شيخ الفنانين عبدالوارث عسر يفتح قلبه للمحاور طـارق حبيــب

الفنان عبدالوارث عسر واحد من رواد الفن المسرحى والسينمائى فى مصر.. هو من مواليد عام 1894 وكانت وفاته فى أبريل 1982،
وهو أستاذ وشيخ الفنانين حتى يومنا هذا، لأن كتابه المشهور «فن الإلقاء» ما زال من المراجع المهمة التى لا يستغنى عنها الممثل.. وفى هذا الكتاب دروس تمنح الممثل الأسلوب الأفضل والأدق لنطق اللغة العربية بطريقة تعبيرية تسهل على المستمع مهمة الاستماع وتسهل على الممثل مهمة التواصل مع الجماهير.. ولعل القراء الأعزاء الذين شاهدوا عبدالوارث عسر فى أفلام مثل «غزل البنات» و»شباب امرأة» وغيرهما من الأفلام الرائعة، لاحظوا طريقة نطق هذا الفنان، ومخارج الحروف التى تميزه عن غيره من زملائه الفنانين، وتجعل أسلوبه واضحاً.
وفى حلقة من برنامج تليفزيونى قديم كان يقدمه «طارق حبيب» على شاشة القناة الأولى، استمعت لحديث «عبدالوارث عسر» ومنه عرفت صفحات مجهولة من تاريخ فن التمثيل فى مصر، ذلك لأنه تربى على يد «جورج أبيض» الذى اختاره من بين عدد كبير من أعضاء جمعية أنصار التمثيل، وألحقه بفرقته المسرحية التى كانت متخصصة فى تقديم الأعمال المسرحية العالمية باللغة العربية الفصحى.. واستفاض عسر فى سرد قصة التمثيل فى مصر، وقصة السينما الصامتة والناطقة وتوقف أمام تجربته فى تحويل رواية «زينب» التى كتبها الدكتور محمد حسين هيكل، إلى سيناريو فيلم سينمائى من إخراج محمد كريم، وشارك فيه ـ عسر ـ بالتمثيل.. ولما سأل طارق حبيب عن الفروق بين أداء الممثلين فى بدايات السينما وتأثرهم بالأداء المسرحى الذى يتميز بالمبالغة فى إظهار التعبيرات والمبالغة فى الكلام من طبقات الصوت العالية، قدم تفسيراً تاريخياُ للمبالغة التى كانت تميز فنانى المسرح فى بدايات القرن العشرين، فقال إن الأعمال التى قدموها على خشبة المسرح تعبر عن أوروبا فى القرون الوسطى، وكانت الفخامة فى الديكور والمبالغة فى الانفعال سمة أساسية لهذه الأعمال، لكن الجيل الذى تربى على مسرحيات مصرية كتبها «عبدالرحمن رشدى ومحمد تيمور» تخلص من هذه المبالغات لأن هذه المسرحيات كانت تصور الحياة الحديثة للشعب المصرى.. ولما سأله طارق حبيب عن موضوعات السينما وأثرها على طريقة التمثيل التى يتبعها الممثلون المصريون فى «السبعينيات من القرن العشرين قال ـ شيخ الفنانين ـ إن الموضوعات التى يقدمها الممثلون الجدد هى التى جعلت الأداء مكرراً ومتشابهاً، لأن «الشخصيات» المكتوبة والموضوعات مكررة ولا جديد فيها وكلها تتناول موضوعاً وحيداً هو «حب الفتى للفتاة والصراع ضد الظروف التى تحاول التفريق بينهما».
والعجيب فى حوار عسر مع طارق حبيب أنه ما زال طازجاً معبراً عن اللحظة الفنية الدرامية المصرية الراهنة.. ما زال كتاب القصص السينمائية ينحتون النحت نفسه وينهبون ويعيدون ويزيدون ويلهفون الفلوس ويخربون الأذواق ولا يضيفون جديداً.
حسن أرابيسك.. موهبة صلاح السعدنى المحمية بثقافة رفيعة
فى العام الماضى وبالتحديد فى 19 أبريل، ودعنا الفنان الكبير «صلاح السعدنى» وترك وراءه ولده الفنان الجميل «أحمد السعدنى» ليواصل مسيرته الفنية، وترك ابنته «ميريت» التى اختارت مجال العمل التليفزيونى وأصبحت مذيعة معروفة.. وما يهمنا هنا الكلام عن شخصية «حسن أرابيسك» التى جسدها الفنان صلاح السعدنى فى مسلسل مشهور وناجح هو «أرابيسك»، أذيع فى أحد شهور «رمضان» فحقق نجاحاً كبيراً، وما زال معبراً عن زمن من أزمنة الحارة المصرية والشخصية الشعبية القاهرية، لأن «القاهرة» لها بصمة تاريخية، فهى مدينة عربية إسلامية جامعة، على العكس من الإسكندرية التى تعيش داخل حدود مصر وقلبها معلق باليونان.. لكن القاهرة هى الأزهر وهى شارع المعز وهى جامع ابن طولون وهى الفسطاط والقطائع وجامع الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة، وقبة شجرة الدر، والألف مئذنة المملوكية والعثمانية والفاطمية شاهدة على هذه الروح العربية الإسلامية، حتى اللسان القاهرى فيه من عروبة اليمن وما تبقى من اللسان القبطى الوارث من اللغات المصرية القديمة، وهذه التركة الثقافية تجعل التمثيل والتصوير للقاهرى الأصلى عملاً شاقاً على الفنان الممثل، فهو مطالب بإشعار المشاهد بكل تفاصيل الثقافة القاهرية.. وقبل أن ننسى نقول للقارئ العزيز، لا يوجد أديب مصرى عبر عن القاهرة غير الراحل «نجيب محفوظ»، ومن لم يقرأ رواياته وقصصه لا يستطيع الزعم أنه عرف وفهم البيئة الثقافية والجغرافية والتاريخية لمدينة القاهرة.
الفنان صلاح السعدنى رسم بتعبيراته شخصية «حسن أرابيسك» التى كتبها «أسامة أنور عكاشة» وأضاف لها اللمسات التى جعلتها شخصية حية فى الوجدان، تنافس السيد أحمد عبدالجواد، الشخصية التى كانت وما زالت عنواناً للقاهرة فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، ومن عجائب النقد فى بلادنا أن يضج الناقد من صدق الكاتب، ومن قدرته على رسم ملامح الشخصية، والمقصود هنا أننى لو كتبت شخصية تعيش فى حارة وتعمل فى مهنة إبداعية مثل صناعة الأرابيسك، فالمهم أن أرسم كل التفاصيل وأضعها فى سياق يساعد المشاهد على فهم الشخصية، لكن بعض النقاد يريد تقديم شخصيات تعيش فى الحارة وكأنها تعيش فى بيت الله الحرام، متوضئة لا تخطئ ولا تمارس بشريتها وعاداتها اليومية، والجميل فى شخصية «حسن أرابيسك» أنها ظهرت برؤية «صلاح السعدنى» وأسامة أنور عكاشة، وأظن أنهما جلسا جلسات للمناقشة والحديث حول الشخصية وكيفية التعبير عنها ومنحها الحياة على الشاشة، وهذا يجعلنى أقول وأنا مطمئن إن «حسن أرابيسك» ابن البلد الجدع المبدع المدافع عن الأصول هو إنسان جميل، ظهر على الشاشة محمياً بموهبة «صلاح السعدنى» وثقافته الرفيعة التى مكنته من القبض على عالم الشخصية، خاصة الجانب النفسى، ونجح السعدنى فى أن يبث الروح فى حسن أرابيسك، مثلما نجح فى رسم وتجسيد كل الشخصيات التى قدمها فى كل الأعمال الدرامية منذ أن وقف على خشبة المسرح للمرة الأولى فى ستينيات القرن العشرين.
نعيمة الصغير.. مونولوجست ومعلِّمة و«كودية زار»
دخلت «نعيمة الصغير» قلوبنا بجملة ساخرة «خلصنى ياخويا.. هوه احنا لسه هنحب».. وكان المشهد يصور بيتاً من البيوت التى تستقبل راغبى المتعة الحرام، ولها جملة مشهورة فى فيلم «كراكون فى الشارع» مع الفنان عادل إمام والفنانة يسرا «معاية خمسميت جنيه كنت شايلاهم لخرجتى» وأخرى فى فيلم «الزوجة الثانية» وكانت تقوم بدور «الداية» والطبيبة الشعبية المشرفة على علاج العمدة «عتمان» وزوجته «إن كان هيبان».. وكل هذه العبارات التى وجدت طريقها لوجدان المشاهدين واستقرت فيه دليل على موهبة وحضور هذه الفنانة «خفيفة الظل» التى حاولت الممثلة «فاطمة كُشرى» أن تسير على طريقها، لكن «نعيمة الصغير» لها خصوصية استمدتها من كتلتها الجسدية، وصوتها الخشن وملامحها الضخمة المثيرة للدهشة والضحك والرعب.. وقد لا يعرف الكثيرون أن «نعيمة» غنت أغنية فى فيلم اليتيمتين الذى قامت ببطولته فاتن حمامة فى أربعينيات القرن العشرين، وهى الأغنية الوحيدة التى تبقت لها من مشوار طويل مع غناء المونولوجات الذى اشتهرت به قبل أن تفقد صوتها الطبيعى فى مؤامرة دبرتها زميلة لها فى الفرقة الموسيقية التى كانت ترافقها فى غناء المونولوجات، وكانت النتيجة توقفها عن الغناء وتوظيف صوتها الخشن فى التمثيل.. ورغم أنها لم تقدم أدوار البطولة فى السينما، فإن لها حضورا جميلا وقدرة على البقاء فى ذاكرة المشاهد.