العمارة الخضراء… مستقبل مستدام لعالمنا

أكدت الدكتورة ايمان سويدان استاذ مساعد الزهور ونباتات الزينة وتنسيق الحدائق بجامعة دمنهور أن العمارة الخضراء هي نهج متكامل في تصميم وإنشاء وتشغيل المباني يعتمد على تقنيات تحافظ على البيئة وتقلل من استهلاك الموارد، مع تحسين جودة حياة المستخدمين، حيث ظهرت هذه الفلسفة استجابةً للتحديات البيئية مثل تغيّر المناخ واستنزاف الموارد الطبيعية، وأصبحت اليوم من أبرز اتجاهات العمارة الحديثة عالميًا
وأضافت في تصريحات لـ” بوابة ماسبيرو” لك أن تتخيّل أن تعيش في مبنى يتنفس معك، يوفِّر لك الهواء النقي، ويُضيء بنور الشمس، ويوفِّر الطاقة والمياه دون إهدارٍ. هذا ليس خيالًا علميًا، بل هو واقع تحققه العمارة الخضراء — نمط جديد من البناء يراعي البيئة ويحمي صحتنا ويقلل التكاليف
العمارة الخضراء هي نهج علمي متكامل لتصميم وتنفيذ وتشغيل المباني، يهدف إلى تقليل الأثر البيئي السلبي للمباني على البيئة الطبيعية والإنسان، من خلال الاستخدام الفعّال للطاقة والمياه والمواد، وتقليل النفايات والانبعاثات، مع تحسين صحة وراحة المستخدمين.وتعتمد العمارة الخضراء على تطبيق مبادئ الاستدامة البيئية، والكفاءة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية في كل مراحل البناء، بدءًا من التخطيط والتصميم، مرورًا بعمليات الإنشاء والتشغيل، ووصولًا إلى الصيانة وحتى التفكيك أو إعادة الاستخدام،
وذكرت أن العمارة الخضراء تعتمد على مجموعة من المبادئ المتكاملة التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة في كل مراحل البناء والتشغيل. في مقدمتها تأتي كفاءة استخدام الطاقة، حيث يتم تصميم المباني لتقليل استهلاك الطاقة من خلال العزل الحراري، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وأنظمة الإضاءة والتكييف عالية الكفاءة. يلي ذلك إدارة المياه بفعالية عبر تقنيات ترشيد الاستهلاك، و تدوير المياه الرمادية، وتجميع مياه الأمطار. كما ترتكز العمارة الخضراء على اختيار مواد بناء طبيعية، محلية، وقابلة لإعادة التدوير، مما يقلل من الأثر البيئي للمواد المستخدمة. وتهتم هذه العمارة أيضًا بجودة البيئة الداخلية، من خلال توفير تهوية جيدة، وإضاءة طبيعية، وتقليل استخدام المواد الملوِّثة، بما يضمن راحة وصحة السكان. إضافة إلى ذلك، تُراعي العمارة الخضراء تكامل المبنى مع الموقع الجغرافي والبيئة المحيطة، وتحترم النظم البيئية والتضاريس الطبيعية. كما تهدف إلى تقليل النفايات الناتجة أثناء وبعد البناء، وتشجّع على إعادة الاستخدام والتدوير. وأخيرًا، تُصمَّم هذه المباني بمرونة عالية تُمكّنها من التكيف مع المتغيرات المناخية والاجتماعية، بما يضمن استدامتها على المدى الطويل
أوضحت أن العمارة الخضراء أداة فعّالة لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة، فهي تساهم بشكل مباشر في تقليل الانبعاثات الكربونية من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وتقنيات العزل الحراري التي تقلل من استهلاك الكهرباء. كما تساعد على الحفاظ على الموارد الطبيعية، مثل المياه والأخشاب، من خلال أنظمة إعادة التدوير وتجميع مياه الأمطار، واستخدام مواد بناء صديقة للبيئة. وتسهم أيضًا في تقليل التلوث الهوائي والمائي من خلال تقنيات التحكم في النفايات وتقليل الانبعاثات، مما يؤدي إلى بيئة أنظف وأكثر توازنًا. علاوة على ذلك، تدعم العمارة الخضراء حماية النظم البيئية والتنوع البيولوجي، من خلال احترام الموقع الطبيعي وتقليل التعدّي على المساحات الخضراء والموائل الحيوية. باختصار، هي نهج شامل يعزز التناغم بين المبنى والبيئة، ويضمن استدامة الموارد للأجيال القادمة
توفر العمارة الخضراء مكاسب اقتصادية ملموسة على المدى القصير والطويل، حيث تؤدي الكفاءة في استهلاك الطاقة والمياه إلى خفض كبير في فواتير التشغيل والصيانة للمباني. كما أن استخدام مواد بناء متينة وصديقة للبيئة يقلل من تكاليف الصيانة الدورية ويطيل عمر المبنى الافتراضي. المباني الخضراء تحقق أيضًا قيمة سوقية أعلى مقارنة بالمباني التقليدية، إذ تُعد أكثر جاذبية للمستثمرين والمشترين الذين يبحثون عن جودة الحياة والاستدامة. في العديد من الدول، تمنح الحكومات والمطورون العقاريون حوافز مالية وتشجيعية للمشاريع التي تلتزم بالمعايير البيئية، مثل تخفيضات ضريبية أو دعم تمويلي. كما أن الاعتماد على تقنيات البناء المستدام يفتح مجالات جديدة للتوظيف والاستثمار في قطاعات ناشئة مثل الطاقة المتجددة، وإدارة المباني الذكية، وتدوير المخلفات. بذلك، تمثل العمارة الخضراء استثمارًا ذكيًا يجمع بين الاقتصاد والبيئة
وتحدث العمارة الخضراء تحولًا نوعيًا في جودة الحياة داخل المباني، من خلال توفير بيئة داخلية صحية وآمنة، تُقلل من المشكلات الصحية الناتجة عن التلوث وسوء التهوية. تعتمد هذه المباني على أنظمة تهوية طبيعية ومواد بناء غير سامة، مما يحسن جودة الهواء ويقلل من تعرض السكان للملوثات الكيميائية والمُهيّجات التنفسية. كما تساعد الإضاءة الطبيعية و التصميمات التي تراعي الراحة الحرارية والصوتية على تقليل الإجهاد والتوتر وتعزيز الصحة النفسية. وجود مساحات خضراء داخل المبنى أو على أسطحه يسهم في تحسين المزاج وتقوية الجهاز المناعي، خاصة في البيئات الحضرية المزدحمة. وتشير الدراسات إلى أن ساكني المباني الخضراء يعانون بدرجة أقل من أمراض الجهاز التنفسي، و يحققون معدلات إنتاجية وتركيز أعلى، مما يجعل هذه العمارة استثمارًا في الصحة الجسدية والعقلية على حدٍ سواء
ونوهت إلى مساهمة العمارة الخضراء في رفع جودة الحياة من خلال توفير بيئات معيشية أكثر راحة وصحة، كما تخلق فرص عمل جديدة في مجالات الاقتصاد الأخضر مثل الطاقة المتجددة وإدارة المباني المستدامة. إلى جانب ذلك، تعزز هذه العمارة من الوعي البيئي لدى الأفراد والمجتمعات، وتدعم بناء ثقافة تشاركية تحترم البيئة وتعمل على تحسين العلاقة بين الإنسان ومحيطه العمراني
بحيث بدأت دول عربية مثل الإمارات، مصر، السعودية، والمغرب في تبنّي مفاهيم العمارة الخضراء ضمن مشاريعها الوطنية، مثل مدينة “مصدر” في أبوظبي،وقد ومباني العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، التي تهدف للوصول إلى مبانٍ صديقة للبيئة باستخدام الطاقة الشمسية وتقنيات التهوية الذكية
وأشارت الدكتورة ايمان سويدان إلى أن العمارة الخضراء لم تعد مجرد توجه معماري أو صيحة عابرة، بل أصبحت ضرورة حتمية تفرضها متطلبات الحاضر وطموحات المستقبل. فهي تمثل التقاء العلم بالفن، والبيئة بالإنسان، والتكنولوجيا بالقيم. وفي ظل التحديات البيئية العالمية، تظل العمارة الخضراء بوابة الأمل نحو مدن أكثر صحة، وعدلاً، واستدامة