في ذكرى تحرير سيناء .. "مصر اليوم في عيد"
في تاريخ الأمم صفحات مضيئة لا تمحى من ذاكرة الشعوب.. تظل محفورة في الوجدان يتناقلها الأبناء جيلا بعد جيل.. من بين هذه الصفحات يظل يوم 25 إبريل أبرز وأهم هذه الصفحات وهي ذكرى تحرير سيناء كأحد أعظم الانتصارات المصرية.
أرض الفيروز بقعة غالية في جسد الوطن ظلت مطمعا للغزاة ومحط أنظار الطامحين عبر التاريخ .. تجلى على أرضها الرحمن وسار في دروبها الأنبياء وهو ما جعل لها عظمة وقدسية في قلوب الجميع.
وهي أرض السلام وطريق الحرب .. معبر أرضي و جسر استراتيجي عبرته الجيوش منذ فجر التاريخ مئات المرات حتى إن جيش القائد الفرعوني تحتمس عبر سيناء في حروبه سبعة عشرة مرة.
حروب ومعارك ضارية خاضها المصريون لاستردادها والحفاظ عليها .. تاريخ طويل من الكفاح لاسترداد أخر شبر من الأرض تكللت برفع العلم المصري فوق شبه جزيرة سيناء بعد استعادتها كاملة من المحتل الإسرائيلي في 25 أبريل عام 1982.
سلسة طويلة من الصراعات شهدتها أرض سيناء مع المحتل الإسرائيلي .. لكن ظل دائما التمسك المصري بالتراب الوطني وعدم التفريط في شبر واحد من الأرض والإصرار على استعادتها كاملة.. وكان رفع العلم المصري فوق شبه جزيرة سيناء هو المشهد الأخير في هذا الصراع بعد انتصار كاسح للسياسة والعسكرية المصرية.
ويظل عيد تحرير سيناء يوما خالدا في ذاكرة الشعب المصري، فهو رمز للصمود والنصر والإرادة وهو تجسيد لإرادة الشعب المصري القوية في الدفاع عن أرضه وسيادته، وقيم التضحية والفداء التي قدمها شهداء مصر من أجل تحرير أرضهم ونتاجا نفتخر به لحرب أكتوبر المجيدة، ومسيرة السلام والدبلوماسية الطويلة.
– معارك عسكرية.. ودبلوماسية
رحلة طويلة عسكرية ودبلوماسية خاضتها مصر حتى تصل إلى يوم 25 أبريل عام 1982 ورفع العلم المصري على سيناء بعد استعادتها كاملة من إسرائيل.
بدأت معركة تحرير سيناء بعد احتلالها عقب نكسة يونيو 1967، حيث خاضت القوات المسلحة معارك شرسة خلال حرب الاستنزاف ثم استكمال المعركة خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 والتي أدت لاسترداد الكرامة.
ومهدت حرب أكتوبر الطريق لعقد اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل الذي عقد في سبتمبر 1978 على أثر مبادرة الرئيس السادات التاريخية في نوفمبر 1977 وزيارته للقدس.
توصلت اتفاقية السلام مع إسرائيل إلى إنهاء الحرب بين الطرفين وإقامة السلام بينهما وسحب إسرائيل كافة قواتها المسلحة وأيضا المدنيين من سيناء، على أن تستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء.
أدت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل إلى انسحاب إسرائيلي وذلك وفق جدول زمني للانسحاب المرحلي من سيناء حتى تحقق الانسحاب الكامل يوم 25 أبريل عام 1982 وتم رفع العلم المصري على حدود مصر الشرقية على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بعد احتلال دام 15 عاما وإعلان هذا اليوم عيدا قوميا مصريا في ذكرى تحرير كل شبر من سيناء.
وخلال الإنسحاب النهائي الإسرائيلي من سيناء تفجر الصراع بين مصر وإسرائيل حول طابا وعرضت مصر موقفها بوضوح وهو أنه لا تنازل ولا تفريط عن أرض طابا، وفيما استغرقت المعركة الدبلوماسية لتحرير هذه البقعة الغالية سبع سنوات من الجهد الدبلوماسي المصري المكثف.
* موقع استراتيجي
كما وهب الخالق مصر موقعا عبقريا، فقد وهب سيناء موقعا يلخص عبقرية مصر من حيث الوسطية والتنوع والتميز والأهمية .. فهي الرقعة التي تصل أفريقيا بأسيا بينما تطل بواجهتها الأوسع على أوروبا عبر مياه البحر المتوسط.
وتمثل سيناء أهمية استراتيجية كبرى للدولة المصرية نظرا لموقعها الجغرافي الفريد الذي يربط بين قارتي آسيا وأفريقيا، فضلا عن كونها بوابة مصر الشرقية، لذلك فإن الدولة اتخذت خطوات حاسمة لتأمين سيناء وتعزيز التنمية فيها، إيمانا بأن الأمن والاستقرار هما الأساس لتحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية.
وتتمتع سيناء بموقع جغرافي واستراتيجي هام .. هذا الموقع هو “كلمة السر” والعنصر الحاسم في تاريخ وحاضر ومستقبل سيناء.. فهي تقع بين ثلاثة مياه: البحر المتوسط في الشمال وقناة السويس في الغرب وخليج السويس من الجنوب الغربي ثم خليج العقبة من الجنوب الشرقي والشرق.
وسيناء هي حلقة الوصل بين آسيا وأفريقيا .. وهي معبر بين حضارات العالم القديم في وادي النيل وفي دلتا نهري دجلة والفرات وبلاد الشام وقد انعكست الأهمية الجغرافية والاقتصادية لسيناء علي تطورها التاريخي حتي أضحي تاريخها بمثابة سجل شامل للأحداث الكبري في المنطقة في الماضي البعيد والقريب معا.
* كنوز وثروات
في كتابه سيناء بين الجغرافيا والسياسة يقول المؤرخ جمال حمدان “قد يتوهم البعض أن سيناء صندوق من الرمال ولكن في الحقيقة هي صندوق من الذهب .. من يتحكم فيها سيتحكم في الشرق الأوسط كله”.
ومنذ القدم وسيناء منجم مصر من الذهب والمعادن النفيسة، وهي حتى الآن المورد الرئيسي للبترول في مصر (ثلث إنتاج مصر) خاصة ساحل خليج السويس، وتحتوى على أكبر مخزون في العالم لعدد كبير من المعادن، فهي تحتوي على
النحاس والفوسفات والحديد والفحم والمنجنيز واليورانيوم والكثير من الخامات التي تستخدم في الصناعات مثل الجبس والفحم الحجري والطفلة الكربونية.
كما تشتهر بوجود اجود أنواع الفيروز في العالم الذي اكتشفه المصريون القدماء على أرضها واستخدموه في تزيين المعابد والتماثيل لذل يطلق عليه “أرض الفيروز”.
كما تحتوي على أنواع كثيرة من النباتات النادرة التي تستخدم في العلاجات والأدوية.
إمكانيات سيناء الاقتصادية لا تتوقف على ثرواتها التعدينية بل أيضا بها إمكانيات ترشحها لتكون من أكبر قبلات السياح في العالم بأنواعهم، فالحديث عن السياحة الشاطئية فتحتوي سيناء على 700 كيلو متر شواطئ من أجمل شواطئ العالم والتي تتميز بطقس معتدل ومحميات طبيعية لا مثيل لها في العالم بها العديد من الأسماك والحيوانات والنباتات.
نضيف على كل هذا وجود أهم ممر مائي في العالم في سيناء قناة السويس والتي يعبر منها ثلث تجارة العالم سنويا ويجعلها أكبر ميناء مفتوح في العالم.
كل تلك الجوانب المتعدد في سيناء، يجعل منها إقليم فريد بإمكانيات جبارة.
– تنمية شبه جزيرة سيناء
تأتي ذكرى تحرير سيناء حاملة معها مسيرة أخرى تخوضها الدولة المصرية بكل قوة وهي مسيرة البناء والتنمية والتعمير لشبه جزيرة سيناء، وتولي الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتماما بالغا بتنمية سيناء، حيث أطلقت خطة قومية شاملة تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في جميع المجالات.
وتشمل هذه الخطة العديد من المشروعات الضخمة في مجالات البنية التحتية منها إنشاء شبكات جديدة من الطرق والسكك الحديدية والموانئ والكهرباء، وتشمل استصلاح الأراضي وإنشاء مناطق صناعية جديدة وتشجيع الاستثمار، كما تشمل تطوير البنية التحتية السياحية، وبناء مدن جديدة وتوفير وحدات سكنية ملائمة وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحسين جودة الخدمات في مختلف القطاعات وتطوير مشروعات الطاقة المتجددة.
وقد حققت هذه الخطة نتائج ملموسة على أرض الواقع، حيث شهدت سيناء طفرة عمرانية واقتصادية كبيرة خلال السنوات الماضية، فهناك مشروعات تنموية كبيرة يتم تنفيذها في سيناء، وستساهم تنمية سيناء في تعزيز الأمن القومي المصري من خلال استقرار المنطقة وجذب الاستثمارات الأجنبية، وستساهم تنمية سيناء في تحسين جودة الحياة لأهالى سيناء من خلال توفير خدمات أفضل في مجالات التعليم والصحة والإسكان والنقل وتوفير فرص عمل لهم.
وزاد إجمالي الاستثمارات العامة الموجهة لتنفيذ مشروعات في سيناء ومدن القناة نحو 10 أضعاف لتصل إلى 58.8 مليار جنيه عام 2023/ 2024، مقارنة بـ 5.9 مليار جنيه عام 2013 / 2014 ، فضلا عن 377 فرصة استثمارية متوفرة على الخريطة الاستثمارية بمختلف الأنشطة منذ إنشاء الخريطة عام 2018، و180 فرصة صناعية، كما تم افتتاح 3 مراكز لخدمة المستثمرين بتكلفة 212.7 مليون جنيه لخدمة 7.5 ألف شركة.
وفيما يتعلق بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، فقد قدم جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر قروضا بقيمة 2.4 مليار جنيه حتى فبراير 2024، مولت 56.2 ألف مشروع وفر نحو 97.5 ألف فرصة عمل.
بالنسبة للمشروع القومي للتنمية المجتمعية والبشرية والمحلية “مشروعك”، تم تقديم قروض بقيمة 930.4 مليون جنيه حتى فبراير 2024، مولت 5951 مشروعا وفر نحو 43.9 ألف فرصة عمل.