة، وهل العنوان كان مناسبا لرواية جريمة؟

اللونجا قالب يتسم بالرشاقة والنقلات السريعة بين المقامات، وهو ما يصنع مفاجآت للمستمع، رأيت أن هذه التقنية توازى فى الكتابة التشويق المطلوب لجذب انتباه القارئ. لذلك اعتمدت فى تقسيم الفصول على نفس التقسيم المستخدم للقالب الموسيقى، على أن أتنقل بتكثيف بين حاضر الشخصيات فى أسبوع اكتشاف الحادث، وبين التاريخ الشخصى لكل منهم. كما أن للموسيقى علاقة قوية بموضوع الرواية، فالبطل الذى تدور حوله الأحداث مدرس موسيقى، وعازف متقاعد، قضى عمره فى محاولة صنع لحن وحيد، مجربا كل المقامات الموسيقية، لكنه لم يفلح أبدا.

 الرواية تناقش فكرة تحقيق العدالة وفساد المجتمع، فلماذا كان هذا الاختيار؟

نحن لا نكتب بمعزل عن مجتمعاتنا. والرواية لم تلق الضوء فقط على قضية العدالة، ولكن كل ما يترتب على غيابها من استقواء وقهر تراتبى، وهى بلا شك أمراض متوغلة فى مجتمعاتنا. والفكرة تولدت أثناء محاضرات الورشة. وكانت الأستاذة منصورة تحاضرنا عن أنواع روايات الجريمة، ومنها “النوار” الذى يدور فى عالم موغل فى الفساد، فقررت أن أصنع مقاربة لهذا النوع، ورأيت أن الوصول للشخص المدان فى نهاية الرواية فيه قدر من السذاجة، فجاء قرارى أن تضيع الحقيقة لأن ذلك التصور هو الأقرب للواقع.

 قصص الحب فى الرواية كلها كانت فاشلة، فلماذا؟

لا أبحث عن النهايات السعيدة والحلول الوردية، ولا أعيد إنتاج أفلام الأبيض والأسود. الواقع يؤكد كل يوم أن هذا هو قدر الحب فى المجتمعات الواقعة فى أزمات طاحنة كمجتمعاتنا، الاقتصادية منها والاجتماعية.

 الرواية تحولت من رواية جريمة إلى رواية إنسانية، فهل كان مقصودا الاهتمام بالجانب الإنسانى أكثر من فكرة الجريمة والتشويق؟

بالطبع كان مقصودا، فالجانب الإنسانى هو ما يشغلنى فى معظم كتاباتى. لم أكن أكتب قصة بوليسية، ولكن الجريمة هنا جاءت لتعرية المجتمع المحيط بها، وكشف ما انعكس من أمراض المجتمع على العلاقات الاجتماعية بين الأخ وأخيه، والجار وجاره، والحبيب والحبيبة، والأم وأبنائها.

 افتتحت كل فصل من الرواية ببيت من أشعار ابن عبد ربه الأندلسى وإبراهيم ناجى وألف لية وليلة، فلماذا لجأتِ للشعر؟

ورثت حب الشعر عن أبى، فقد كان يسير فى البيت مرددا أبيات لشعراء يحبهم، وأرى فى الشعر نوعا من المعجزة وقدرة على التكثيف لا يضاهيه فيها أى من الفنون الأخرى، لذلك هو أكثرها خلودا وعبورا للزمن. كما أن للشعر صلة وثيقة بالموسيقى، والرواية فيها قدر من الموسيقى، فرأيت أنه من المناسب إضافة بيت فى مقدمة كل فصل، وحاولت اختيار أبيات تكثف الشعور الطاغى على كل فصل.

 اختيارك لحى عابدين ليكون مسرحا للأحداث هل كان له دلالات معينة، أم لأنه مجرد الحى الذى نشأت به؟

صحيح أن عابدين هو الحى الذى نشأت فيه، ولى فيه الكثير من الذكريات التى تكفى لأن أوجه روايتى كتحية لهذه الذكريات، لكنه أيضا واحد من أحياء القاهرة التى لها تاريخ، وتراث عريق، وتنوع فى الطرز المعمارية وتباين فى الطبقات الاجتماعية. وهذه البيئة تصلح بشدة لأن تكون مسرحا لأحداث روايتى. 

 المكان هو البطل فى كل أعمالك، فكيف تختارين الفضاء المكانى؟

 الفضاء المكانى هو الذى يفرض نفسه على العمل، فمثلا فى روايتى الأولى فرضت مدينة رشيد نفسها باعتبارها نقطة انطلاق مراكب الهجرة غير الشرعية، ووجود البحر والنهر فى نفس المدينة جاء كمعادل موضوعى للإحباط فى أرض الوطن وقسوة الغربة على الشاطئ الآخر.  وبوجه عام، السفر والتجوال واكتشاف مدن ومناطق جديدة من هواياتى، كذلك القراءة عن تاريخ المدن وكتابات الرحالة، وأظن أن هذه الهواية أثرت بشكل ما على وجود المكان كبطل فى أعمالى.

 أدب الجريمة غير منتشر فى مصر بشكل كبير، فما السبب؟ ولماذا يتعامل النقاد معه على أنه أدب من الدرجة الثانية؟

نقع كثيرا فى فخ ازدراء نوع أدبى، والتقليل منه هو ما ينفر بعض الكتاب من التطرق لهذا النوع، ونتناسى أن العمل الجيد لا علاقة له بالتصنيف، بل بطريقة التناول. كتب كبار الكتاب فى أدب الجريمة، فهل يستطيع النقاد التسخيف مثلا من كاتب مثل دورنمات، أو التقليل من رواية مثل “يوميات نائب فى الأرياف” لتوفيق الحكيم، أو “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ، أو “قصة موت معلن” لماركيز. كلها أعمال قامت على جرائم لا يمكن التقليل منها. 

 نعود للبدايات، كيف كانت بدايتك مع الكتابة؟ ومن أهم الكتاب الذين أثروا فى حياتك الأدبية؟

امتلك أبى مكتبة كبيرة تتنـوع مـحتـويـاتـهـا بين الشعــر والـقصص والــروايات والـمعــارف الاجـتمــاعــيـة والسيـاسية، ولقـربى مـن أبـى أثر كبير فى تعلقى بالقراءة ثم الكتابة. وحيث إن الشعر العامى أقرب الفنون لقلب أبى، فكان يصحبنى معه للأمسيات الشعرية، فبدأت فى الابتدائى أكتب أغنيات طفولية، ثم فى الإعدادى كتبت قصصا تشبه قصص المغامرات والبحث عن الكنوز، وانتقلت بعدها لكتابة مقالات ذات نبرة خطابية عالية، متأثرة بأحداث الانتفاضة. وأكثر من تأثرت بهم هم الشعراء أحمد شوقى وصلاح جاهين والأبنودى وأمل دنقل.

 درست الهندسة وعملت فترة فيها.. إلى أى مدى استفدت من هذا المجال فى الكتابة؟

تصنف الهندسة فى خانة الفنون، وهناك صلة كبيرة بينها وبين الكتابة، فكلاهما يعتمد فى الأساس على إنشاء هيكل سليم والبناء عليه. ودراستها تساعد فى تنظيم الأفكار والاستغلال الأمثل للموارد.

 لكِ تجربة مع شعر العامية، لماذا لم تكتمل؟ وهل يمكن العودة لها؟

للشعر قيمة جليلة عندى، أحبه وأخشاه وأخشى أن أفسده. بدأت بكتابة شعر العامية، مدفوعة برغبة فى تقليد قالب أدبى أحبه، وكتبت قصائد لم تصل للنضح الكافى، فتوقفت. أحاول من حين لآخر كتابة قصائد نثرية، بالفصحى هذه المرة، لكنها أيضا فى طور التجريب.

 وصلت روايتك الأولى للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس، والثانية للقائمة القصيرة لورشة “أصوات وخيوط”.. هل الجوائز مؤشر عادل للتقييم؟

الجوائز ليست مؤشرا على أى شىء، فهى تعتمد على ذائقة لجنة مكونة من عدة أفراد، ربما لو تغيرت اللجنة تغيرت اختياراتها، لكنها تلقى الضوء على الأعمال المرشحة، وهو ما يزيد نسبة مقروئيتها

 إلى أى مدى أنتِ راضية عن أعمالك؟

راضية للدرجة التى لا تجعلنى أتوقف عن التعلم.

 ما عملك القادم؟ 

أعمل بالتوازى على رواية ومجموعة قصصية، ولا أعرف أيهما ستسبق الأخرى.