“أخبار مصر” تكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري الكبير.. من الصعوبات إلى النجاح

“أخبار مصر” تكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري الكبير.. من الصعوبات إلى النجاح

على مرمى حجر من أهرامات الجيزة الخالدة، يقف اليوم صرح حضاري جديد لا يقل عظمة وإبهارا.. المتحف المصري الكبير.. هذا المشروع، الذي يعد منارة للثقافة المصرية القديمة وواجهة لمصر الحديثة، يحمل في طياته قصصا من التحدي والإنجاز.

وللوقوف على كواليس هذا المشروع الضخم، التقى موقع أخبار مصر ببوابة ماسبيرو الدكتور حسين عبد البصير، المشرف العام الأسبق على مشروع المتحف المصري الكبير، الذي قاد دفة العمل في فترة بالغة الأهمية من 2011 إلى 2013..فإلى نص الحوار:

– كيف أثرت الظروف السياسية والاقتصادية على سير العمل، وما أبرز التحديات التي واجهتكم؟

بالفعل، كانت فترة إشرافي من 2011 إلى 2013 حافلة بالتحديات. مرت البلاد بمرحلة انتقالية صعبة بعد ثورة 25 يناير، مما أثر على تمويل المشروع وسير العمل.. كان علينا أن نعمل وسط تحديات اقتصادية وسياسية هائلة، وأن نضمن استمرارية المشروع رغم الظروف غير المواتية.. لم يكن المتحف مجرد بناء ضخم، بل كان مشروع نهضة أمة، وقصة شعب عظيم، ونافذة حضارة لا يخبو ضوؤها. كان لابد من الاستمرار، حمايةً للتاريخ من النسيان، واستعدادا لاستقبال ملايين الزوار.

والتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية والدولية كان تحديا كبيرا أيضًا في ظل التغيرات الإدارية المتكررة.

– في ظل هذه التحديات، ما أبرز القرارات والإنجازات التي تحققت تحت إشرافكم؟

“رغم الصعوبات، تمكنا بفضل الله وفريق العمل المخلص من تحقيق إنجازات ملموسة. من أبرزها:
– طرح مناقصة البناء الرئيسية وترسية العقود على الشركات المنفذة في عام 2012، مما مهد الطريق لبدء الأعمال الإنشائية الكبرى.
– شهد مركز الترميم بالمتحف تطورا ملحوظا؛ فهو يعد من أكبر مراكز الترميم في الشرق الأوسط، وتم تجهيز المعامل بأحدث الأجهزة والتقنيات، مما ساهم في ترميم آلاف القطع الأثرية.
– و بدأنا في إعداد سيناريو العرض المتحفي، مع التركيز على تقديم تجربة فريدة للزوار، تتضمن عرض مجموعة الملك توت عنخ آمون كاملة لأول مرة.
– وعززنا التعاون مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) لتأمين الدعم الفني والمالي للمشروع.
-الأهم من ذلك، بدأنا في نقل أول مجموعة من كنوز الملك توت عنخ آمون، وعددها 128 قطعة أثرية، من المتحف المصري بالتحرير إلى مخازن ومعامل المتحف المصري الكبير، لتبدأ أعمال الصيانة والترميم تمهيدا للعرض.”

– بذكر كنوز الملك توت عنخ آمون، ما أبرز القطع الأثرية التي تم نقلها إلى معامل الترميم خلال فترة إشرافكم، ولماذا تم ذلك مبكرا؟

– “مركز الترميم كان من أولى المرافق التي تم الانتهاء من تجهيزها. لذلك، بدأنا بنقل القطع الأثرية إليه مبكرا لعدة أسباب، أهمها: إجراء أعمال الترميم والصيانة اللازمة قبل العرض، ودراسة القطع بدقة من قبل الخبراء، وحمايتها من أي مخاطر محتملة في مواقعها الأصلية، خصوصًا في ظل الظروف السياسية.

– ومن أهم القطع التي تم نقلها:

كنوز الملك توت عنخ آمون: بدأ نقل هذه المجموعة الفريدة التي تضم آلاف القطع، كان الهدف هو جمع كل آثار الملك في مكان واحد، المتحف المصري الكبير الذي أطلقت عليه ‘بيت توت عنخ آمون الجديد’. . كانت آثار توت عنخ آمون تعرض في مساحة تبلغ حوالي 1500 متر مربع في المتحف القديم، بينما في المتحف المصري الكبير تعرض في مساحة تبلغ حوالي 7500 متر مربع، في تقريبًا سبعة أضعاف مساحة عرضها في المتحف المصري بالتحرير.

– تمثال رمسيس الثاني الضخم: تم نقله في عام 2006 من ميدان رمسيس إلى موقع المتحف ليصبح أيقونة المتحف الجديدة أمام المدخل الرئيسي.

– مركبا الملك خوفو (مركب الشمس): بدأ استخراج القطع الخشبية الخاصة بمركب الملك خوفو الثانية، وكانت هناك رؤية لجمع المركبين معًا في قاعة عرض مستقلة بالمتحف.”

– هناك جدل حول نقل مومياء توت عنخ آمون من قبرها الأصلي. ما هو رأيكم في هذا الشأن؟

– “أنا أرى أن المصلحة العلمية والثقافية ترجح كفة نقل المومياء، شريطة أن يتم وفقًا لمعايير علمية صارمة. المومياء ليست مجرد بقايا أثرية، بل هي سجل تاريخي حيّ. بقاؤها في بيئة المقبرة الأصلية غير مناسب.. المتحف المصري الكبير يوفر بيئة محكمة تتحكم في درجة الحرارة، والرطوبة، والإضاءة، والحماية من الاهتزازات والملوثات، مما يضمن الحفاظ عليها في حالة مثالية للأجيال القادمة.

-نقل المومياء إلى جانب كنوزها الأصلية التي نُقلت بالفعل يخلق سياقا علميا متكاملا، حيث يمكن للزوار والباحثين دراسة المجموعة كاملة في مكان واحد.. هذا النقل لن يتم إلا باستخدام أحدث وسائل النقل الآمنة والمعايير العالمية، مع فريق علمي وأثري متخصص يرافق المومياء لحظة بلحظة.

– وهذا القرار لا يحمل رسالة علمية فحسب، بل يحمل رسالة حضارية تؤكد ريادة مصر في الحفاظ على تراثها، وإصرارها على تقديمه للعالم بأحدث المعايير. توت عنخ آمون يستحق أن يُعرض في مكان يليق بمكانته العالمية، وهو المتحف المصري الكبير.”

– ما رؤيتكم للمتحف المصري الكبير بعد الافتتاح، وما الدور الذي يمكن أن يلعبه على الصعيدين المحلي والعالمي؟

“المتحف المصري الكبير هو أكثر من مجرد متحف، إنه صرح عالمي يعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة للعالم بأسره. رؤيتنا للمتحف بعد الافتتاح أنه سيكون مركزا عالميا للثقافة والتعليم، يقدم تجربة متحفية متكاملة تجمع بين العرض الأثري والتقنيات الحديثة.

وسيلعب المتحف أدوارا محورية في:
تعزيز التعليم والبحث العلمي من خلال توفير مرافق تعليمية ومراكز بحثية متقدمة.
تنشيط السياحة الثقافية بجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، مما يساهم في دعم الاقتصاد الوطني.
الحفاظ على التراث من خلال تطبيق أحدث أساليب الترميم والصيانة للقطع الأثرية.
تعزيز التعاون الدولي والشراكات مع المتاحف والمؤسسات الثقافية العالمية.

المتحف المصري الكبير هو ‘قوة ناعمة’ جديدة لمصر. حين يتدفق ملايين الزوار إلى قاعاته، لن يأتوا فقط لمشاهدة آثار الماضي، بل سيأتون ليشهدوا قدرة مصر الحديثة على استلهام حضارتها وتحويلها إلى طاقة إبداعية متجددة. إنه قصة وطنية بامتياز عن التحدي والصمود، وكيف يمكن للحضارة أن تنتصر على العوائق وتستمر. إنه مكان يشعر فيه كل مصري بالانتماء، وبأن حضارته لا تزال حية.”

– ختاما، كلمة أخيرة تود توجيهها؟

د.عبد البصير : “أتوجه بجزيل الشكر وعظيم التقدير للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، على دعمه غير المسبوق لمشروع المتحف المصري الكبير، الذي لولا دعمه ما كان لهذا المشروع العظيم أن يخرج إلى النور. والفنان فاروق حسنى وزير ثقافة مصر الأسبق المبدع المجدد الرائد، صاحب فكرة مشروع المتحف المصري الكبير، والأب الروحي له، كما أشكر كل إدارات المشروع والمتحف السابقة والحالية، وكل الزملاء والزميلات الذين عملوا بالمشروع بكل حب وإخلاص، وكذلك الجانب الياباني وفريق عمل الجايكا والسفارة اليابانية. أقول دائمًا إن مصر هي أصل الحضارة والإنسانية والبشرية، وإن المتحف المصري الكبير هو هدية مصر للعالم، ورمز لقدرتها على تحقيق المستحيل.”