عرفة: جوهر الحج ويوم العفو والرحمة

وجهة واحدة تتحول إليها الأنظار وتلتقي عندها الدروب وتنطلق جموع المسلمين “من استطاعوا إليه سبيلا” باتجاه مكة المكرمة لأداء مناسك الحج أحد أركان الإسلام الخمسة.. اجتازوا المسافات من جهات المعمورة الأربع ليشهدوا أيامه.. يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر ثم أيام التشريق الثلاثة.
في مكان واحد وزمان واحد وبلباس واحد.. لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.. ومع شروق شمس يوم التاسع من ذي الحجة تتوافد جموع حجاج بيت الله الحرام إلى صعيد جبل عرفات الطاهر للوقوف لأداء ركن الحج الأعظم.
على بعد 22 كيلومترا من مكة يشهد “جبل عرفة” الوقفة الكبرى للحجاج ويقضوا الركن الأعظم من أركان الحج، وذلك بعد أن قضوا يوم التروية في مشعر منى يوم 8 من ذي الحجة.
ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع ويستمر وقت الوقوف إلى طلوع فجر يوم النحر يوم العاشر من ذي الحجة.
ويستحب للحاج الوقوف “بجبل عرفة” متوضئا، بعد أن يكون أدى صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا بنمرة مستمعا للخطبتين، ملتزما بالدعاء والتضرع إلى الله، حتى غروب الشمس من يوم التاسع من ذي الحجة.
ويجب على الحاج الانشغال بالتلبية والذكر والإكثار من الاستغفار والتكبير والتهليل ويتجه إلى الله – عز وجل – خاشعا متضرعا ويجتهد في الدعاء لنفسه وأهله وأولاده ولإخوانه المسلمين جميعا في ذلك اليوم.
* مناسك الحج
عقب الإحرام ونية الحج، يبدأ الحجاج طواف القدوم حول الكعبة المشرفة مرتدين ملابس الإحرام تمهيدا لانطلاق مناسك الحج.
ثم يقوم الحجاج بالسعي بين الصفا والمروة، قبل أن يتوجهوا إلى منى في يوم التروية، الثامن من ذي الحجة، ويبيتوا فيها ليلتهم.
في اليوم التالي، ينطلق الحجاج إلى صعيد عرفات أو عرفة على بعد عشرة كيلومترات لأداء أهم أركان مناسك الحج، الذي يعقبه حلول عيد الأضحى.
وفي عرفات، الذي يطلق على أعلى نقطة فيه اسم “جبل الرحمة” يمضي الحجاج اليوم المقدس في قراءة القرآن والتسبيح وترديد “لبيك اللهم لبيك”، حتى غروب الشمس.
ثم ينتقلون بعد ذلك إلى مزدلفة للمبيت فيها، واستلام الحصى لاستخدامها في شعيرة رمي الجمرات.
وسط التهليل والتكبير، يبدأ حجاج بيت الله الحرام شعائر أول أيام عيد الأضحى المبارك برمي جمرة العقبة في مشعر منى .. بعد ذلك يقوم الحجاج بذبح الأضاحي أو “الهدي”، ثم يعمدون إلى حلق شعر رؤوسهم أو قصه.
وتعود الأضحية إلى استعداد نبي الله إبراهيم عليه السلام للتضحية بنجله إسماعيل وذبحه تلبية لأمر رباني شكل اختبارا لدرجة إيمانه، ليتم استبداله في اللحظة الأخيرة بذبح كبش بديلا عنه بعد نجاحه في الاختبار.
إلى ذلك، يتوجه الحجاج إلى مكة المكرمة لطواف الإفاضة، الذي يعد بدوره ركنا من أركان الحج ويقومون بالسعي بين الصفا والمروة.
ثم يرجعون بعد ذلك إلى منى ليبيتوا فيها أيام التشريق التي يقومون خلالها في كل يوم برمي الجمرات الثلاث: الصغرى والوسطى والكبرى.
ويأتي رمي الجمرات تذكيرا بعداوة الشيطان، الذي اعترض نبيّ الله إبراهيم وابنه إسماعيل في أماكن العقبات الثلاث، فيعرفون بذلك عداوته ويحذرون من وساوسه.
بعد ذلك، يغادر الحجاج منى عائدين إلى مكة ليطوفوا هناك حول البيت العتيق طواف الوداع، قبل انتهاء مناسك الحج.
* مشعر عرفات
عرفة أو عرفات مسمى واحد عند أكثر أهل العلم لمشعر يعد الوحيد من مشاعر الحج الذي يقع خارج الحرم، وهو عبارة عن سهل منبسط به جبل عرفات المسمى بجبل الرحمة، الذي يصل طوله إلى 300 متر ويتوسطه شاخص طوله (7) أمتار.
فيما يحيط بعرفات قوس من الجبال ووتره وادي عرنة، ويقع على الطريق بين مكة المكرمة والطائف شرقي مكة بنحو 22 كيلومترا وعلى بعد 10 كيلومترات من مشعر منى و 6 كيلومترات من المزدلفة بمساحة تقدر بـ10.4 كيلومتر مربعة، وليس بعرفة سكان أو عمران إلا أيام الحج غير بعض المنشآت الحكومية.
وبعرفة جبلها المشهور يصعد عليه بعض الحجاج يوم الوقوف وليس الوقوف على الجبل خاصة من واجبات الحج لقوله صلى الله عليه وسلم: “وقفت ها هنا بعرفة وعرفة كلها موقف”.
* مسجد نمرة
عندما يقف الحجيج في عرفات يظهر أمامهم مسجد “نمرة” وهو جبل نزل به النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم عرفة في خيمة ثم خطب بعد زوال الشمس، وصلى الظهر والعصر قصرا وجمعا “جمع تقديم”.
ويأتي جمع من الحجاج يوم عرفة إلى مسجد نمرة ليستمعوا إلى خطبة خطيب المسجد، ثم يصلوا الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم يشرعوا بالدعاء والتضرع لله تعالى حتى غروب الشمس.
مسجد نمرة بني في مشعر عرفات في الموقع الذي خطب فيه الرسول – عليه الصلاة والسلام – حجة الوداع، ويقع إلى الغرب من المشعر، وجزء من غرب المسجد في وادي عرنة، وهو واد من أودية مكة المكرمة نهى النبي الكريم عن الوقوف فيه لأنه ليس من عرفة ولكنه قريب منه.
ويعرف مسجد نمرة في العديد من الكتب بعدة أسماء مثل مسجد النبي إبراهيم ومسجد عرفة ومسجد عرنة.
وشهد المسجد توسعة ليصبح بذلك ثاني أكبر مسجد بمنطقة مكة المكرمة من ناحية المساحة بعد المسجد الحرام، وتبلغ أكثر من 110 آلاف متر مربع، وتوجد خلف المسجد ساحة مظللة تقدر مساحتها بـ8 آلاف متر مربع.
ويستوعب المسجد نحو 350 ألف مصلٍ، وله ست مآذن، وفيه غرفة للإذاعة الخارجية مجهزة لنقل الخطبة وصلاتي الظهر والعصر ليوم عرفة مباشرة بواسطة الأقمار الصناعية.
* فضل يوم عرفة
وليوم عرفة فضل عظيم إذ ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يوم عرفة هو أفضل يوم عند الله، وذلك في الحديث الذي رواه جابر رضي الله عنه عن حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثا غبرا ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوما أكثر عتقا من النار من يوم عرفة).
وبعرفة نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”.
* سبب التسمية
علماء المسلمين اختلفوا في سبب تسمية “جبل عرفة”، فمنهم من قال إن آدم وحواء حين أنزلهما الله من الجنة إلى الأرض، أنزلهما في مكانين مختلفين فكان موقع جبل عرفات هو المكان الذي التقيا فيه وتعارفا على بعضهما فيه.
في حين قال بعض العلماء إنه ورد أن جبريل كان يطوف إبراهيم عليه السلام ويعلمه المناسك والمشاهد، وكان يطوف به في الجبل، ويردد له قوله “أعرفت، أعرفت”، وكان يرد عليه بقوله “عرفت، عرفت”.
وذهب البعض الآخر إن الناس يجتمعون في يوم عرفة على صعيد الجبل، ويتعارفون على بعضهم البعض، وعلى ربهم، فهو يوم تتنزل فيه الرحمات وتعتق فيه الرقاب، وهو من خير الأيام التي يستحب فيها عمل الخير، وصيام ذلك اليوم يكفر سنة ماضية وأخرى آتية لصاحبه.
* أخطاء شائعة
وهناك أخطاء يقع فيه بعض الحجاج تضيع الأجر والثواب في مثل هذا اليوم العظيم، يجب الحذر منها أبرزها:
-النزول خارج حدود عرفة وبقائهم في أماكن نزولهم حتى تغرب الشمس، وهناك الكثير من العلامات واللوحات الإرشادية التي توضح حدود عرفة، وعرفة كلها موقف.
– من الأخطاء أيضا الإنصراف من عرفة قبل غروب الشمس وهذا غير جائز لكونه مخالفاً لفعل النبي – صلى الله عليه وسلم.
– أيضا من الأخطاء تزاحم بعض الحجاج وتدافعهم لصعود جبل عرفة والوصول إلى قمته والتمسح به والصلاة عليه وهذا من البدع التي لا أصل لها في الشرع، إضافة لما يترتب على ذلك من أضرار صحية وبدنية.
– من الأخطاء كذلك استقبال جبل عرفات أثناء الدعاء والسنة استقبال القبلة عند الدعاء.