آيات المعايطة: الصراع الإيراني الإسرائيلي وآثاره الإقليمية على الأردن

آيات المعايطة: الصراع الإيراني الإسرائيلي وآثاره الإقليمية على الأردن


مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل ووصوله إلى مرحلة المواجهات المباشرة، تتزايد المخاوف من تداعيات إقليمية قد تمس استقرار دول الجوار، وعلى رأسها الأردن. ورغم أن المملكة لطالما اتسمت بسياسة الحياد والتوازن، إلا أن جغرافيتها السياسية وارتباطاتها الإقليمية والدولية تضعها أمام تحديات حساسة في ظل هذا التصعيد.من حرب غير مباشرة إلى مواجهة علنيةلم يكن الصراع بين طهران وتل أبيب جديدًا، فقد استمر لعقود ضمن ما يُعرف بـ”حروب الظل”، عبر دعم إيران لحركات المقاومة، وتنفيذ إسرائيل لعمليات عسكرية واستخباراتية ضد مواقع إيرانية في سوريا ولبنان. لكن ما حدث في أبريل 2024، حين استهدفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق وردّت إيران بهجمات مباشرة على إسرائيل، شكّل نقطة تحول دفعت باتجاه مواجهة مفتوحة، في مشهد لا يمكن فصله عن الدعم الأميركي المستمر لتل أبيب، سواء من خلال الدعم العسكري النوعي، أو التغطية السياسية في المحافل الدولية، ما منح إسرائيل هامشًا واسعًا في تصعيد عملياتها الإقليمية.الأردن بين الجغرافيا والسياسةيُدرك الأردن أن اشتعال الحرب في الجوار لن يكون حدثًا هامشيًا بالنسبة له. فالمملكة تقع جغرافيًا على تماس استراتيجي مع مسرح العمليات المحتمل، سواء في سوريا أو فلسطين المحتلة، كما أنها تحتفظ بعلاقات أمنية مع إسرائيل واتفاقيات تعاون استراتيجي مع الولايات المتحدة، التي تُعد أبرز حليف عسكري واقتصادي للأردن في المنطقة. وتضع هذه العلاقات المملكة أمام معادلة دقيقة بين حماية مصالحها الوطنية والحفاظ على استقلالية قرارها السياسي في ظل التجاذبات الإقليمية.من الناحية الأمنية، تراقب عمّان عن كثب تطورات الموقف، خصوصًا في الجبهة الشمالية، تحسبًا لأي اختراق أو تسلل للمليشيات أو الجماعات المسلحة. وقد شهدت الشهور الأخيرة تعزيزات عسكرية في المناطق الحدودية الشمالية والشرقية، في إطار استعدادات وقائية لأي تطورات غير متوقعة.تأثيرات اقتصادية مباشرة وغير مباشرةيمتلك الأردن اقتصادًا هشًا يعاني من تحديات مستمرة، وبالتالي فإن أي توتر في المنطقة ينعكس عليه بسرعة. تصاعد الحرب قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، ما يعني ضغوطًا إضافية على فاتورة الطاقة، وبالتالي على الموازنة العامة. كما أن الاستثمارات والسياحة، وهما قطاعان حيويان، سيتأثران سلبًا في حال استمرار التوتر.كما يثير الحديث عن تعطيل خطوط الملاحة في البحر الأحمر، التي تشكل شريانًا حيويًا للتجارة الأردنية من خلال ميناء العقبة، مخاوف كبيرة في الأوساط الاقتصادية الأردنية.تحديات سياسية داخليةإضافة إلى الأبعاد الأمنية والاقتصادية، فإن استمرار الحرب يعيد طرح أسئلة حساسة على المستوى الداخلي الأردني، خاصة في ظل وجود رأي عام منقسم بين من يرى في إيران قوة مقاومة، ومن يعتبرها تهديدًا للمنطقة واستقرارها. كما أن الدور الأميركي الداعم لإسرائيل في هذا الصراع ينعكس بدوره على الخطاب السياسي المحلي، حيث ترى بعض الأطراف أن الانحياز الغربي يسهم في تفاقم الأزمات، ويقوّض فرص الحلول السلمية. وهذا الانقسام قد يُستغل سياسيًا في لحظات التأزيم، ما يتطلب من الدولة إدارة الخطاب العام بحكمة واتزان.موقف الأردن: الحياد الفاعلحتى الآن، تلتزم عمّان موقفًا دبلوماسيًا متوازنًا، يدعو إلى التهدئة ويؤكد ضرورة تفادي الحرب الشاملة. وقد شارك الأردن في اتصالات إقليمية هدفت إلى احتواء التصعيد، مع التأكيد على رفضه لأي استخدام للأراضي الأردنية أو أجوائه في أي عمليات عسكرية تمس السيادة الوطنية. كما يحرص الأردن على إبقاء قنواته مفتوحة مع مختلف الأطراف، بما فيها واشنطن، من أجل تجنيب المنطقة منزلقات الصراع الشامل.خاتمةإن الحرب بين إيران وإسرائيل قد تكون جغرافيًا بعيدة نسبيًا، لكن تأثيراتها السياسية والأمنية والاقتصادية تلامس الأردن عن قرب. فالدولة التي اعتادت التوازن في محيطها المضطرب، تجد نفسها اليوم في اختبار جديد، يتطلب دقة في الحسابات، ومرونة في السياسة، ويقظة عالية تجاه أي متغيرات مفاجئة قد تفرض نفسها على الحدود أو داخل البلاد، خصوصًا في ظل تشابك أدوار القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي لا تزال فاعلًا مركزيًا في معادلات الصراع والسلام في الشرق الأوسط.