المقهى الدبلوماسي: الرؤية السياسية والجوانب النفسية الروحية

المقهى الدبلوماسي: الرؤية السياسية والجوانب النفسية الروحية

لما يقرب من شهرين لم تطأ قدمي المقهى الدبلوماسي.. ولم أتذوق قهوتي الفرنسية.. ولعل ذلك لحالة الإعياء والسقم.. بل وربما الرفض التي أصابتني وتملكتني.. فعجزت قدماي ان تحملني لأي مكان.. فهل كان الألم الجسدي ودور الكورونا الذي كان لابد يصيبني كلما مر متحور في أي مكان.. أم هو الألم النفسي الرافض لكثير مما يدور ويحيط بالإنسان.. والعجز عن فهم وإدراك الكثير من الأشخاص والتصرفات والأحوال..

واليوم.. استطعت تخطي هذا الحاجز وكسر القيود الافتراضية التي كبلتني طوال المدة الماضية.. فما إن أسندت ظهري على مقعدي بالمقهى الدبلوماسي إلا وأخذت الكثير من الأمور والموضوعات السياسية تقفز أمام عيني..

وجاء في الصدارة زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى روسيا والمشاركة في العيد الوطني وصورته مع الزعيمين الصيني والروسي تلقي ظلالا وتوجه رسائلا.. لمن يعي ويدرك ما بين السطور..

في ذات الوقت.. لم يزل المشهد العربي يئن وينزف لما يحدث في فلسطين والانتهاكات الإسرائيلية تتصدر كل المشاهد.. وكذلك الوضع في السودان وسوريا وليبيا ..

ومازالت الساحة الدولية تشهد الصراعات .. مابين الحرب الروسية الأوكرانية.. والتراشق بين الهند وباكستان.. وهناك القمة العربية المرتقبة في بغداد.. الكثير والكثير من الموضوعات والقضايا التي تفرض نفسها على المشهد ..

وبينما أنا غارق في هذا الزخم .. إذا بصديقي العزيز يلقي علي السلام ليخرجني من عالمي الافتراضي ويعيدني لدنيا الواقع .. وبعد أن فرك صديقي جبينه.. وجدته يسألني قائلا..

هو إيه الفرق بين النفس والروح.. وكان سؤالا مفاجئا وغير متوقع.. فقلت له .. بتقول إيه.. محاولا التاكد مما سمعت.. فكرر سؤاله قائلا.. بقولك هو فيه فرق بين الروح والنفس..

فقلت له.. انا هاجوبك.. بس عايز اعرف ليه.. يعني إيه سبب السؤال.. فقال لي.. انت عارف لما تصحى من النوم وتحس ان فيه حاجة بتسمعها بودنك أو بتشوفها قدام عينك كتير وباستمرار .. ممكن يكون كلام حد أو صورة حد أو حتى اية في القران او حتى جملة من اغنية أو فيلم.. انت ما بيحصلش معاك كده.. قلت له تمام.. ساعات فعلا بيحصل كده.. فقال لي.. أهو هو ده اللي حصل معايا.. أنا صحيت من النوم والسؤال ده بيتكرر في دماغي وسامعه بوداني.. فابتسمت وأنا اقول له.. حاضر.. هو الموضوع صعب شوية.. بس خليني أحاول أبسط الموضوع شوية..

النفس بتيجي بمعنى الروح.. فهي الروح اللي تشغل جسم الإنسان، وفي حال خروج الروح بيموت الإنسان، ويقال جاد بنفسه يعني مات..
والنفس كمان عرفوها بأنها جوهر بخاري لطيف، يحمل قوة الحياة والحركة الإرادية والحس.. وهي الشعور واللاشعور.. وهي الوعي واللاوعي..
وهي سر الإنسان.. فإذا صلحت صلح باطنه وظاهره.. وعلشان كده وصف النبي صلى الله عليه وسلم جهاد النفس بأنه الجهاد الأكبر..

أما في القرآن الكريم فبتيجي النفس بعدة معاني، منها: الروح، قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)..
وبتيجي بمعنى الإنسان، يعني الشخصية البشرية بكليتها وهيئتها، لحم ودم وشخصية..
وكمان بمعنى العقل، يعني القوى المفكرة، قال تعالى: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ).
وعلشان كده وضع العلماء علما أسموه بعلم النفس.. هذا العلم عرفه فلاسفة الإغريق بأنه علم دراسة الحياة العقلية.. وعرفه علماء التحليل النفسي بأنه علم الحياة العقلية الشعورية واللاشعورية.. وعرفه السلوكيون بأنه علم دراسه السلوك..
وأفضل تعريف لعلم النفس هو ما يجمع بين العقل، والسلوك، والشعور، واللاشعور
وهو العلم الذي يبحث في السلوك من حيث علاقته بالحياة العقلية شعورية كانت أو لا شعورية..

وللنفس مراتب ودرجات.. فهناك النفس المطمئنة التقية الذكية.. وهناك النفس اللوامة المترددة.. وأيضا النفس الفاجرة الأمارة بالسوء..

وجاء ذكر النفس في القرآن الكريم في مواضع عديدة .. جاءت أحيانا معرفة.. كما في سورة المائدة ” وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين”.. وفي يوسف ” وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء”.. وفي الأنعام والإسراء جاءت بنفس اللفظ” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق”.. ومثلهما في الفرقان” ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق”.. أما في القيامة ” ولا أقسم بالنفس اللوامة”.. وفي النازعات ” وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى”.. وفي سورة الفجر” يا أيتها النفس المطمئنة”..

كما جاءت في مواضع أخرى بلفظ نكرة.. فيقول الله تعالى” كل نفس بما كسبت رهينة”.. وأيضا” إن كل نفس لما عليها حافظ”.. وفي موضع أخر” ونفس وما سواها”.. و”قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ” (الأعراف-23).. و”فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (المائدة-30).. و”وجاؤا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل” ” يوسف 18″..
و”قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها” ” يوسف 26 “.. و”وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا” “يوسف 30″.. و”وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي” “يوسف 54 “.. وقَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (المائدة-25).. وقوله تعالى
“وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ”..

أما الروح فهي خلق من خلق الله تعالى جعله الله في الأجسام فأحياها به وعلمها وأقدرها، وبنى عليها الصفات الشريفة والأخلاق الكريمة، وقابلها بأضدادها لنقصان الآدمية.. وعُرفت الروح بكونها الوجود الإلهيّ في جسد الإنسان..

ويقول الله تعالى في سورتي الحجر وص” فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ “..

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى: “والروح المدبرة للبدن التى تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه..

وهي النفس التى تفارقه بالموت، قال النبى لما نام عن الصلاة إن الله قبض أرواحنا حيث شاء وردها حيث شاء، وقال له بلال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، وقال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً..

وقد ثبت فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا نام: باسمك ربي وضعت جنبى وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين..

وثبت أيضا بأسانيد صحيحة أن الإنسان إذا قبضت روحه فتقول الملائكة اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي راضية مرضيا عنك، ويقال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ساخطة مسخوطا عليك”..

وهنا قام صديقي وهو يقول.. بارك الله فيك.. كفاية كده.. وهو يردد الدعاء الذي يقول.. اللهم آت نفوسنا تقواها.. زكها انت خير من زكاها.. أنت وليها ومولاها.. ووجدت نفسي أكرر خلفه بروحي وعقلي ولساني.. اللهم أمين يارب العالمين..

وللحديث بقية..

لمزيد من المقالات

المقهى الدبلوماسي.. مابعد القمة العربية.. وقرأن الفجر والابتهالات