إسرائيل تستهدف كبار القادة العسكريين لديها دون أن تستهدف خامنئي بشكل مباشر.. ما هي الأسباب وراء ذلك؟

إسرائيل تستهدف كبار القادة العسكريين لديها دون أن تستهدف خامنئي بشكل مباشر.. ما هي الأسباب وراء ذلك؟


كتب كارلو كارو* (ذا هيل – ترجمة: مدار الساعة): نفذت إسرائيل مؤخرًا أعنف ضربة استباقية في تاريخ إيران، إذ تم القضاء في غضون ساعات على كبار المخططين العسكريين الإيرانيين – الجنرال محمد باقري، والجنرال أمير علي حاجي زاده، والجنرال علي رشيد. في الوقت نفسه، استهدفت الغارات منشآت تطوير الصواريخ ونقاط التنسيق العسكري الحساسة، ما قطع بعض قنوات الاتصال بين إيران وشبكات وكلائها في سوريا والعراق.ومع ذلك، لم يُستهدف الرجل الأعلى في هرم السلطة، آية الله علي خامنئي. وقد يبدو هذا الإغفال غريبًا للبعض، لكن قتل خامنئي كان سيفجّر عواقب تتجاوز ساحة المعركة بكثير.فدستور إيران ينص على أن وفاة المرشد الأعلى تستوجب تفعيل آلية طارئة لاختيار خلف له عبر “مجلس الخبراء”، الذي يسيطر عليه منذ انتخابات مارس 2024 رجال دين من التيار المتشدد. مرشحهم المرجّح هو مجتبى خامنئي، نجل المرشد والمشرف على ملفات الأمن خلف الكواليس. لكن مجتبى يواجه معضلة كبيرة: فهو يفتقر إلى المؤهلات الدينية المطلوبة للمنصب. فلم يصدر أي فتوى، ولم يدرّس في حوزات قم أو النجف، ولا يُعترف به كمرجع ديني كبير.في التشيع، لا تكتسب الشرعية بالميراث كما في الملكيات، بل تُكتسب عبر عقود من الاجتهاد والاعتراف من قِبل الأقران.لو قتلت إسرائيل خامنئي، لكان ذلك منح مجتبى طريقًا سريعًا نحو الشرعية. وبدونه، فإن صعوده سيبقى موضع خلاف. فمثلاً، المرجع الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، يعارض أصلًا فكرة حكم الفقيه سياسيًا. وطالما أن خامنئي الأب حي، فمجتبى يظل غير مؤهل لتوحيد النظام، لكنه أيضًا محصّن من التهميش. ومن ثم، قد يؤدي وجوده إلى شلل في عملية الخلافة – وهو أمر بات أكثر ترجيحًا الآن بعد أن أضعفت إسرائيل حراسه العسكريين وتركته حيًا.الفكر السياسي الشيعي مؤسس على فكرة الشهادة. فمقتل الإمام علي والحسين في القرن السابع يمثلان جوهر المقاومة والتضحية. ولو قُتل خامنئي بصاروخ إسرائيلي، لتم تأويل الحدث ليس سياسيًا بل أسطوريًا – كأنه إعادة تمثيل لمأساة كربلاء. كان ذلك سيقدّس مجتبى، ويوحد الفصائل الإيرانية، ويمنح وكلاء إيران الإقليميين شرعية التصعيد العنيف.تعتبر مجموعات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وكتائب حزب الله في العراق نفسها حماة لسلطة المرشد الدينية. وقد كشف منشقون إيرانيون منذ مدة عن وجود خطط تصعيد داخلي تُفعل في حال اغتيال المرشد، وتشمل وابلًا من الصواريخ، وهجمات إلكترونية على منشآت الطاقة في الخليج، وعمليات غير متماثلة ضد أهداف أميركية في المنطقة. الإبقاء على خامنئي ينفي تفعيل هذا السيناريو.كما أن بقاءه يضمن بقاء ما يسمى بـ”الغموض الاستراتيجي”. فاستهداف أدوات إيران التنفيذية دون مسّ رمزها الروحي يمنع النظام من تصوير الوضع كأزمة وجودية. والرسالة موجهة إلى الطبقة الوسطى من القادة والبيروقراطيين: التصعيد ليس حتميًا، وما زال هناك مجال لإعادة الحسابات.لم يعتمد نظام خامنئي فقط على القوة الغاشمة. في قلبه توجد “مؤسسة صيانة ونشر تراث المرشد الأعلى”، وهي رغم ظاهرها الثقافي، تؤدي عمليًا دور جهاز رقابي عقائدي. بقيادة مجتبى غير الرسمية، تراقب هذه المؤسسة الخطاب الديني، وتتحكم في الوصول إلى خامنئي، وتعاقب العلماء غير التقليديين، وتدير اقتصادًا ريعيًا لدعم الحوزات.هذا النظام كان يعمل تحت حماية القيادة العليا للحرس الثوري. والجنرالات الذين قُتلوا كانوا يفرضون الامتثال العقائدي. وجودهم كان يردع التمرد، ويعزز سلطة مجتبى، ويحصن المؤسسة الدينية من التحديات. الغارة الإسرائيلية كسرت هذا الطوق الواقي، مكشفةً بذلك النواة العقائدية للنظام.على إسرائيل أن تواصل استهداف قيادة الحرس الثوري، ولكن دون المساس بمُجتبى أو رجال الدين المتشددين البارزين، لأن ذلك قد يؤدي إلى تحويلهم إلى “شهداء” وتوحيد الصفوف من حولهم. بل يجب تركيز الجهود على تفكيك البنية التحتية التي تدعم نفوذ مجتبى: من قطع التمويل عن الحوزات الموالية، وكشف التناقضات بين علماء قم، إلى دعم المنافسين العابرين للحدود، لا سيما المتحالفين مع السيستاني في النجف، الذين يرفضون أصلاً ولاية الفقيه السياسية.الهدف ليس قطع رأس النظام، بل تعطيله، وتفتيته، وحرمانه من الشرعية.ولأول مرة منذ عقود، يواجه النظام الديني الإيراني خطر فراغ أمني عقائدي. وفي هذا السياق، قد يظهر علماء كانوا صامتين سابقًا كمنافسين فعليين لخلافة مجتبى، ما قد يؤدي إلى انقسام حاد ينعكس مباشرة على أنشطة الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، ويؤثر على تمويلها وشرعيتها الدينية المرتبطة بالمرشد.إذا أصبحت تلك الشرعية محل نزاع – إذا تم تصعيد مجتبى دون إجماع – فقد تبدأ هذه الجماعات بالانحياز إلى مراجع أو تيارات أخرى. شخصيات مثل قيس الخزعلي أو هاشم صفي الدين، الذين يجمعون بين القيادة الميدانية والطموحات الدينية، قد يتحولون إلى مراكز ثقل جديدة. والنتيجة المحتملة: تحول محور المقاومة من كتلة منسقة إلى مجموعة كيانات شبه مستقلة وربما متنافسة.في الحروب العقائدية، كما في حروب الصواريخ، الضربة الحاسمة ليست التي تقتل رجلًا، بل التي تحرم أسطورة من الحياة. * كارلو ج. ڤي. كارو هو كاتب مقيم في نيويورك، درس وعاش في كل من الأردن وإسرائيل.