الذكرى 77 لنكبة فلسطين

يحل يوم 15 مايو كل عام حاملا معه ذكرى حزينة لكل فلسطيني بل لكل مواطن عربي وهي “ذكرى النكبة”.. وهو نفس اليوم الذي يحتفل به الإسرائيليون عيدا لقيام دولتهم عام 1948.
ويجمع بين النكبة وإعلان تأسيس إسرائيل وعد بلفور البريطاني الذي يعتبر أساسا للاثنين.
في ذلك اليوم عام 1948 تم تهجير نحو 950 ألف فلسطيني وطردوا قسرا من قراهم وبيوتهم وخرجوا لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم وآمالا في العودة الى الديار.
والواقع أن نكبة الفلسطينيين، لم تبدأ في ذلك اليوم فقط، ولم يكن ذلك التاريخ إلا اليوم الأكثر دموية وهجرة للفلسطينيين من أرضهم، وتوزعهم على مخيمات اللجوء حول العالم، وبداية “القضية الفلسطينية”.
فالنكبة ليست حدثا تاريخيا عابرا ولكنها كارثة حلت بالشعب الفلسطيني، استمرت أحداثها نحو عامين، من منتصف عام 1947 وحتى منتصف عام 1949، حقبة زمنية امتلأت بالرعب والوحشية والإرهاب، تحطم فيها وطن مزدهر وتشرد فيها شعب في المنفي والشتات وتبخر حلم، بل تحول إلى كابوس جاثم على صدر الفلسطينيين حتى تاريخه.
وتسلط ذكرى النكبة الضوء على أكبر أزمة متفاقمة للاجئين في العالم وتعد ذكرى أيضا على أن أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” لا يزالون يعيشون وسط نزاع وعنف واحتلال ويتطلعون إلى حل عادل ودائم لمحنتهم.
77 عاما على ذكرى النكبة التي تطل علينا هذا العام وسط حرب شرسة ضد أهلنا في غزة، حرب إبادة تستهدف نكبة أخرى.. وكأن السنين لا تغير طعم المرارة بل تزيدها وتعمقها.
ومنذ 1948.. عمد الفلسطينيون الذين فروا من ديارهم خلال فترة النكبة، إلى أخذ مفاتيح ديارهم مقتنعين بأنهم ذات يوم سيعودون إليها.. ويتوارث الفلسطينيون تلك المفاتيح جيلا بعد جيل، لتذكرهم بديارهم المسلوبة، فضلا عما تمثله من رموز باقية للحق في العودة وتبقى رمزا للأمل والصمود بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.
* تدمير ومحو قرى فلسطينية
بحسب مركز المعلومات الفلسطيني سيطرت العصابات الصهيونية خلال النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وتم تدمير 531 منها بالكامل، وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه.
كما شهد عام النكبة أكثر من 70 مجزرة نفذتها العصابات الصهيونية، التي أمدتها بريطانيا بالسلاح والدعم، كمجازر دير ياسين والطنطورة وأكثر من 15 ألف شهيد والعديد من المعارك بين المقاومين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة والاحتلال الصهيوني من الجهة المقابلة.
531 بلدة وقرية جرى تدميرها ومحوها وإنشاء مستوطنات صهيونية على أراضيها، كما احتلت المدن الكبيرة وشهد بعضها معارك عنيفة وتعرضت لقصف الاحتلال أسفر عن تدمير أجزاء كبيرة ، ومنها اليوم ما تحول إلى مدينة يسكنها إسرائيليون فقط، وأخرى باتت مدن مختلطة.
أصبحت الغالبية العظمى من الفلسطينيين لاجئين ومهجرين نتيجة لجرائم الحرب التي مارسها الكيان الصهيوني عليهم، كالتعدي عليهم وعلى أراضيهم، حيث قامت بارتكاب المذابح الجماعية، وعمليات النهب والسلب وتدمير الممتلكات، والطرد الإجباري من البيوت على يد عصابات صهيونية مسلحة.
وفي بعض الحالات أجبرت الفلسطينيين على التوقيع على أوراق بيع لأراضيهم، حتى يتبين أنهم غادروا أراضيهم بإرداتهم وليس قسرا عنهم، وانتهج كيان الاحتلال سياسة “أطلق النار لتقتل”، وعلى أثر هذه الأعمال فإن 50% من اللاجئين قد تم تهجيرهم قبل بدء حرب عام 1948 بحسب مركز المعلومات الفلسطيني.
استخدم الاحتلال لبلوغ مقاصده، أسلوبيين أولهما الترهيب والترغيب لجعل الجاليات اليهودية الموزعة على دول العالم تأتي إلى فلسطين لتقيم المستوطنات وتقضم الأراضي العربية الفلسطينية شيئا فشيئا.
أما الثاني فكان التقرب من الدول الفاعلة عالميا والتأثير عليها لعقد اتفاقيات واستصدار وعود تعترف بوجود حق يهودي في فلسطين فأصبحت الفرصة سانحة أما الحركة الصهيونية في أوائل القرن العشرين عندما بدأت علامات الموت تظهر على الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على المشرق العربي فاستغل اليهود ذلك الوضع لاستصدار وعد من بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو ما عرف باسم “وعد بلفور”.
* الوعد المشئوم
خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنح الاستقلال لبلادهم بعد إنهاء الحكم العثماني، وأصدرت على لسان وزير خارجيتها وعد بلفور ضمن رسالة بتاريخ 2 نوفمبر عام 1917 موجهة من وزير خارجية المملكة المتحدة “آرثر بلفور” إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز وجهاء المجتمع اليهودي البريطاني، والذي ينظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
ويمكن إرجاع أول مفاوضات على مستوى عال بين البريطانيين والصهيونيِين إلى مؤتمر عقد في 7 فبراير عام 1917، تضمن السير مارك سايكس والقيادة الصهيونية.
وقادت النقاشات التي تلت هذا المؤتمر إلى طلب بلفور في 19 يونيو من روتشيلد وحاييم وايزمان تقديم مشروع إعلان عام.
نوقشت مشروعات واقتراحات أخرى أبعد من قبل مجلس وزراء بريطانيا خلال سبتمبر وأكتوبر مع ممثين للصهيونية، ورئيس بلدية يافا الدكتور يوسف هيكل من دون أي تمثيل للسكان المحليين لفلسطين.
ومثلت الكلمات الأولى في نص الوعد، أول تعبير عام عن دعم قوة سياسية كبيرة للصهيونية الذي جاءت صياغته التالي:
“تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.”.
مصطلح “وطن قومي” لم يكن له أي سابقة في القانون الدولي، وقد أُورد المصطلح غامضا عمدا دون الإشارة إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين.
كما لم يتم تحديد حدود فلسطين المعنية، وقد أكدت الحكومة البريطانية أن عبارة “في فلسطين” تشير إلى أن الوطني القومي اليهودي المشار إليه لم يقصد أن يغطي كل فلسطين.
كان لهذا الوعد آثار طويلة الأمد.. فقد زاد من الدعم الشعبي للصهيونية في أوساط المجتمعات اليهودية في أنحاء العالم، وكان أوضح تعبير عن تعاطف بريطانيا مع مساعي الحركة الصهيونية لإقامة وطن لليهود في فلسطين حيث طلب فيها بلفور من روتشليد إبلاغ زعماء الحركة الصهيونية في المملكة المتحدة وإيرلندا بموقف الحكومة البريطانية من مساعي الحركة.
ورغم أن الرسالة لا تتحدث صراحة عن تأييد الحكومة البريطانية لإقامة دولة لليهود في فلسطين، لكنها أدت دورا أساسيا في اقامة دولة إسرائيل بعد 31 عاما من تاريخ الرسالة، أي عام 1948.
كما ساهمت الرسالة في تشجيع يهود القارة الأوروبية على الهجرة إلى فلسطين خلال الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، في وقت كانت القارة تشهد صعودا للتيارات القومية المعادية للسامية.
ومنذ ذلك الوعد المشؤوم، يعاني الشعب الفلسطيني، ويلات العدوان الإسرائيلي الغاشم، ودفع آلاف الشهداء الفلسطينيين، حياتهم ثمنا لأطماع اليهود في تهجير أصحاب الأرض وإبادتهم، وإنهاء القضية الفلسطينية، والاستيلاء على الأرض، وفقا للخطة التي وضعتها حكومة الاحتلال، ضمن مخطط “إسرائيل الكبرى”، وحتى الآن صمود الشعب الفلسطيني، يقف عائقا أمام تنفيذ المخطط الصهيوني.
* الثورة العربية
بعد صدور وعد بلفور نزح آلاف اليهود المهاجرين إلى المنطقة (فلسطين تحت الانتداب) هربا من الاضطهاد المتزايد، لا سيما في دول أوروبا الشرقية.
ومع تسارع وتيرة هجرة اليهود، وقعت مواجهات عنيفة بين اليهود والفلسطينيين في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين.. ومع رفض الفلسطينيون فكرة منح وطن لليهود على أرضهم نشبت أعمال شغب في القدس والخليل عام 1929 أسفرت عن مقتل 200 يهودي تقريبا و 116 فلسطينيا في القدس أثناء محاولة القوات البريطانية إخمادها.
اندلعت ثورة فلسطينية بين عامي 1936 و1939 بدأت بإضراب عام في يافا مطالبة بإنهاء الانتداب البريطاني ورفضا لتوافد اليهود علي فلسطين.
ففرضت سلطة الانتداب البريطاني الأحكام العرفية وقتلت أكثر من 5 آلاف فلسطيني.
وأصدرت الحكومة البريطانية عام 1939 ما يعرف “بالورقة البيضاء” التي تتعهد بإنشاء وطن قومي لليهود داخل دولة فلسطينية مستقلة خلال 10 سنوات تكون محكومة بالاشتراك بين الفلسطينيين واليهود.
وتقترح الورقة أيضا تحديد الهجرة اليهودية إلى فلسطين بحوالي 10 آلاف في السنة باستثناء “حالات الطوارئ”.
ولاقت الوثيقة رفضا من العرب واليهود.
لكن شجع “الهولوكوست” ومعسكرات الإبادة التي أنشأتها النازية في بداية الأربعينيات على هجرة المزيد من اليهود إلى فلسطين.
ونشأت مجموعات يهودية مسلحة ساعية إلى إقامة دولة يهودية مستقلة في فلسطين وبدأت في مواجهة السلطة البريطانية هناك.
قرار التقسيم
في عام 1947، بعد أن أعلنت الحكومة البريطانية عن خطتها لإنهاء الانتداب على فلسطين، تبنت الأمم المتحدة القرار 181، والذي دعا إلى تقسيم أرض فلسطين إلى دولتين: يهودية وعربية، على أن تكون القدس تحت إدارة الأمم المتحدة.
وبحسب الوثيقة، خصص القرار نحو 55 % من الأرض لليهود.
وتضمن هذا التقسيم العديد من المدن الرئيسية التي تضم أغلبية فلسطينية، وكذلك الساحل الحيوي من حيفا إلى يافا.
وخصصت الوثيقة للدولة العربية ثلث الساحل باتجاه الجنوب وقد رأت القيادة العربية آنذاك أن هذا التقسيم من شأنه أن يحرم الفلسطينيين من الوصول المباشر إلى أراض زراعية ومرافئ بحرية رئيسية.
ورفضت القيادة الفلسطينية والدول العربية قرار التقسيم بدعوى أنه غير منصف، وينتهك ميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق بحق تقرير المصير.
لكن الأمم المتحدة صوتت لصالح قرار تقسيم الأرض وإقامة دولة لليهود وأخرى للعرب.
* الحرب الأولى بين العرب والإسرائيليين
في 14 مايو عام 1948 أعلنت سلطة الانتداب البريطاني إنهاء الانتداب وسحب قواتها من فلسطين.
وأعلن رئيس المنظمة الصهيونية العالمية “ديفيد بن جوريون” في نفس اليوم “قيام دولة إسرائيل”.
فأقدمت قوات من سوريا ومصر والأردن ولبنان والسعودية والعراق على غزو المنطقة وشاركت مصر والأردن بالنصيب الأكبر في الحرب.
ألحقت إسرائيل الهزيمة بالجيوش العربية، واحتلت الأرض التي كانت مخصصة في البداية للفلسطينيين بمقتضى قرار التقسيم لعام 1947.
وفي يناير 1949 انتهت الحرب عندما وقعت إسرائيل ومصر ولاحقا مع لبنان والأردن وسوريا اتفاق الهدنة ومع انتهاء الحرب، كانت إسرائيل قد بسطت سيطرتها على معظم الأرض.
وسيطرت القوات الأردنية على المنطقة التي أصبحت معروفة باسم الضفة الغربية، بينما سيطرت القوات المصرية على غزة.
وأصبحت القدس مقسمة بين القوات الإسرائيلية في الغرب والقوات الأردنية في الشرق.
ولأنه لم تكن هناك أي اتفاقية سلام، شهدت العقود التالية المزيد من الحروب والاشتباكات.
* تدفق المهاجرين اليهود
في ذلك الوقت، كانت إسرائيل تعمل بقوة لتطبيق الفكرة التي أقيمت من أجلها “الوطن القومي لليهود”، وفتحت الحكومة أبواب البلاد للمهاجرين اليهود من كل مكان في العالم.
كل يهودي دخل البلاد حصل على الجنسية الإسرائيلية فورا وتقول المصادر الإسرائيلية إنه في الأشهر الأربعة الأولى وصل نحو 50 ألف وافد جديد، معظمهم من الناجين من المحرقة إلى شواطئ إسرائيل.
وبحلول نهاية عام 1951، وصل إجمالي 687 ألف رجل وامرأة وطفل، أكثر من 300 ألف منهم لاجئون من الأراضي العربية إلى إسرائيل، مما ضاعف عدد السكان اليهود.
بدعم غربي كبير تمكنت إسرائيل من تثبيت وجودها، ولم تغب التوترات الأمنية والعسكرية عن المشهد في المنطقة طوال سنوات.
* مجازر العصابات الصهيونية
مجموعة من المجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق بعض القرى الفلسطينية، وحاولت من خلالها أن ترهب الفلسطينيين وتدفعهم إلى مغادرة أراضيهم، وتعد مذبحة دير ياسين النموذج الأساسي في هذا السياق، التي تعتبرها العديد من الدراسات حدثا مفصليا في تهجير الفلسطينيين عام 1948، واستمر الاحتلال بتهجير الفلسطينيين بوضوح حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
اتجه الفلسطينيون المهجرون في أكثر من اتجاه، ابتداء من الضفة وغزة وصولا إلى الأردن ولبنان وسوريا ومصر والعراق، وهي المناطق التي تلقت الجزء الأكبر من اللجوء الفلسطيني، إلى جانب مجموعات عديدة لجأت إلى مختلف دول العالم.
ورغم ذلك، فالهجرات الفلسطينية بدأت وفقا للعديد من المصادر قبل النكبة نتيجة الضغوط التي مارسها الانتداب البريطاني والعصابات اليهودية على الفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن تهجير الكتلة الكبيرة كان في عام النكبة بلغت قرابة 700 ألف فلسطيني، كما أن التهجير استمر بين حرب عام 1948 وحرب عام 1967، وقد شكلت تلك الأخيرة المحطة الأساسية الثانية في هجرة الفلسطينيين، التي سمي معظم مهاجريها بـ”النازحين”، وتوجه معظمهم إلى الأردن وتقدر أعدادهم بأكثر من ربع مليون.
لم تتوقف الهجرة الفلسطينية مع حرب 1967، ومع ممارسة سياسات قهرية وترحيلية رصد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بالأرقام عام 2016 تزايد أعداد الراحلين من الأراضي الفلسطينية نتيجة سياسات شملت التضييق الاقتصادي وهدم المنازل والسيطرة على الأراضي وتقييد الحركة والاعتقالات، وتكثيف السياسات الأمنية، حيث دفعت هذه السياسات مجتمعة بكثير من الفلسطينيين، وخصوصا الشباب والنخب العاملة والمتعلمة إلى البحث عن فرص في الخارج.
* الفلسطينيون و”حق العودة”
يعتبر الفلسطينيون “حق العودة” إلى وطنهم من المطالب الأساسية التي لم تحل إلى الآن.
وأقر المجتمع الدولي بحق الفلسطينيين في العودة أو التعويض، عبر القرار 194 الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر عام 1948.
ونص القرار على أن “اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم ينبغي السماح لهم بذلك في أقرب وقت ممكن”.
لكن إسرائيل، تقول إن السماح للفلسطينيين بالعودة من شأنه أن ينهي وجود الدولة اليهودية، نظرا لأعداد اللاجئين الفلسطينيين وترى أن هذه المسألة يمكن حلها فقط في إطار صفقة سلام شاملة تقر بحق إسرائيل في العيش بأمان وسلام.
ويوجد اليوم حوالي خمسة ملايين فلسطيني مسجلين لدى الأمم المتحدة كلاجئين (ويتضمن هذا الرقم الجيل الأول للاجئين وذرياتهم).
ويعيش نحو ثلث هذا الرقم – أكثر من 1.5 مليون شخص – في 58 مخيما من مخيمات اللجوء الفلسطينية المعترف بها في كل من الأردن، لبنان، سوريا، غزة والضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة بحسب القانون الدولي.
* محطات تاريخية في محاولات تهجير الفلسطينيين
مشاريع توطين الفلسطينيين في الأقطار العربية عرفت حضورا تاريخيا متكررا، لا سيما بداية من عام 1953، بما عرف حينها بـ”خطة سيناء”، وكذلك “مشروع الجزيرة” شمال سوريا، لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والعراق، و”مشروع جونسون” لتوطين الفلسطينيين الموجودين بالضفتين الشرقية والغربية حول نهر الأردن.
تلك المشاريع جميعا لاقت رفضا عربيا رسميا، وعلى المستوى الشعبي كذلك، لا سيما مؤخرا منذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر 2023.
والمقترح الأخير الذي طرحه الرئيس الأمريكي ترامب، بدعوة كل من مصر والأردن لاستقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين ولاقى رفضا شعبيا وإعلاميا في مصر، ليس الأول ولن يكون الأخير في مخططات تهجير الفلسطينيين.
وعرف الفلسطينيون “التهجير القسري” عن وطنهم عام 1948، مع إعلان قيام دولة إسرائيل، وفي العام التالي أسست الأمم المتحدة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” من أجل الاستجابة لاحتياجات لما يقرب من ثلاثة أرباع مليون فلسطيني.
وشهد عام 1953 طرح “خطة سيناء” التي دعمتها واشنطن، وتشمل تهجير فلسطينيين لتلك البقعة المصرية، وجاء يوليو 1967 لتتواصل ماكينة إنتاج محاولات التهجير، وذلك عبر طرح السياسي والعسكري الإسرائيلي “إيجال ألون” على مجلس وزراء بلاده، خطة لفرض تسوية إقليمية تهدف لترحيل فلسطينيين إلى الأردن ومصر ولكنها لم تر النور.
وفي عام 1970، تبنى قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي، أرئيل شارون، الذي أصبح لاحقا رئيسا للوزراء، خطة لتفريغ قطاع غزة من سكانه، ونقل المئات منهم لسيناء ومدينة العريش، اللتين كانتا تحت الاحتلال الإسرائيلي وقتها، ولم تنجح في الاستمرار.
واستمرت المخططات مع عام 2000، مع تقديم القائد العسكري الإسرائيلي، جيورا أيلاند، مشروعا يتضمن تقديم تنازلات عن أراض في سيناء لصالح دولة فلسطينية مقترحة، مقابل امتيازات لمصر، ولم يكتب له النجاح.. وتكرر ذلك المشروع بعد 4 أعوام على يد الرئيس السابق للجامعة العبرية بالقدس، يوشع بن آريه، ولم يخرج من حيز النقاش للتنفيذ أيضا.
وفي ولاية الرئيس ترامب الأولى، بدأ الحديث إعلاميا عام 2018، عن خطة أمريكية لتهجير الفلسطينيين تحت ما سمي بـ”صفقة القرن”، وهو ماقوبل بالرفض الشديد لفكرة “الوطن البديل” والتوطين، وسط مواقف رسمية وإعلامية مصرية متكررة عن رفض مخططات التهجير.
وكانت حرب غزة محطة جديدة لعودة إسرائيلية لـ”مخطط التهجير”، حيث كشفت ورقة نشرها معهد “مسجاف” الإسرائيلي، في 17 أكتوبر 2023، تدعو لإبعاد الفلسطينيين إلى مصر، وفي 14 من الشهر التالي دعا وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إلى الهجرة الطوعية واستيعاب عرب غزة في دول العالم.
وفي أواخر نوفمبر 2024، جدد سموتريتش، الدعوة لتشجيع سكان غزة على الهجرة خلال عامين.
وفي خضم الأحداث الجارية وجراء الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، طرحت مرة أخرى على الساحة فكرة تهجير الفلسطينيين، ونقل سكان غزة إلى أراضي عربية مجاورة على رأسها سيناء، وتهجير سكان الضفة الغربية التي يسيطر الاحتلال على مساحات واسعة منها إلى أراضي المملكة الأرنية المجاورة، وهو ما يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية ومحو الدولة الفلسطينية بأكملها لكن هذا المقترح وجد رفضا واضحا وبارزا من قبل مصر والأردن.
ووفقا لبيانات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني وحتى عام 2023، بلغ عدد الفلسطينيين الموجودين في أراضي “دولة فلسطين”، أي في الضفة الغربية وغزة، 5.48 ملايين شخص وهو ما يشكل قرابة 38% من نسبة الفلسطينيين الذين بلغ عددهم 14.5 مليون شخص حول العالم.
وهو ما يعني أن 62% من الفلسطينيين يعيشون خارج أراضيهم، وهو وضع يعود بشكل أساسي إلى الحدثين الأساسيين في تاريخ القضية الفلسطينية اللذين رسما الواقع على الأرض اليوم نكبة 1948 وما تبعها من حملات تهجير قسري حتى عام 1949، ونكسة 5 يونيو عام 1967.
* حلم إسرائيلي
يبقى الحلم الإسرائيلي المتطرف بتهجير الفلسطينيين حلما دائما في الخيال الإسرائيلي، ينتظر اللحظة المواتية للشروع في تطبيقه من خلال مؤسساته العسكرية والسياسية خاصة أن الاحتلال وضع لحملته على غزة هدفا سياسيا وعسكريا بعيدا هو القضاء على حماس ووقف “التهديد” القادم من غزة، وهو ما يعني فعليا السيطرة التامة على غزة.
* معوقات التهجير
جزء مهم من عملية التهجير في الماضي والتي أتمتها العصابات اليهودية كانت نتيجة المذابح الدموية التي قامت بها، وهو ما دفع الفلسطينيين في كثير من الحالات إلى مغادرة أراضيهم قبل أن يصلهم أفراد هذه العصابات.
كما أن جزءا من أسباب المغادرة كان الاعتقاد بأنها ستكون هجرة مؤقتة، وأن العودة ستكون قريبة مع هدوء الأوضاع، إلا أن خبرة الفلسطينيين وخصوصا الذين هجروا، تثبت عكس ذلك، وهو ما حول ذات الفلسطينيين إلى العنصر الأهم اليوم في إجهاض أي محاولة تهجير قبل أي معامل آخر.
كما أن الرغبة الإسرائيلية المتطرفة بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم تقابلها معوقات كثيرة منها ماهو عربي وإقليمي ودولي.
أول هذه العوائق هو التحدي الدبلوماسي العالمي، وهو يتعلق بتأثير هذه الخطوة على شرعية إسرائيل ومكانتها الدولية فأي عملية تهجير واسعة لا بد لها من حملات سياسية وإعلامية كبيرة وممتدة لإقناع الرأي العام العالمي بها، وهو ما يبدو صعبا جدا إن لم يكن مستحيلا وهو مايرتبط بالعائق الثاني.
العائق الثاني ذو طابع إقليمي، وهو يتعلق بمواقف دول الجوار من الخطة الإسرائيلية حيث واجهت دول المنطقة هجرات فلسطينية عدة مرات مع كل عدوان إسرائيلي على سكان غزة.
الدول العربية المحيطة بفلسطين، وعلى رأسها مصر والأردن يتخذان مواقف حازمة بخصوص رفض تهجير الفلسطينيين، الذي يمثل شهادة وفاة رسمية لمشروع الدولة الفلسطينية، وهو مايرفضه الجميع.
يضاف إلى ذلك إن العديد من دول المنطقة أبدت مواقف واضحة تعارض هذه الخطوة، وكان الموقفان الأردني والمصري أكثرها وضوحا، حيث اعتبرا ضمنيا أي محاولة تهجير بمنزلة إعلان حرب عليهما، وهو ما يضع الاحتلال أمام تحد حقيقي لايستطيع مواجهته.
* مصر والقضية الفلسطينية
على مدار عقود ومنذ عام 1948 ظلت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولي، احتلت مساحة كبيرة من الاهتمام المصري، تغيرت الأزمنة والظروف الداخلية والخارجية والنظم والسياسات ولكن ظل ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية ثابتا وكبيرا.
ارتباط دائم تمليه اعتبارات الأمن القومي المصري وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم، لذلك لم يكن الموقف المصري من القضية الفلسطينية في أي مرحلة يخضع لحسابات المصالح أو ورقة لمساومات إقليمية أو دولية.
وعلى مدى عقود سعت مصر لدفع عملية السلام وحل القضية القضية الفلسطينية، واتخذت السلام طريقا استراتيجيا للحفاظ على مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، في إطار مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ووفقا للمبادرة العربية للسلام لعام 2002، ومقررات الشرعية الدولية بهذا الشأن.
وظل الموقف المصري بمواصلة المساعي الدءوبة لدعم حل الدولتين، وإقامة دولة الفلسطينية والتوصل لتسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية ثوابت لا تتغير ولا تتأثر.
– الموقف المصري ومسارين أساسيين
الاهتمام المصري الدائم بالملف الفلسطيني على كافة المستويات تم التأكيد عليه بشكل مستمر طوال مراحل الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مناسبات عدة استمرار مصر في جهودها الدؤوبة تجاه القضية الفلسطينية لكونها من ثوابت السياسة المصرية، ومواصلة بذل الجهود لاستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة.
وقد تضمن التأكيد المصري المستمر على أهمية إبراز المسارين الأساسيين اللذين يلخصان الموقف المصري من القضية الفلسطينية، الأول أهمية توحيد الجهود العربية والدولية لإعادة تنشيط مسار السلام في فلسطين على أساس حل الدولتين، والمسار الثاني يتضمن التحرك بشكل أكبر لإنهاء حالة الانقسام التي يعاني منها الكيان الفلسطيني، وتحريك مسار المصالحة الوطنية وبناء قواعد الثقة بين الأطراف الفلسطينية.
– مسار السلام و”حل الدولتين”
فيما يتعلق بمسار السلام وإيجاد حلول سلمية للقضية الفلسطينية، دعمت مصر كافة المؤتمرات والمبادرات السلمية في هذا الصدد، ولا تزال تتحرك في هذا الصدد على قاعدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ضمن مسار “حل الدولتين”.
لذا كانت مواقفها المعلنة تؤكد دعمها الثابت والكامل للقضية الفلسطينية العادلة وللقيادة الفلسطينية الشرعية، وإصرارها على إحلال السلام والتوصل إلى تسوية تعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
وتتحرك مصر دائما وهي تواجه بشكل شبه دوري تداعيات جولات التصعيد المتكررة من جانب الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، والتي تطورت خلال الأشهر الأخيرة لتشمل عدة مناطق في الضفة الغربية.
لكن كانت جولات التصعيد ضد قطاع غزة دوما هي الأكبر والأكثر صعوبة وهنا يتجلى بشكل واضح حجم وأهمية الدور المصري في مثل هذه المناسبات، ومن أقرب الأمثلة على ذلك، جولة التصعيد الحالية التي يشهدها قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 وهي الأعنف منذ أعوام.
المسار المصري في مثل هذه المناسبات يتضمن السير في عدة مستويات مختلفة أبرزها وأهمها وقف العمليات العسكرية وفرض هدنة لدواعي إنسانية، ثم الانتقال بعد ذلك إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار سيرتبط بطبيعة الحال بشروط ومطالب متعددة من كلا الطرفين، وهو ما يحتاج إلى وسيط نزيه يتمتع بثقة الجانب الفلسطيني، ويرتبط في نفس الوقت بعلاقات مع الجانب الإسرائيلي تسمح له بممارسة مهام الوساطة.
ولا تكتفي مصر فقط بالعمل على إيقاف التصعيد والقتال فمهام اللإغاثة وإعادة الأعمار تظل جزءا أصيلا من هذا الجهد، وبجانب القوافل المتعددة من المساعدات المصرية التي تمر بشكل دوري عبر معبر رفح.
– مصر والانقسام الفلسطيني
لم يكن الاهتمام المصري بالقضية الفلسطينية على مدى عقود طويلة ثابتا فقط بل ازداد الاهتمام مع تعقيد الموقف إثر الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني بين مختلف الفصائل.
مسار المصالحة الوطنية كان من أولويات مصر في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تولت مصر منذ نوفمبر 2002 رعاية الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، عبر جولات متكررة استهدفت تحقيق الوفاق الفلسطيني، لكن أدت الأحداث التي شهدها قطاع غزة في يونيو 2007 إلى تكريس حالة الانقسام والخلاف بين قطاع غزة والضفة الغربية، ودخل ملف المصالحة الفلسطينية في جمود شبه كامل خلال السنوات التالية، إلى أن اعادت القاهرة تفعيل هذا المسار في أبريل 2011 عبر استضافتها اجتماعا ضم ممثلين عن حركة فتح وحماس،تم خلاله الاتفاق على بنود وثيقة للوفاق الوطني تم بحث آليات تنفيذها في ديسمبر 2011، خلال اجتماع استضافته القاهرة أيضا للفصائل الفلسطينية.
وإدراكا من القاهرة أن توحيد الرؤى الفلسطينية هو المسار الوحيد الذي من خلاله يمكن إيجاد حلول دائمة للقضية الفلسطينية تكللت الجهود المصرية بالنجاح في أكتوبر 2017، عبر رعايتها اتفاقا تاريخيا للمصالحة الفلسطينية، وقعته حركتا التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” والمقاومة الإسلامية “حماس”، تم بموجبه الاتفاق على توحيد المؤسسات الحكومية وتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها كاملة في إدارة شؤون قطاع غزة كما في الضفة الغربية.
لكن تضارب الرؤي الفلسطينية جعل مسار المصالحة يتباطأ مرة أخرى خلال السنوات اللاحقة، لذا حرصت مصر على التواصل المشترك بين الفصائل الفلسطينية، فقامت برعاية نحو 20 اجتماعا منذ 2017، استهدفت توحيد الصف الفلسطينى، كان من أهمها جلسات الحوار الوطني الفلسطيني التي استضافتها القاهرة في فبراير 2021 وشارك فيها 14 فصيلا فلسطينيا هم من سبق لهم التوقيع على اتفاق المصالحة فى القاهرة عام 2011، وتناولت المباحثات في هذه الجلسات الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية التى تمت حول إجراء الانتخابات الفلسطينية.
ويبقى الاجتماع الأهم -بالنظر إلى التحديات التي شهدها الملف الفلسطيني على المستويين الميداني والسياسي خلال العامين الماضيين- هو الاجتماع الذي استضافته مدينة العلمين في يوليو الماضي، ليس فقط من أجل دفع مسار التواصل والتعاون والحوار بين هذه الفصائل، بل أيضا لمواجهة تصاعد السياسات الإسرائيلية القمعية ضد الشعب الفلسطيني، والمتمثلة بالاقتحامات والعمليات العسكرية المتكررة وتسارع النشاطات الاستيطانية.
وقد استهدفت مصر من خلال رعاية الحوار الفلسطيني – الفلسطيني تحقيق عدة أهداف منها:
* ضرورة وضع برنامج سياسي موحد بين كل الفصائل ركيزته الأساسية تخويل السلطة الفلسطينية إجراء مفاوضات مع إسرائيل في القضايا المصيرية.
* عدم قيام أي فصيل من الفصائل أو السلطة الفلسطينية بالخروج عن البرنامج السياسي الموحد أو الانفراد باتخاذ القرار.
* تدعيم السلطة الفلسطينية وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
وحرصت مصر على إبلاغ الفصائل الفلسطينية منذ بداية الحوار بأنها لا تشكل بديلا عن السلطة الفلسطينية، وأن عليها جميعا التفكير في المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتوحيد رؤيتها مما يدفع الأطراف الدولية إلى معاودة الاهتمام بعملية السلام في الشرق الأوسط بعد أن أصبحت هذه الأطراف على اقتناع بأن ما يجرى في الأراضي الفلسطينية قد أضر بالقضية الفلسطينية.
كما لم تتخلى مصر عن نصرة القدس والمسجد الأقصى، ولم تتردد في تقديم كل الدعم والمساندة من خلال دورها الإقليمي والدولي، معتبرة فلسطين جزء لا يتجزأ من أمنها القومي، بل إنها لم تتوقف عن مخاطبة العالم بأن ما يحدث ما هو إلا نتاج جمود عملية السلام، وليس هناك من دليل على ذلك أقوى من تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسي دائما، أن “القضية الفلسطينية على رأس الأولويات المصرية”، وتشديده على ضرورة التوصل إلى حل نهائي بإقامة دولتين بما يسمح بالحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة.