بابا فرنسيس .. وداعا

ودع العالم صباح اليوم الإثنين البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وأول بابا للكنيسة الكاثولوكية من أمريكا اللاتينية، عن عمر يناهز 88 عاما.
ليسدل بذلك الستار على حياة ممتدة وزاخرة استطاع أن يحظى فيها بإعجاب الجميع، وقاد الكنيسة الكاثولوكية في واحدة من أصعب فتراتها شهدت محطات ومواقف بارزة، من تعزيزه للتقارب بين الأديان إلى إصلاح الكنيسة، فضلا عن مواقفه الإنسانية والاجتماعية اللافتة.
رحلة قاسية ومعاناة من أمراض مختلفة امتدت لعدة أشهر قضاها البابا فرنسيس في مستشفى “جيميلي” بالعاصمة الإيطالية روما.. وبرحيله، يطوي العالم صفحة البابا رقم 266، خورخي ماريو بيرجوليو، أو كما عرفه الناس “بابا الشعب والفقراء”.
وأمضى البابا خمسة أسابيع في المستشفى حيث تلقى العلاج من التهاب رئوي مزدوج، وغادرها في 23 مارس، ولم يظهر علنا بعدها سوى في 6 أبريل، حيث خرج إلى ساحة القديس بطرس في الفاتيكان على كرسي متحرك، في ختام قداس بمناسبة عام اليوبيل للكنيسة الكاثوليكية.
واليوم.. أعلن الفاتيكان في بيان مصور وفاة البابا فرنسيس، بعد 12 عاما على كرسي البابوية وأطلق فترة حداد تستمر 9 أيام وبداية عملية انتخاب بابا جديد خلال فترة من أسبوعين إلى 3 أسابيع.
فترة توليه التي بدأت عام 2013 شهدت محطات ومواقف بارزة، من تعزيزه للتقارب بين الأديان إلى إصلاح الكنيسة، فضلا عن مواقفه الإنسانية والاجتماعية اللافتة.
كان آخر ظهور للبابا الفاتيكان لفترة وجيزة في الشرفة الرئيسية لكاتدرائية القديس بطرس بمناسبة عيد الفصح وجدد البابا فرنسيس دعوته لوقف إطلاق النار الفوري في غزة عبر رسالة قرأها أحد مساعديه.
ووصف البابا الذي كان لا يزال يتعافى من الالتهاب الرئوي وكان لا يمارس إلا القليل من المهام بأوامر من الأطباء، في الرسالة الوضع في غزة بأنه “مأساوي ومؤسف”، ودعا أيضا حركة “حماس” إلى إطلاق سراح من تبقى من المحتجزين.
* ميلاده.. ودعوة كهنوتية
ولد فرنسيس في 17 ديسمبر 1936، بحي “فلوريس” في بوينس آيرس بالأرجنتين، لأب مهاجر إيطالي عمل في السكك الحديدية، وأم أرجنتينية من أصول إيطالية، عاش حياة بسيطة في ظل عائلة زرعت في داخله القيم الاجتماعية والإنسانية منذ الصغر.
في شبابه، عمل البابا في عدة مهن بسيطة، من بينها عامل تنظيف أرضيات وفني كيميائي في مصنع أغذية .. أحب رقصة “التانجو” والموسيقى قبل أن تغير “لحظة اعتراف” في كنيسة سان خوسيه دي فلوريس حياته إلى الأبد.
في يوم عيد الطلاب بالأرجنتين، وفي عمر الـ6 عاما دخل الكنيسة صدفة، ليخرج منها بدعوة كهنوتية تغير مصيره قال عنها لاحقا “لا أعرف لماذا دخلت، لكني شعرت أن أحدا كان ينتظرني هناك”.
ورغم اعتراض والدته في البداية على رغبته في أن يصبح كاهنا، غيرت رأيها لاحقا وطلبت منه أن يمنحها البركة بعد أن أصبح كاهنا عام 1969.
انضم فرنسيس إلى الرهبنة اليسوعية عام 1958، وتدرج في مناصبها حتى أصبح رئيسا لليسوعيين في الأرجنتين ثم أسقفا، ثم كاردينالا عام 2001.
عرف بتواضعه الشديد ورفضه لمظاهر الترف، فكان يركب المترو في بوينس آيرس، ويعيش في شقة صغيرة بدلا من مقر الأسقفية.
في 13 مارس 2013، انتخب بابا للكنيسة الكاثوليكية خلفا للبابا بنديكتوس السادس عشر، ليصبح أول بابا من أمريكا اللاتينية وأول يسوعي، وأول غير أوروبي منذ أكثر من 1200 عام.
اختار اسم “فرنسيس” تيمنا بالقديس فرنسيس الأسيزي، وقال في أول تصريح له “أريد كنيسة فقيرة ومن أجل الفقراء”. وبالفعل كان البابا الذي نزل إلى الشوارع ليلا متخفيا يوزع الصدقات، ويدفع فاتورته بنفسه ويرفض العيش في القصور البابوية.
* مراسم مختلفة
غير البابا فرنسيس طقوس جنازته ومكان دفنه، حيث إنه اختار تبسيط طقوس الجنازة البابوية، قائلا “أريد حفلا كريما ولكن مبسطا، مثل جميع المسيحيين”.
في نوفمبر من العام الماضي، تم الإعلان عن تغييرات في بروتوكول جنازات الباباوات، التي أجراها البابا فرانسيس بنفسه، وبالتالي فإن جنازته ستكون مختلفة عن جنازات أسلافه.
وفي 2023 أعلن البابا فرنسيس أنه يرغب في أن يتم دفنه بكاتدرائية سانتا ماريا ماجوري في روما، بعيدا عن تقليد مارسه أكثر من 100 بابا، اختار الواحد منهم أن يكون مثواه الأخير داخل “سراديب الفاتيكان” الممتدة تحت صحن كنيسة القديس بطرس، وبتوابيت حجرية من 3 طبقات، لكن فرانسيس اختار لجثمانه المحنط أن يكون تابوته من زنك.
في كنيسة الفاتيكان، يتم عرض جثمان البابا المتوفى مباشرة على التابوت المفتوح، ولكن ليس على صندوق دفن كما كان الحال حتى الآن، ولن يتم وضع عصا البابا بجانب التابوت أثناء هذا الجنازة.
وأخيرا، في المحطة الثالثة، التي تشمل نقل التابوت إلى القبر والدفن، يتم إلغاء تقليد دفن الباباوات في ثلاثة توابيت: “واحد من خشب السرو، والثاني من الرصاص والثالث من خشب البلوط والثالث من الخشب، واستبدالهم بتابوت خشبي واحد مطلي بالزنك
* كيف يتم انتخاب بابا الفاتيكان الجديد
بعد وفاة البابا فرنسيس ستكون هناك فترة حداد رسمي في الفاتيكان تستمر 9 أيام، تعرف باسم “نوفنديياليس” وخلال هذه الفترة، يجب أن يدفن البابا بين اليوم الرابع والسادس من وفاته.
كما يجب أن يعرض جثمان البابا في كاتدرائية القديس بطرس، ليتسنى للمصلين توديعه ويقام قداس يومي خلال فترة الحداد.
بعدها تبدأ عملية انتخاب بابا جديد، وهي عملية ضاربة بجذورها في التقليد الكنسي منذ آلاف السنين، وإن كانت قد شهدت تحديثات طفيفة تواكب العصر الحديث.
ويعرف هذا الانتقال باسم “الفراغ الرسولي” وهي تبدأ رسميا مع وفاة البابا وسيكون على الكرادلة الآن اتخاذ القرار بشأن موعد جنازة البابا، يليها تحديد موعد بدء المجمع المغلق.
وبعد انتهاء مراسم الحداد، سيتعين على جميع الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عاما الاجتماع في الفاتيكان لانتخاب خليفة للبابا فرنسيس.
وعادة ما تستغرق عملية انتخاب بابا جديد من أسبوعين إلى ثلاثة، رغم أن الفترة قد تمتد أكثر من ذلك في حال عجز الكرادلة عن التوصل إلى توافق حول هوية البابا المقبل.
* شيخ الأزهر: كان رمزا إنسانيا من طراز رفيع
نعى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أخاه في الإنسانية، قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، الذي وافته المنية بعد رحلة حياة سخرها في العمل من أجل الإنسانية، ومناصرة قضايا الضعفاء، ودعم الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة.
وأكد شيخ الأزهر، أن البابا فرنسيس كان رمزا إنسانيا من طراز رفيع، لم يدخر جهدا في خدمة رسالة الإنسانية، وقد تطورت العلاقة بين الأزهر والفاتيكان في عهده بدءا من حضور قداسته لمؤتمر الأزهر العالمي للسلام عام 2017، مرورا بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية عام 2019، إلى غير ذلك من اللقاءات والمشروعات المشتركة التي توسعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، وأسهمت في دفع عجلة الحوار الإسلامي-المسيحي.
وذكر شيخ الأزهر للبابا فرنسيس حرصه على توطيد العلاقة مع الأزهر ومع العالم الإسلامي، من خلال زياراته للعديد من الدول الإسلامية والعربية، ومن خلال آرائه التي أظهرت إنصافا وإنسانية، وبخاصة تجاه العدوان على غزة والتصدي للإسلاموفوبيا المقيتة.
* دول العالم تنعي البابا فرنسيس “نصير الضعفاء”
بعد دقائق من إعلان الفاتيكان وفاة البابا فرنسيس توالت ردود الفعل العالمية الحزينة ورسائل التعزية، وأعرب قادة دول ومسؤولون عن حزنهم لوفاة قائد الكنيسة الكاثوليكية، الذي كرس حياته لنصرة الضعفاء والدعوة إلى السلام.
اعتبر الرئيس عبد الفتاح السيسي أن رحيل البابا فرنسيس “يمثل خسارة جسيمة للعالم أجمع، إذ كان صوتا للسلام والمحبة والرحمة”.
وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إن وفاة البابا فرنسيس خبر حزين للغاية بسبب رحيل “رجل عظيم وراع عظيم”.
وعبرت الرئاسة الأرجنتينية في بيان عن بالغ حزنها لوفاة البابا فرنسيس أول زعيم أرجنتيني للكنيسة الكاثوليكية العالمية.
كما أعرب البيت الأبيض عن تعازيه بوفاة البابا، ونشر صورة له مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس، مصحوبة بتعليق “ارقد في سلام”.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن البابا فرنسيس كان ينحاز دوما طوال توليه البابوية للضعفاء، وأنه فعل ذلك بكثير من التواض