مؤتمر الأزهر حول القضايا الحديثة ينبه إلى مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي

مؤتمر الأزهر حول القضايا الحديثة ينبه إلى مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي

عقد الجامع الأزهر حلقة جديدة من ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان “شبكات التواصل الاجتماعي بين الإيجابية والسلبية”، وذلك في إطار اللقاءات الأسبوعية التي تعقد كل ثلاثاء برحاب الجامع الأزهر، بحضور كل من عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر رضا أمين، ووكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين صالح عبد الوهاب.

في بداية الملتقى، أكد عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر، الدكتور رضا عبد الواجد، على الأهمية القصوى لتوخي الحذر من الآثار السلبية المتزايدة لشبكات التواصل الاجتماعي على نسيج مجتمعاتنا; لأن هذه السلبيات تزداد فتكا وتأثيرا كلما استسلم الفرد لساعات طويلة أمام هذه المنصات دون وعي أو تفكير، محذرا من أن هذا الاستهلاك السلبي قد يؤدي إلى تشكيل وعي زائف وتبني أفكار هدامة، ولتحصين الذات والمجتمع من براثن هذه السلبيات.

وشدد على ضرورة تبني مجموعة من الضوابط الواضحة والملزمة عند التعامل مع المحتوى الرقمي، سواء كان ذلك استقبالا أو نشرا، كما أن الدراسات العلمية الحديثة كشفت عن رقم مفزع يتمثل في متوسط أربع إلى خمس ساعات يوميا يقضيها الفرد متصفحا هذه الشبكات، وهو ما يمثل استنزافا حقيقيا لجزء ثمين من عمر الإنسان وطاقاته، ويستدعي وقفة جادة لإعادة تقييم أولوياتنا وكيفية استثمار أوقاتنا بشكل أكثر إنتاجية.

وأوضح عميد إعلام الأزهر أن أولى هذه المحاذير تكمن في ضرورة التحلي بالمسؤولية وتجنب الانسياق وراء نشر الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة; لأن سهولة تداول المعلومات غير الموثقة عبر هذه المنصات قد تدفع الكثيرين إلى إعادة نشرها دون أدنى تدقيق، وهو ما لا يقتصر ضرره على الأفراد فحسب، بل يمتد ليطال الأمن الفكري للمجتمع ككل، ويساهم في تزييف الحقائق وتشويه الوعي العام.

أما الضابط الثاني الذي أكد عليه، فهو ضرورة الامتناع عن نشر أي محتوى يتعارض مع قيمنا الدينية الراسخة وتقاليدنا المجتمعية الأصيلة، وعدم الانسياق وراء التيارات الفكرية والثقافية الغريبة التي قد تبث سمومها وتنشر الرذيلة عبر هذه الشبكات، وتسعى إلى تفكيك منظومة القيم والأخلاق التي تحافظ على تماسك المجتمع.

وحول الضابط الثالث، أشار إلى ضرورة الاستخدام الرشيد للوقت، وعدم إهداره في تصفح غير هادف ومحتوى تافه لا يعود بالنفع على الفرد أو المجتمع; لأن الوقت هو أثمن ما يملكه الإنسان وأنه مسؤول عنه أمام الله، واختتم هذه الضوابط بالتشديد على عدم الخوض في خصوصيات الآخرين وكشف سترهم عبر هذه المنصات، لتسببه في إلحاق الأذى النفسي والمعنوي بهم، كما يؤدي إلى تفكك الروابط الاجتماعية وانتشار الكراهية والبغضاء.

وفي المقابل، تحدث عميد إعلام الأزهر عن أهمية توجيه استخدام هذه الأدوات الرقمية نحو تحقيق أقصى استفادة ممكنة فيما يعزز تقدم المجتمع، من خلال استثمار هذه المنصات في نشر القيم الإسلامية النبيلة والمبادئ الوطنية السامية التي تدعو إلى الخير والتسامح والتعاون، بالإضافة إلى الاستفادة من الإمكانات المعرفية الهائلة التي تتيحها هذه الشبكات في توسيع المدارك واكتساب العلوم والمعارف النافعة، بجانب تعزيز الاستفادة الإيجابية من شبكات التواصل الاجتماعي، مثل: نشر الوعي بالقضايا المجتمعية المهمة، وعلى الدعاة استثمار هذه الشبكات في الدعوة إلى الله ونشر الوعي والفكر الأمن الذي يحصن شبابنا من الوقوع فريسه للأفكار الهدامة.

كما قال وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين، فضيلة الدكتور صالح عبد الوهاب، إن التداعيات السلبية المتزايدة الناجمة عن الاستخدام غير الرشيد لشبكات التواصل الاجتماعي أدت إلى ظهور العديد من المساوئ، نتيجة غياب الوعي في تعامل الأشخاص مع هذه المنصات، ونتج عن هذا الانغماس المفرط في شبكات التواصل الاجتماعي حدوث خلل جوهري في الأسرة، وضعف الروابط الأسرية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تسببت أيضا في إحداث أضرار نفسية واجتماعية عميقة، كنتيجة للإدمان في استخدامها بشكل غير واع، وتشمل هذه الأضرار الشعور بالعزلة، وتفاقم مشاعر القلق والاكتئاب، وانتشار المقارنات الاجتماعية السلبية التي تؤدي إلى تدني احترام الذات.

وعقد الدكتور صالح عبد الوهاب مقارنة بين واقع شبابنا المعاصر، الذين يقضون أوقاتا طويلة أمام شبكات التواصل الاجتماعي، دون تحقيق أية فائدة تذكر أو إضافة حقيقية إلى رصيدهم المعرفي أو الشخصي، وبين قامة شامخة مثل الإمام شرف الدين النووي رحمه الله، الذي كان يستثمر كل لحظة في طلب العلم ونشره، حتى أنه كان يملي في كل يوم وليلة ما يعادل دفترين كاملين مما جادت به قريحته وحصيلته العلمية، كما تذكر لنا الأخبار أيضا أن الإمام ابن جرير الطبري ظل يكتب كل يوم أربعين ورقة طوال أربعين عاما من عمره، مؤكدا أن هذه المقارنة لا تهدف إلى جلد الذات بقدر ما هي دعوة صادقة إلى استلهام عظمة الماضي واستثمار طاقات شبابنا فيما يعود عليهم وعلى أمتهم بالنفع والارتقاء.

وفي سياق نصائحه للشباب، استلهم وكيل كلية العلوم الإسلامية من معين العلامة ابن الجوزي لأبنه: “يا بني، إن الأيام تبسط ساعات، وإن الساعات تبسط أنفاسًا، وفي كل نفس خزانة، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم ولا ينفعك الندم”، وهي دعوة إلى الوعي بقيمة الوقت والحياة، وإلى السعي الدؤوب لملء خزائن أنفاسهم بما يرتقي بهم وبمجتمعاتهم، فالشباب هم وقود المستقبل، وإدراكهم لهذه الحقائق هو الخطوة الأولى نحو بناء غد مشرق.

وأوضح وكيل كلية العلوم الإسلامية أن المبادئ السامية والضوابط الأخلاقية التي أرساها شرعنا الحنيف في تعاملاتنا مع الآخرين، والمستمدة من نصوص قرآنية كريمة كقوله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”، وقوله عز وجل: “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”، ليست مجرد توجيهات عابرة، بل هي أسس راسخة يتعين علينا الالتزام بها بدقة وأمانة خلال تواصلاتنا وتفاعلاتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، على أن تحقيق المناعة والتحصين من الآثار السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي يبدأ بالاستشعار الدائم لمراقبة الله عز وجل لنا في كل ما نفعل، سواء في عالمنا الواقعي أو في الفضاء الرقمي، وعلى كل منا أن يدرك تمام الإدراك أن كل كلمة يكتبها، وكل صورة ينشرها، وكل تفاعل يقوم به على هذه الشبكات، سيكون شاهدًا له أو عليه يوم القيامة.