أوروبا تتأخر في مجال النمو والتكنولوجيا

أوروبا تتأخر في مجال النمو والتكنولوجيا

في سباق عالمي حثيث نحو التكنولوجيا.. أوروبا تقف في الخلفية ما يزيد الضغوط على نمو الاقتصاد في القارة العجوز.. فهل تستطيع التصدى لموجة الجذر التكنولوجية أم ستتنازل عن ريادتها الصناعية؟

 
أوروبا تتخلف عن إنشاء شركات التكنولوجيا من البرمجيات إلى الذكاء الاصطناعي.. وأشار تقرير لفايننشال تايمز إلى أن القارة التي تعد قلب العالم القديم تؤسس عددا أقل بكثير من الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها مليار دولار مقارنة بالصين والولايات المتحدة.
 
الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل إن الشركات التي تنشئها غالبا ما تواجه صعوبة في النمو بسرعة كافية لطرح أسهمها للاكتتاب العام ما يؤخر خطواتها لتصبح شركات رائدة في قطاعاتها.
 
وإذا بحثنا عن أسباب ذلك.. فيعود لعدة عوامل منها أن أوروبا تضم ​​أكثر من 30 دولة ذات قوانين ولغات مختلفة، مما يجعل تحقيق النمو أكثر صعوبة كما أن رأس المال الاستثماري فيها يعادل نحو 20 % من مستواه في الولايات المتحدة.. فضلا عن تأخر القارة في الإنفاق على البحث والتطوير اللذين يحفزان الابتكار.
 
أووبا تعاني كذلك من انخفاض الإنتاجية، وهو ما يفسر وجود فجوة في النمو مقارنة بالولايات المتحدة، إذ أصبح اقتصاد أوروبا أصغر بمقدار الثلث من اقتصاد الولايات المتحدة، بينما نما بمعدل ثلث معدل نمو الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات القليلة الماضية.
 
تراجع التكنولوجيا في أسواق أوروبا يدفع كذلك بعض الشركات الناشئة الواعدة والتي تأسست بأموال أوروبية إلى البحث عن فرص تمويل في أسواق أخرى، أو حتى نقل مقارها إلى بيئات أكثر مرونة، وهو ما يمثل خسائر في رأس المال الابتكاري داخل القارة.
 
الترجيحات تشير إلى أن واشنطن مرشحة للحفاظ على صدارتها القوية في مجال الاستثمار بالبحث والتطوير، وهو ما ينسحب على الصين إذ تشير التوقعات إلى تجاوزها الإنفاق الأمريكي في مجالات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والتقنيات الخضراء.. بينما تواجه أوروبا خطر التخلف أكثر ما لم تعزز تمويلها بشكل كبير وتوحد بيئة العمل بين دولها.
 
أوروبا التي أسست ثورة صناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على أساس علمي وتقني تواجه تحديا مفصليا يتمثل في تخلفها عن ركب التكنولوجيا، وهو ما ينظر إليه كمحرك رئيسي للنمو والإنتاجية.. القارة العجوز تقف عند مفترق طرق، وسط تساؤلات حول قدرتها على اللحاق بالركب.
 
وفيما يخص الذكاء الاصطناعي، أوروبا لا تزال متأخرة من حيث حجم الاستثمارات، سواء الحكومية أو الخاصة، مقارنة بما تضخه الولايات المتحدة والصين في هذا المجال، والتفوق في الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات هائلة في البنية التحتية الحوسبية والبيانات والكفاءات البشرية، وهي جوانب تتطلب دعماً طويل الأمد.
 
كما أن تفتت السوق الأوروبية رغم وجود الاتحاد الأوروبي يشكل عائقا أمام توسع الشركات، حيث لا تزال الفروقات اللغوية والثقافية والتشريعية تحد من قدرة الشركات على تحقيق نمو سريع وعابر للحدود، بخلاف ما هو متاح في الأسواق الأمريكية أو الصينية الموحدة.
 
وهجرة العقول والكفاءات الأوروبية الشابة إلى الخارج، خاصة إلى وادي السيليكون، تمثل تحديا كبيرا، إذ يحرم الاقتصاد الأوروبي من طاقات بشرية قادرة على قيادة الابتكار وخلق شركات تكنولوجية عالمية.
 
هذا الوضع له تأثير اقتصادي مباشر، إذ أصبحت التكنولوجيا المحرك الرئيسي للنمو في الاقتصادات الحديثة، وغياب شركات تكنولوجية أوروبية عملاقة يفقد القارة فرصاً ثمينة للنمو والتنافسية، ليس فقط من حيث الناتج المحلي، بل أيضا في تطوير القطاعات الأخرى التي باتت تعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا، مثل صناعة السيارات والقيادة الذاتية.
 
ويجب الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي بدأ بالفعل في اتخاذ خطوات لإصلاح هذا المسار، من خلال ضخ استثمارات جديدة، وتوحيد الجهود، وإنشاء صناديق دعم للبحث والتطوير، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا، والمنافسة شرسة للغاية.
 
أوروبا التي أسست ثورة صناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على أساس علمي وتقني تواجه تحدي مفصلي يتمثل في تخلفها عن ركب الدول الرائدة في التكنولوجيا، مثل الولايات المتحدة والصين. وبينما ينظر إلى التكنولوجيا اليوم باعتبارها المحرك الرئيسي للنمو والإنتاجية، فإن القارة العجوز تقف عند مفترق طرق، وسط تساؤلات عميقة حول قدرتها على اللحاق بهذا التحول الزلزالي في الاقتصاد الرقمي.