مدبولي: صندوق النقد يزيد توقعاته لنمو الاقتصاد المصري في 2023 إلى 3.8%

أوضح رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، أنه في حينِ تم تخفيض توقعاتُ النموِ الاقتصادي للعديد من البلدانِ النامية واقتصادات السوقِ الناشئة، قام صندوق النقد الدولي برفعِ توقعاته لنمو الاقتصاد المصري للعام الجاري إلى 3.8%، وإلى 4.2% العام المقبل، مع توقعه ارتفاع وتيرة نمو الاقتصاد المصري إلى 5.5% في عام 2030.
جاء ذلك في كلمة مسجلة للدكتور مصطفى مدبولي، اليوم الثلاثاء، تمت إذاعتها في المؤتمر العلمي السنوي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الذي ينعقد بالتعاون مع كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ويأتي تحت عنوان “الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية في مصر: الطريق إلى نمو مستدام”.
وأعرب مدبولي، عن سعادته بمشاركته في “الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العلمي السنوي الثاني لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار”، والذي يمثل شراكة متميزة ما بين واحدة من أعرق المؤسسات الأكاديمية في مصر وبين مركز فكر حكومي رائد.
وأكد على صياغة برامج الإصلاح الاقتصادي وفق أطر تشاركية تجمع كل أصحاب المصلحة وتشركهم في فلسفة تبني تلك الإصلاحات، بما يسهم في رفع مستويات كفاءة الإصلاحات المنفذة.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي: “تنعقد فعاليات المؤتمر العلمي السنوي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في ظرف عالمي دقيق، في ظل ما يشهده الاقتصاد العالمي من تباطؤ ملحوظ لمعدلات النمو الاقتصادي; نتيجة تزايد التوترات التجارية والارتفاع غير المسبوق لمستويات عدم اليقين بشأن السياسات، وهو ما ينعكس بشكل كبير على قدرة حكومات دول العالم على التعامل مع تلك التحديات المركبة”، مشيرا إلى أن النظام الاقتصادي العالمي، الذي عملت في إطاره دول العالم على مدار الثمانين عاما الماضية، والقائم على أسس التعاون الاقتصادي والتعددية الدولية، يعاد تشكيله الآن; إيذانا بدخول الاقتصاد العالمي حقبة جديدة لا تزال ملامحها الاقتصادية غي`ر واضحة حتى الآن.
وأضاف “لعلكم تابعتم ما انتهت إليه مؤخرا اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي عقدت في واشنطن نهاية شهر أبريل الماضي، وسلسلة نقاشات الخبراء الاقتصاديين خلالها، وما أشارت إليه من عدد من التوقعات والمؤشرات المهمة بشأن ملامح أداء الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة، والتي يتعين الوقوف عندها”.
وسرد رئيس الوزراء عددا من تلك المؤشرات، منها قيام صندوق النقد الدولي بخفض تراكمي لتوقعاته للنمو الاقتصادي العالمي بنحو 0.8 نقطة مئوية، مقارنة بتوقعاته السابقة الصادرة في شهر يناير 2025 وصولا إلى 2.8% العام الجاري، و3.0% العام المقبل، بما يعود إلى عدد من الأسباب التي يأتي على رأسها التأثيرات المحتملة للحرب التجارية العالمية.
وأشار مدبولي لمؤشر آخر يتعلق بالتباطؤ المتوقع لنمو الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وخفض معدلات نمو المجموعة لتصل إلى 3.7% في عام 2025، و3.9% في عام 2026، مع تخفيضات كبيرة في التصنيفات الائتمانية للدول الأكثر تضررا من التدابير التجارية الأخيرة.
وكذا تزايد توقعات المستثمرين بتوجه البنوك المركزية نحو تيسير السياسات النقدية في الأسواق الناشئة، والتي سينتج عنها تزايد موجات تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج، وحاجة اقتصادات تلك الدول، والتي تواجه بالفعل أعلى تكاليف تمويل حقيقية منذ عقد كامل، إلى إعادة تمويل ديونها وموازناتها العامة بكلفة أعلى.
وفي الوقت ذاته، نوه رئيس الوزراء، خلال حديثه عن التوقعات والمؤشرات المهمة بشأن ملامح أداء الاقتصاد العالمي، إلى أن السياسة المالية تواجه الآن مفاضلة أكثر حدة بين خفض الديون، وبناء الحيز المالي لمواجهة حالات عدم اليقين، واستيعاب ضغوط الإنفاق، موضحا أن كل ذلك يأتي في ظل ضعف آفاق النمو، وارتفاع تكاليف التمويل، وتزايد المخاطر.
كما تتضمن المؤشرات التي ساقها الدكتور مصطفى مدبولي الارتفاع المتوقع لمستويات الدين العام العالمي بمقدار 2.8 نقطة مئوية إضافية من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، واقترابه من مستوى 100% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العقد الجاري، متجاوزا ذروة الجائحة. فضلا عن التوقع بأن يشهد أكثر من ثلث بلدان العالم زيادة في الديون في عام 2025 مقارنة بعام 2024.
وتمثل هذه الاقتصادات مجتمعة نحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتشمل دولا فاعلة رئيسة مثل الصين والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أستراليا والبرازيل وفرنسا وألمانيا وإندونيسيا وإيطاليا والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا والمملكة المتحدة.
واستطرد: “وفي حين تأثرت العديد من الأسواق الناشئة بالتقلبات التي طالت الأسواق المالية العالمية وأسعار الأصول عقب (يوم التحرير) وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن رفع مرتقب لمعدلات التعريفة الجمركية لتسجل أعلى مستوياتها في غضون قرن كامل وتأثر عدد من الاقتصادات الناشئة بتلك التقلبات وخروج رؤوس الأموال الأجنبية، التزمت مصر بسياستها المرنة لسعر الصرف في مواجهة تلك التقلبات، وهو ما انعكس إيجابا على سوق الصرف الأجنبي”.
وفي الإطار ذاته.. أضاف رئيس الوزراء “وبينما تشير التوقعات الدولية إلى زيادة معدلات المديونية في ثلث بلدان العالم، تسعى مصر إلى خفض نسبة دين أجهزة الموازنة العامة والوصول بها إلى معدلات أكثر استدامة إلى نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي 2027/2026 عبر تبني إصلاحات مالية جادة على جانبي الموازنة من أهمها تبني إصلاحات ضريبية تستهدف توسيع القاعدة الضريبية وتيسير الإجراءات الضريبية على الممولين”.
وأوضح أن تلك الإصلاحات أسهمت في نمو الإيرادات الضريبية لتحقق أعلى مستوياتها منذ سنوات، بارتفاع بلغت نسبته 38% خلال فترة الأشهر التسعة الماضية، كما تم تحقيق فائض أولى بنسبة 2.5% من الناتج المحلي رغم تراجع إيرادات قناة السويس.
وقال مدبولي: “تدرك الحكومة المصرية جيدا أن تحسين نوعية النمو الاقتصادي لا يقل أهمية عن رفع وتيرة النمو الاقتصادي، فبلوغ مستويات شاملة ومتوازنة ومستدامة وأكثر عدالة وإنصافا من النمو الاقتصادي يعد الهدف الأسمى للحكومة المصرية من خلال برنامج عملها للفترة (2024/2025-2026/2027) بعنوان (معا نبني مستقبلا مستداما)، الأمر الذي لن يتأتى بدون مواصلة مسيرة الإصلاح الاقتصادي التي بدأتها مصر في عام 2016، ولا سيما فيما يتعلق بمواصلة البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وما يشتمل عليه من إصلاحات هيكلية ومؤسسية مهمة لدفع مقدرات الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة”.
وأكد أنه من المهم في هذا السياق الإشارة إلى سمات نهج الإصلاح الاقتصادي الذي تحرص مصر على تبنيه حاليا ومستقبلا بما يشمل التركيز على دعم وتمكين القطاع الخاص وتيسير بيئة الأعمال، فقد تبنت الحكومة المصرية، وعلى مدار الفترة (2022-2024) نحو 500 إصلاح داعم للقطاع الخاص في ستة محاور رئيسية يتركز نحو 64% منها في مجالي دعم الاستثمار وتشجيع القطاع الصناعي.
وقد أسهمت مختلف تلك الإصلاحات في رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات الكلية المنفذة إلى 43% في عام 2024/2023 ومن المخطط أن تواصل الارتفاع إلى نحو 50% في العام المالي الحالي 2025/2024.
فضلا عن تنفيذ ما التزمت به مصر في إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة للأصول، والتي تعد بشهادة البنك الدولي الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتركيز على دعم القطاع الخاص وحوكمة الأصول المملوكة للدولة، حيث تم اتخاذ قرارات فعلية تسهم في حوكمة الشركات الحكومية وتعزيز التنافسية، علاوة على مساعي الحكومة المصرية لاستمرار تنفيذ برنامج الطروحات بالتركيز على عدد من القطاعات الاستراتيجية الجاذبة للمستثمرين بدعم فني من مؤسسة التمويل الدولية.
ولفت رئيس الوزراء أيضا إلى مساندة عدد من التكتلات والمؤسسات الدولية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر سواء فيما يتعلق بتنفيذ مصر للإصلاحات المتضمنة في التسهيل الممدد لصندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار على مدار 46 شهرا، أو مجموعة الإصلاحات المنفذة في سياق الشراكة الاستراتيجية بين مصر والمفوضية الأوروبية في إطار حزمة دعم أوروبية بقيمة 7.4 مليار يورو حتى عام 2027; لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وضمان بيئة اقتصادية مستقرة وجاذبة للاستثمار، وتشجيع الاستثمار والتجارة.
وتابع حديثه قائلا “هذا بالإضافة إلى حرص الدولة المصرية على تعزيز أطر الحماية الاجتماعية لدعم الفئات الهشة، وتقليل تبعات الإصلاح الاقتصادي عليها من خلال تبني العديد من السياسات والبرامج التي تستهدف وبدقة الفئات المستحقة، وليس هناك أدل على ذلك من ارتفاع الإنفاق المخصص للحماية الاجتماعية في موازنة العام المالي 2026/2025 بنسبة 16.8% ليصل إلى 742.5 مليار جنيه وارتفاع مخصصات برنامج تكافل وكرامة بنسبة 35% في العام نفسه لتصل إلى 54 مليار جنيه.
وأخيرا يشمل نهج الإصلاح الاقتصادي، حسبما قال مدبولي، صياغة برامج الإصلاح الاقتصادي وفق أطر تشاركية تجمع كل أصحاب المصلحة وتشركهم في فلسفة تبني تلك الإصلاحات بما يسهم في رفع مستويات كفاءة الإصلاحات المنفذة ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك تحرك وزارة المالية المصرية، والتي تبنت مؤخرا العديد من الإصلاحات المالية لزيادة مستويات الكفاءة والعدالة الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية، ونجحت في النزول بها لمستوى المواطن العادي وكسب تأييده لها.
إضافة إلى التركيز على بناء الإنسان المصري، والذي يعد الغاية الأسمى لكافة الإصلاحات التي تتبناها الدولة المصرية. ففي هذا الإطار تقوم الحكومة المصرية بتبني برامج وسياسات داعمة لقطاع التعليم والصحة وتحسين مستويات المعيشة عبر محور كامل في برنامج عمل الحكومة المصرية يتضمن 16 برنامجا رئيسيا ونحو 33 برنامجا فرعيا.
ونوه رئيس الوزراء، خلال كلمته، إلى أنه في ضوء ما سبق، من المتوقع أن تسهم جلسات المؤتمر والإسهامات البحثية المتعددة التي سيناقشها في دعم مسيرة الدولة المصرية تجاه تبني سياسات اقتصادية من شأنها التغلب على التحديات والاختلالات التي يواجهها الاقتصاد المصري، والمضي قدما باتجاه سياسات اقتصادية أكثر فعالية وكفاءة; بهدف دعم مسارات النهضة الاقتصادية لبلدنا الحبيب مصر.
واختتم الدكتور مصطفى مدبولي، كلمته، بتوجيه خالص الشكر والتقدير لجميع القائمين على انعقاد هذا المؤتمر من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وإلى الحضور كافة، معربا عن تمنياته بالنجاح والتوفيق لأعمال المؤتمر، مؤكدا تطلع الحكومة المصرية إلى التوصيات الداعمة لصنع القرار، والتي ستنبثق عن هذا المؤتمر.