هل تستطيع الشركات استغلال التباين بين الدول في قيم  الرسوم الجمركية ؟

هل تستطيع الشركات استغلال التباين بين الدول في قيم  الرسوم الجمركية ؟

قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض معدلات تعريفات جمركية مختلفة على البلدان في جميع أنحاء العالم خلف حالة كبيرة من عدم اليقين للشركات المصدرة للسلع إلى الولايات المتحدة ومن الناحية النظرية أتاح فرصا للاستفادة.

ومع ذلك، يحذر خبراء التجارة من أن إعادة تنظيم سلاسل التوريد لاستغلال هذه الاختلافات سيكون معقدًا للغاية وسيعتمد على كيفية قرار الإدارة الأمريكية غير المتوقعة بتطبيق قواعدها التجارية الجديدة.
 
في بيئة تجارية مضطربة بسبب التعريفات الجمركية، سوف تبحث الشركات عن طرق لتخفيف العبء وسوف يعتمد كيفية قيامهم بذلك على قدرتهم على إعادة ترتيب سلاسل التوريد وجمع البيانات اللازمة لتشغيل نظام لا تزال قواعده قيد الإنشاء.
 
“قواعد المنشأ”.. أداة مهمة في تحديد ما تخضع له السلع من جمارك.. إذ تعد لوائح تفصيلية تُحدد كيفية إلزام الشركات بإثبات مصدر المنتج، ليس فقط، بل وأجزاءه أيضًا. ويتعين على المصدرين تحديد بلد منشأ السلعة لتحديد التعريفة الجمركية التي ستُطبق عليها.
 
والآن بعد أن أصبحت التعريفات الجمركية تتفاوت بشكل حاد من بلد إلى آخر في ظل نظام ترامب، فإن إثبات أن البضائع تأتي من بلد ذي تعريفات جمركية أقل قد يؤدي إلى وفورات كبيرة على الحدود الأمريكية.
 
قواعد المنشأ تلعب دورا مهما في إطار اتفاقيات التجارة الثنائية ــ حيث تُعرف باسم قواعد المنشأ “التفضيلية” ــ ولكنها تلعب دورا أيضا خارجها، حيث تستخدم في تطبيق رسوم مكافحة الإغراق والعقوبات والحصص، من بين قواعد تجارية أخرى.
 
وسوف يتم استخدام القواعد “غير التفضيلية” الأخيرة لتحديد التعريفات الجمركية التي تخضع لها المنتجات بموجب المعدلات الجديدة التي فرضها ترامب.
 
نشرت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، وهي الوكالة الفيدرالية الأمريكية التي تنفذ اللوائح التجارية، بعض الإرشادات الأولية حول كيفية تنفيذ التعريفات الجمركية الجديدة.
 
وتقول القواعد إن المصدرين سيحتاجون إلى تفصيل محتويات المواد التي يصدرونها، والتفريق بين المدخلات الأمريكية – التي تدخل معفاة من الرسوم الجمركية – والمدخلات غير الأمريكية، والتي يجب أن تدفع التعريفات الجديدة بمعدل يعتمد على مكان تصنيع البضائع.
 
لكن بعيداً عن المدخلات الأمريكية وغير الأمريكية، فإن معدلات التعريفات الجمركية لا يتم تقسيمها حسب نسبة المنتج الذي يأتي من بلدان مختلفة، بل يتم تحديدها حسب البلد النهائي للتصنيع.
 
فايننشال تايمز نقلت عن مؤسسة شركة استشارات التجارة والحدود آنا جيرزيوسكا إنه على عكس ما هو الحال في اتفاقية التجارة الثنائية – عندما يتم تحديد القواعد صراحة كجزء من الاتفاقية – فإن التفاصيل أقل وضوحا فيما يتعلق بقواعد المنشأ غير التفضيلية التي تستخدم خارج مثل هذه الصفقات.
 
رئيس السياسة التجارية في شركة فلينت جلوبال الاستشارية، سام لوي، قال إن الشركات التي يمكنها تحويل سلاسل التوريد الخاصة بها لتمكينها من التصدير من دول ذات تعريفات جمركية أقل ينبغي لها، من الناحية النظرية، أن تكون قادرة على استغلال النظام.
 
وللاستفادة من دولة ذات تعريفات جمركية أقل، يجب أن يخضع المنتج النهائي “لتحول جوهري” في تلك الدولة حتى يكون للمنتج النهائي “استخدام مختلف عن الاستخدام الذي كانت تمتلكه المادة قبل المعالجة” على سبيل المثال فإن الشركة التي تستورد الخضراوات النيئة وتقطعها وتجمدها وتعبئتها لن تفي بالحد الأدنى المطلوب، وفقاً للقواعد الأمريكية لكن الشركة التي تستورد الزبدة والدقيق والحليب لصنع الكعك أو البسكويت سوف تفعل ذلك، حيث يتم التعامل مع المنتج النهائي وكأنه قادم من البلد الذي تم إعداده فيه.
 
من الناحية النظرية، يمكن لصانع الجبن في جمهورية أيرلندا – والتي تخضع كجزء من الاتحاد الأوروبي لتعريفة جمركية بنسبة 20 في المائة – تحويل الإنتاج إلى أيرلندا الشمالية من أجل تصدير المنتج إلى الولايات المتحدة بموجب التعريفة الجمركية المنخفضة البالغة 10 في المائة الممنوحة للمملكة المتحدة.
 
“نظراً لأن الحليب يتم الحصول عليه غالباً من جميع أنحاء أيرلندا، فهناك بالفعل بعض الغموض حول مصدره، ولكن من الناحية العملية، فإن نجاح ذلك يعتمد كثيراً على كيفية تفسير سلطات الجمارك الأمريكية للقواعد إذا اعتقدت أن الشركات تحاول إيجاد حلول بديلة” بحسب لوي.
 
خبراء التجارة يرون إنه من الصعب التنبؤ بقدرة الدول على استغلال فروق التعريفات الجمركية، لكنهم يحذرون من أن العديد من الشركات قد تفضل ببساطة دفع الرسوم الجمركية بدلاً من تحمل تكلفة وتعقيدات تحديد مقدار المحتوى الذي لديها والذي هو أمريكي وغير أمريكي.
 
إثبات منشأ البضائع غير الأمريكية بالكامل ليس بالأمر السهل أيضًا. صرّح لورانس فريدمان، محامي الجمارك وشريك في شركة بارنز ريتشاردسون وكولبورن للمحاماة في شيكاجو، بأن تحديد ما إذا كان المنتج قد خضع “لتحويل” كافٍ لتأهيله لتعريفة بلد معين أمرٌ يخضع للشك.
 
المدير الإداري لشركة جويدر للاستشارات التجارية، جورج ريدل قال إن بعض الشركات – وخاصة تلك التي اعتادت على التداول بموجب اتفاقية تجارية ثنائية، مع أنظمة معدة للتعامل مع “قواعد المنشأ” – قد تكون في وضع أفضل من غيرها.
 
“يعتمد الأمر على مدى جودة برنامج سلسلة التوريد الخاص بهم وما إذا كانت هذه البيانات قد تم تحديثها ببيانات في الوقت الفعلي”، وفقا لريدل.
 
وأضاف أن الواقع يقول أن العديد من الشركات – بما فيها الشركات الكبرى متعددة الجنسيات – لم تحدث شهادات قواعد المنشأ وبالتالي فإن التصحيح والتحديث يستغرقان وقتًا طويلًا ويكلفان الكثير من المال.
 
إن وضع إجراءات جديدة لمراقبة المحتوى غير الأمريكي أمرٌ مكلف.. ونظرًا لتقلبات السوق، ستتساءل الشركات حول مدى استمرار الرسوم الجمركية العقابية المتبادلة حتى يؤتي تغيير المنشأ ثماره.. إذ يستغرق نقل الإنتاج إلى دول جديدة للاستفادة من انخفاض الرسوم الجمركية عدة سنوات فضلا عن تأكيد ترامب أنه يحتفظ بحقه في زيادة أو خفض الرسوم الجمركية على الدول بناءً على سلوكها.