البشابشة يكتب: طهران… ثروات مُهدَرة ومستقبل محجوز وراء العمامة السوداء – تأليف: محمد البشابشة

رغم أن طهران تمتلك رابع أعلى احتياطي نفط في العالم (157 مليار برميل)،وذلك يعد اكثر من دولتي الامارات وقطر مجتمعتان وثاني أعلى احتياطي غاز طبيعي بعد روسيا (33.6 تريليون متر مكعب)،وذلك حسب منظمة اوبك تعيش البلاد اليوم واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ الثورة عام 1979. مشهد مُفارق بإمتياز دولة فوق بحر من الثروات الطبيعية، بينما يعاني أكثر من عشرة ملايين إيراني من الفقر المتقع،وذلك حسب البنك الدولي ويتجاوز معدل التضخم حاجز 48.5% وفقًا للبنك الدولي والبنك المركزي الإيراني لعام 2024.بعيدًا عن الخطاب الرسمي الذي تحاول طهران تصديره إلى الخارج، فإن الواقع الداخلي أكثر قتامة مما تحرص على إظهاره. حصة الفرد الإيراني من الناتج القومي لا تتجاوز بضعة آلاف من الدولارات، أقل حتى من لبنان الذي يعاني هو الآخر من انهيار اقتصادي عميق. في بلد يفترض أن يكون من أغنى دول العالم، يعيش الريال الإيراني انهيارًا مأساويًا حيث يبلغ السعر الرسمي 42,100 ريال مقابل الدولار الواحد ، بينما تجاوز في السوق السوداء 756 ألف ريال للدولار الواحد في عام 2024. هذه الهوة العميقة بين السعر الرسمي والسوق السوداء ليست مجرد خلل اقتصادي، بل دليل حي على عجز الدولة عن السيطرة على اقتصادها.لا يمكننا فهم مأساة الاقتصاد الإيراني دون الحديث عن العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب، والتي اثرت بشكل مباشر على الاقتصاد الايراني ككل فتلك العقوبات طالت قطاعات عديدة منها النفط، والمال، والبنوك، والتكنولوجيا، ولكن العقوبات ليست القصة الكاملة؛ بل إن جزءًا أساسيًا من مأساة طهران ناتج عن خياراتها السياسية أو بالأحرى، عن انعدام الرؤية السياسية.بدلًا من استثمار مواردها لبناء دولة عصرية، رهنت طهران اقتصادها لصالح مغامرات عسكرية ومشاريع توسعية عبر دعم ميليشيات إرهابية في في عديد من الدول العربية، بل ومحاولة فرض الهلال الشيعي كأداة للنفوذ في عمق الجغرافيا العربية. تحاول طهران التسويق لنفسها كحاملة لواء “المقاومة” في فلسطين، ولكنها في الحقيقة تستخدم هذه الورقة لتبرير تغلغلها وزرع فكرها داخل العقل العربي، مستبدلة الاحتلال الصريح باحتلال فكري وسياسي وديني تعصبي أكثر خطورة.وبالعوده الى الداخل الايراني حيث يبلغ عدد سكان ايران ما يتجاوز 88 مليون نسمه فيما يبلغ 68% من تعدادها من فئة الشباب تحت سن الاربعين ، ومع ذلك، فإنهم يعيشون بلا أفق اقتصادي حقيقي، ولا مشروع سياسي قادر على مواكبة تطلعاتهم. بينما يفترض أن تكون هذه الطاقة الشبابية رافعة للتنمية والحداثة، في الوقت التي تحبس طهران مستقبلها خلف العمامة السوداء، وخلف مشروع ديني متشدد لا يحمل أي إجابة عن التحديات الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو حتى التكنولوجية المعاصرة.إن مشروع طهران السياسي ليس سوى نسخة معاصرة من مشروع احتلال قديم أطماع إقليمية واسعة ولكن بلا فكر سياسي ناضج، وبلا نموذج حضاري مقنع. والمحصلة النهائية أن طهران لا تبني دولة، بل تبني جبهات صراع مفتوحة داخل حدودها وخارجها.في ظل المؤشرات الاقتصادية الكارثية، والعزلة الإقليمية والدولية المتزايدة، يبدو أن طهران تسير بثبات نحو مأزق وجودي اقتصاد ينهار، مجتمع يغلي، وشرعية سياسية تتآكل من الداخل. وفي وقت يحبس فيه النظام مستقبل شعبه خلف قناع ديني مشبع بالأطماع، يواصل العالم العربي إدراك أن طهران لا تسعى لبناء تحالفات، بل لفرض وصاية سياسية مقنعة بالشعارات المقاومة.ما لم تتغير قواعد اللعبة في الداخل الإيراني، فإن هذا الانحدار لن يتوقف، وسيظل الاقتصاد أكبر شاهد على إخفاق مشروع طهران السياسي قبل أن يكون إخفاقًا اقتصاديًا فحسب حيث تتحدث الأرقام عن نفسها بلد يمتلك من الثروات ما يكفي ليكون من أعمدة الاقتصاد العالمي، لكنه غارق في أزمة اقتصادية خانقة. وبين شعارات لا تُطعم جائعًا، وبين مشاريع تلتهم مستقبل الأجيال، تقف طهران اليوم كنموذج صارخ لما يحدث حين تغيب الرؤية الاقتصادية والسياسية السليمة وتختلط السياسة بالطموحات العابرة دون أسس واضحة.إن قراءة الواقع، بتأنٍ ومسؤولية، كفيلة بأن تهدي العقول الحريصة على ألا تتكرر الأخطاء في أماكن أخرى، حيث ما زالت الفرص قائمة لبناء مستقبل أفضل ما لم يبقى قابعا خلف عمامة سوداء تدمر الحاضر وتجهل المستقبل .