العدوان يكتب: الإخفاق في الضربة السريعة الإسرائيلية ضد إيران – تأليف الدكتور علي فواز العدوان

العدوان يكتب: الإخفاق في الضربة السريعة الإسرائيلية ضد إيران – تأليف الدكتور علي فواز العدوان


بين نظرية “الصدمة والترويع” واستعادة آليات الردع الإيرانية نفذت إسرائيل نظرية “الضربة الخاطفة” المستمدة من العقيدة العسكرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، والتي تعتمد على عنصر المفاجأة والتمويه والتكنولوجيا المتطورة لشل قدرات الخصم لكن هذه المحاولة اصطدمت بواقع جيوسياسي وعسكري أكثر تعقيداً، حيث استطاعت إيران استعادة آليات الردع خلال ساعات محدودة، وكشفت عن محدودية هذه النظرية في البيئة الاستراتيجية المعاصرة. اعتمدت إسرائيل على خطة تضليل محكمة، حيث سربت معلومات عن خلافات مع واشنطن، وأظهرت تصريحات رسمية توحي بعدم نية التصعيد، بينما كانت تستعد للضربة في توقيت حساس تزامن مع انشغال طهران بالمفاوضات النووية . كما استخدمت إسرائيل تسريبات مدروسة لتعزيز شعور إيران بالأمان الزائف قبل الهجوم.استخدمت إسرائيل طائرات F-15 وF-16 وF-35 في الضربات الجوية، حيث شاركت حوالي 200 طائرة مقاتلة في الغارات على المواقع النووية والعسكرية الإيرانية .استخدمت القنابل الموجهة بدقة مثل “ذخيرة الهجوم المباشر المشترك” (JDAM) والتي تحول القنابل التقليدية إلى أسلحة ذكية، بالإضافة إلى قنابل “سبايس” الإسرائيلية الصنع التي تتميز بدقة تصل إلى أقل من 3 أمتار .مثل صاروخ “رامبيج” الذي يطلق من مسافات بعيدة ويعمل بنظام ملاحة متطور، وقنابل “جي بي يو-28” الخارقة للتحصينات .نفذ “الموساد” عمليات سرية لتهريب طائرات مسيرة متفجرة إلى داخل إيران قبل الهجوم، تم استخدامها لاستهداف منصات إطلاق الصواريخ بالقرب من طهران .هدفت الضربة الإسرائيلية التي أطلق عليها اسم “الأسد الصاعق” إلىشل البرنامج النووي الإيراني عبر استهداف منشأة نطنز لتخصيب اليورانيومو تدمير البنية التحتية العسكرية ومنصات الصواريخ الباليستيةو اغتيال قيادات عسكرية وعلماء نوويين بارزين لتدمير آليات القيادة والسيطرةو تقويض ثقة النظام الإيراني بقدراته الدفاعيةالمرونة الإيرانية في استعادة الردععلى عكس التوقعات الإسرائيلية، استطاعت إيران تنظيم رد سريع ومؤثرالرد الصاروخي الساحق خلال ساعات من الهجوم، أطلقت إيران “مئات الصواريخ الباليستية المتنوعة” باتجاه إسرائيل في عملية أطلق عليها اسم “الوعد الصادق 3″، مستهدفة عشرات المواقع العسكرية والقواعد الجوية الإسرائيلية .التعافي التنظيمي السريع عين المرشد الأعلى خامنئي على الفور قادة جدد للحرس الثوري ورئيسا جديدا لأركان القوات المسلحة ليحلوا مكان القادة الذين قتلوا في الضربات .الحرب السيبرانيه أفادت تقارير باستهداف إيران للبنية التحتية الرقمية الإسرائيلية ردا على الهجمات .وتعتبر اهم الثغرات في التنفيذ الإسرائيلي للظربه الخاطفهفشل في شل القدرات النووية رغم الضربات على منشأة نطنز، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم حدوث تسرب إشعاعي، مما يشير إلى أن الضرر كان محدودا .بينما نجحت إسرائيل في قتل بعض القادة والعلماء، إلا أن النظام الإيراني أظهر مرونة تنظيمية مكنته من سد الثغرات بسرعة .كشفت الضربة عن عمق التنسيق الإسرائيلي مع واشنطن رغم الإنكارات الأمريكية، مما أضعف الموقف الدبلوماسي لإسرائيل .ساعدت الولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة إسرائيل على اعتراض الصواريخ الإيرانية، لكن هذا كشف عن اعتماد إسرائيل المفرط على الحلفاء .أدانت دول خليجية وعربية من ظمنها موقف جلالة الملك عبد الله الثاني بن حسين والحكومة الاردنية الضربات الإسرائيلية مما عزز الموقف السياسي الإيراني .جاء التوقيت في لحظة حساسة من مسار المفاوضات النووية، مما أعطى إيران ذريعة للتمسك بموقف أكثر تشددا .الدروس المستفادة تدعم مدرسه نهاية عصر الضربات الخاطفةو محدودية نظرية “الصدمة والترويع”أثبتت الأحداث أن نظرية الضربة الخاطفة التي نجحت في سياقات تاريخية (مثل الهجوم على بيرل هاربر) أصبحت أقل فعالية في العصر الحديث بسبب- تطور أنظمة الإنذار المبكر والدفاعات الجويةمرونة الأنظمة السياسية والعسكرية في التعافي من الصدماتتعقيد البيئة الجيوسياسية التي تجعل أي ضربة غير محسوبة العواقب محفوفة بالمخاطرصعود نمط جديد من الحروبتشير المواجهة إلى بروز أنماط جديدة من الصراع تعتمد علىالحروب متعددة المجالات (جوية، سيبرانية، استخباراتية)الاستهداف الدقيق للقيادات بدلا من التدمير الشاملحرب الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعيالصراع عبر الوكلاء بدلا من المواجهة المباشرةو استراتيجيات الردع في العصر الرقميأظهرت إيران قدرة ملحوظة علىتحويل الهزيمة التكتيكية إلى نصر استراتيجي عبر الرد السريعاستخدام التكنولوجيا المتوسطة بفعالية ضد أنظمة متطورةتوظيف العمق الإقليمي عبر شبكة الحلفاء والوكلاءلاشك ان الظربه الإسرائيلية الفاشلة على إيران كشفت عن تحولات عميقة في طبيعة الصراعات الحديثة فبينما نجحت إسرائيل في تحقيق بعض الأهداف التكتيكية، فشلت في تحقيق النصر الاستراتيجي أو شل قدرات إيران على الرد. الأهم من ذلك، أن إيران استطاعت تحويل الهجوم إلى فرصة لتأكيد قدرتها على الصمود والرد، مما يطرح تساؤلات حول جدوى استراتيجيات “الصدمة والترويع” في نظام عالمي متشابك ومعقد.لقد دخلت المنطقة مرحلة جديدة حيث لم تعد الضربات الخاطفة قادرة على حسم الصراعات، بل أصبحت عامل إثارة وتصعيد يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي بدلا من حله. وهذا ربما يكون الدرس الأهم الذي خلفته هذه المواجهة السريعة والمكثفة بين تل أبيب وطهران.