أحمد المسلمانى: الإبداع شريك فى الحـرب والمـواجهـة

مصر تواجه تحديات وهجمات مستمرة على عقول المواطنين
إحياء المبنى نفسياً سبق تطويره موضوعياً واقتصادياً
لا يجوز للمبدع أن يقف فى الجانب الآخر من المعركة
رحب الكاتب الكبير أحمد المسلمانى بضيوف مؤتمر “مستقبل الدراما المصرية” من الفنانين والكُتّاب والنقاد والممثلين وكذلك الإعلاميين، قائلا: “باسم الهيئة الوطنية للإعلام فى جمهورية مصر العربية، يطيب لى أن أرحب بحضراتكم فى هذا الملتقى المهم، والذى يطرح للنقاش والحوار – الآن ودائمًا – مستقبل الدراما فى مصر، وإنّه لمن دواعى سرورى أن أشهد مع زملائى اليوم عودة نجوم مصر ونجماتها من صنّاع قوتنا الناعمة إلى ماسبيرو من جديد.. لقد طال الانتظار، لكنّ الأمر تحقق أخيرًا، فأهلاً وسهلاً بحضراتكم فى بيتكم الأول التليفزيون المصرى”.
أضاف: “لقد شرفنى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى بتولى المسئولية فى الهيئة الوطنية للإعلام فى هذه المرحلة الممتلئة بالتحديات، وإننا نعاهد سيادته على بذل قصارى جهدنا وإخلاصنا من أجل ماسبيرو، ومن أجل بلادنا”.
وقال المسلمانى: “إن السينما والدراما لا تخصّ أصحابها وحدهم، بل تخصّ مجتمعًا يزيد على 100 مليون إنسان، ومحيطا عربيا وإقليميا يقارب نصف المليار نسمة، لذا كان من الضرورى أن يكون هناك حوار مجتمعى مستمر.. يضم المفكرين والأكاديميين ودوائر المثقفين.. من أجل تعزيز إبداعنا، وتصحيح مساراتنا، ودعم أهداف بلادنا.. فى تحقيق الأمن والرخاء، وفى توسيع مساحة العقل والحرية، وترسيخ قيم العلم والبناء”.
أكد: “تعانى بلادنا موجاتٍ متقطعة من التطرف الدينى، ومعاداة الفن والإبداع، كما تواجه حربًا شرسة على أبنائها من قبل “بارونات” المخدرات العالمية، حتى أصبحت بلادنا من بين أكبر دول العالم فى المعاناة من خطر المخدرات، التى تمثل حربًا كيميائية على بلادنا، فهى سلاح دمار شامل يهدد أجيالنا فى صمت، وتبذل الدولة جهودًا كبيرة لمواجهة ذلك الخطر الكبير، ومن الواجب أن يكون الإبداع شريكًا فى الحرب والمواجهة، ولا يجوز للمبدع أن يقف فى الجانب الآخر من المعركة.. كما تعانى مصر أيضًا شحًا فى المياه، أدخلنا فى دائرة الفقر المائى، تتوازى مع ذلك أخطار من جهة الجنوب تدعمها أيادٍ خارجية، تريد الضغط الدائم علينا، فى مسألةٍ تهدد الحدود والوجود.. ثم إن مصر تعانى حالةً من الاضطراب الثقافى لدى الأجيال الجديدة، وصعود الروافد الأجنبية على حساب الإبداع المصرى والفكر الوطنى.. ايضا تواجه كذلك أزمات إقليمية عند حدودها، وفى قلب مجالها الحيوي، وهى أزمات لا تنتهى إلا لتبدأ ولا تبدأ حتى تتواصلَ وتستمر.. ظلماتٌ بعضها فوق بعض”.
واصل: “وسط ذلك كله تتبدّى أهمية ما تقومون به، وما يجب أن نعمل جميعًا للقيام به، فالحرب هى حرب الأفكار والسلوك، والخسارة فيها لمن يسىء استخدام القوة الناعمة”.
وقال المسلمانى: “لدى مصر قوة ناعمة تمتد لآلاف السنين، حيث تعلّم كبارُ فلاسفة العالم فى مدينتنا الرائعة الإسكندرية، ومن أبيدوس محافظة سوهاج أقدم عواصم الأرض خرجت قيم الدولة والقانون، وفنون الكتابة والإبداع. وعبر آلاف السنين.. وعبر طبقات حضارتنا الشاهقة.. فرعونية وقبطية وعربية وإسلامية، وصولاً إلى عصر الحداثة المصري، الذى امتد مائتى عام، قادت مصر قافلة الثقافة فى مركز العالم القديم من جديد”.
أضاف: “لقد أضاء عصر الحداثة المصرى العالم العربى من المحيط إلى الخليج.. روايةً وموسيقى، فيلمًا ومسلسلاً.. برنامجًا ومقالاً.. إن قوتنا الناعمة اليوم عند مفترق الطرق.. إمّا التراجع فى التنوير والتأثير، أو أنْ يكون المستقبل امتدادًا للماضى.. قوةً تضاف إلى قوة، وعطاء يضافُ إلى عطاء.. لا خيار فى الإجابة لدينا، لا تراجع أبدًا، بل صعودٌ مستمر.. دورٌ رائد.. وعطاء أبدىّ حتى نهاية التاريخ”.
وقال: “مبدعات مصر ومبدعيها.. مثقفات مصر ومثقفيها.. أجدّد الترحيب بكم فى بيتكم الأول ماسبيرو.. عنوان القوة الناعمة العربية.. عبر واحدٍ وتسعين عامًا من الإذاعة والتليفزيون والدراما والسينما.. متمنيًا لكم مؤتمرًا موفقًا.. وحوارًا خلاقًا”.
وفى مداخلاته المختلفة فى الجلسات قال الكاتب: “فى علم الاقتصاد العرض يخلق الطلب، والعرض المشوه سيخلق طلباً مشوهاً، وقد سألت 12 عالماً من علماء الاجتماع فأكدوا أن السلوك المصرى لا سيما عند المراهقين والأجيال الجديدة، يتأثر بالمنتج الدرامى والسينمائي، وقطع عدد كبير منهم بأن هناك تأثيرا فى السلوك والاخلاق والقيم لدى المجتمع نتيجة المحتوى الدرامى”.
وأشار إلى مسلسل (مصطفى مشرفة) وهو عمل عظيم لمخرجة عظيمة وفنان كبير هو أحمد شاكر عبداللطيف قام بدور الدكتور مشرفة.. ولسنا ما يطلبه المستمعون.. لابد أن نقول للجمهور إنه كان هناك عالم بوزن مصطفى مشرفة مر من هذا الوطن، علينا أن نرتقى بالمشاهد وثقافته ووعيه”.
وأكمل: “طلبت كل من يحملون الماجستير والدكتوراه للاستفادة منهم ومن تخصصاتهم، وجلست مع مثقفى المبنى، فماسبيرو ليس مكاناً منتجاً للمشاكل، بل هو مكان للإبداع والقيمة، فمن هم فى سن 3 أعوام وأكبر يشاهدون ماسبيرو زمان، ومن هم أصغر من سن 30 يحتاج إلى نقاش.. ندرس جيل “ألفا”، وجزء كبير من المجتمع يميل إلى الكلاسيكية، وإلا لماذا ترتفع مشاهدات برامج الفلسفة والتاريخ والبرامج الفكرية والثقافية؟”.
وتساءل المسلمانى: “ماذا قدمنا فى ماسبيرو؟”.. ويجيب قائلاً: “عملنا وفق شعار “عودة ماسبيرو” بعد انقطاع، وبدأنا بإحياء نفسى يسبق الإحياء الموضوعى والاقتصادى. بدأنا بـ(بودكاست ماسبيرو) الذى نشاهده قريباً، و(بلات فورم ماسبيرو+) رغم تعاوننا مع الأصدقاء فى Watch It، وأكاديمية ماسبيرو للتدريب ثم التحول الرقمى بالتعاون مع وزير الاتصالات.. فلدينا نصف مليون مادة فيلمية تتطلب التحول الرقمي، مع العمل على ضرورة تعديل اللوائح والقوانين والتشريعات الداخلية التى يجوز لمجلس الهيئة تعديلها.. وقد كان مسرح ماسبيرو مغلقاً واليوم نشهد فيه الفعالية الثالثة، مع إعادة تطوير استوديو 27 وهو الاستوديو الوحيد الذى يرى النيل والأهرامات بشكل حقيقى، مع إضاءة عدة أماكن فى ماسبيرو وممتلكاته، ومحاولة الإحلال الكلى على مراحل، مع بدء عودة الإنتاج والاعتماد على فنانى الداخل والخارج أو “فنانى المهجر”، وقد رأينا فيلم الفنان محمد كريم The Gunslingers مع نجوم هوليوود، ونتشرف باستضافة القامات، ويتشارك ماسبيرو مع الجميع لعمل قوة ناعمة مصرية تليق بهذا الوطن”.
وقال المسلمانى: “التحدى الأكبر ليس فى المنافسة الداخلية المحمودة وكلنا بلد ووطن واحد، لكن التحدى الاكبر فى “نحن والعالم”.. فهل الدراما المصرية عالمية؟.. وهل يمكن أن تكون فى موقع الدراما المكسيكية او التركية او الكورية الجنوبية أو العربية الشرقية الآن؟.. وهل الدراما والسينما المصرية بعد انقضاء 100 سنة سينما و65 سنة من التليفزيون تحتلان مكانة عالمية؟ هذا هو التحدى.. هو (عولمة الإبداع المصرى).. ولدينا مبدعون بمستوى عالمى، لكن لم نصل بعد لما يجب أن نكون عليه”.
وأضاف: “نقوم حالياً بمحاولات مثل ترجمة بعض الأعمال الكلاسيكية المصرية للغات الأفريقية المختلفة مثل السواحيلى والهوسا والأمهرية، لكن مشروعنا الرئيسى هو (عولمة الإبداع المصرى)، ولدينا المربع الذهبى للقوة الناعمة المصرية، فإذا أرادنا مخاطبة 400 مليون عربى فنحن قادة الحداثه، 200 عام من الحداثة من العقاد إلى محمد عربى، من طه حسين لنجيب محفوظ ومن قبل ومن بعد، وما بينهما، أما إذا أردنا مخاطبة مساحة أكبر من العالم الإسلامي، 1.8 مليار إنسان، فنخاطبه بالأزهر الشريف رأس القوة الناعمة الإسلامية فى العالم قولاً واحداً، أما إذا أرادنا مخاطبة 2.2 مليار مسيحى فى العالم فهنا – فى مصر- كانت رحلة العائلة المقدسة، ومكث السيد المسيح 3 سنوات ونصف السنة، منها 6 أشهر كاملة فى دير “المحرق” بأسيوط، أما إذا أرادت مخاطبة الإنسانية جمعاء، 8 مليارات إنسان، فبالأهرامات، فليس هناك على كوكب الأرض ما يعادل الأهرامات، ولا حضارة مثل الحضارة الفرعونية.. من يملك هذا التاريخ، المنافسة لا تعنى الصراع”.
وقال: “أشكر الكتاب والمخرجين والمبدعين والفنانين الكبار.. ماسبيرو بيتكم، وأنا ضيف عليكم فى الإدارة، مفترض أن عودته تتم على 4 سنوات، لا نعلم المنصب ولا العمر، لكن لو بقى فى العمر 4 دقائق سنعمل باجتهاد لعودته.. سنرفع توصيات هذا المؤتمر إلى رئيس الوزراء، من خلال فريق مميز من مجلة الإذاعة والتليفزيون يحرر كل مكونات المؤتمر، وسيصل لكل المؤسسات المعنية، وسنواصل العمل فهناك ما بعد المؤتمر”.