البطوش يكتب: إيران وإسرائيل.. من صراع خفي إلى مواجهة علنية تهدد استقرار المنطقة ـ بقلم: محمد البطوش

البطوش يكتب: إيران وإسرائيل.. من صراع خفي إلى مواجهة علنية تهدد استقرار المنطقة ـ بقلم: محمد البطوش


ما يجري اليوم بين إيران وإسرائيل لم يعد مجرد خلاف سياسي أو صراع بالوكالة، بل تحول إلى مواجهة مباشرة تحمل في طياتها احتمال اندلاع حرب إقليمية شاملة، فمنذ سنوات، كانت التهديدات المتبادلة تدور في فلك التصريحات والتجاذبات، لكنّ الضربة التي وجّهتها إسرائيل إلى العمق الإيراني مؤخراً، والتي استهدفت منشآت نووية وعسكرية رفيعة المستوى، غيّرت المعادلة تماماً ،فإسرائيل لم تعد تنتظر تطورات البرنامج النووي الإيراني، بل اختارت أن تبادر إلى الهجوم المباشر، في رسالة واضحة بأن أمنها القومي لا يحتمل المساومة أو التأجيل. في المقابل، تجد إيران نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: فإما أن ترد بقوة وتخاطر بتصعيد كبير قد يجر المنطقة إلى أتون حرب شاملة، أو أن تكتفي بالتصعيد المحدود وتخسر هيبتها ومصداقيتها أمام شعبها ومحور المقاومة الذي تقوده ،وبين هذا وذاك، تتزايد الضغوط الداخلية على النظام الإيراني، الذي يواجه اليوم خسائر مؤلمة على مستوى القيادات والبنية التحتية الحساسة، إضافة إلى شلل نسبي في شبكة الدفاع الجوي التي اخترقتها إسرائيل بسهولة نسبية ،حيث أن إيران تم اختراقها بشكل كبير من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن الاحتلال تمكّن من زرع منظومات متطورة ودقيقة قرب مواقع عسكرية حساسة داخل إيران، وساهمت هذه المنظومات بشكل مباشر في تسهيل الهجوم الإسرائيلي. ليس هذا فحسب، بل أنشأ الاحتلال في الداخل الإيراني قاعدة للطائرات المسيّرة المفخخة، تم إدخالها إلى البلاد قبل وقت طويل من الضربة، وتم تفعيلها في اللحظة المناسبة. كما عمل على نصب أسلحة دقيقة داخل الأراضي الإيرانية بشكل سري، ونجح في تأمينها لوجستيًا ضمن شبكة معقدة من العملاء والمعدات، مما يؤكد أن الهجوم لم يكن لحظة عابرة، بل ثمرة تخطيط استخباراتي طويل الأمد ،حيث أن المعادلة الإقليمية تغيّرت، فحلفاء إيران التقليديون في المنطقة يواجهون ضغوطًا غير مسبوقة، وقدرتهم على دعم طهران في هذه المرحلة تبدو محدودة، بينما تسعى بعض العواصم العربية إلى تفادي الانجرار لأي محور، خشية من انفجار أمني واقتصادي ستكون له تبعات كارثية، أما المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، فيبدو حريصًا على عدم الانخراط المباشر، مكتفيًا بالتنديد والدعوة إلى التهدئة، ما يشير إلى تراجع نسبي في الدعم الغربي المطلق لتل أبيب.إن الصراع القائم اليوم تجاوز الحسابات التكتيكية وأصبح رهينًا لمعادلة استراتيجية خطيرة، فكل خطوة خاطئة قد تفجّر المنطقة بأكملها، وكل صاروخ يُطلق يحمل معه شبح الفوضى والانهيار. المشهد الحالي ليس إلا بداية فصل جديد من صراع طويل بين قوتين لا تعرفان التراجع، لكنه فصل أخطر من كل ما سبق، لأنه يحدث في زمن تتداخل فيه السياسة بالطموحات النووية، وتتشابك فيه التحالفات بشكل معقد لا يحتمل أي خطأ في الحسابات ،ومن هنا، فإن العالم يقف اليوم أمام اختبار حقيقي: إما أن يتمكن من احتواء الأزمة عبر دبلوماسية سريعة ومقنعة للطرفين، أو أن يتهيأ لمشهد دموي قد يعيد رسم خارطة الشرق الأوسط بالكامل.