تل أبيب تتحدث من قمة برج ميلاد – بقلم: حسين الرواشدة

النتيجة التي انتهينا إليها، منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن، تبدو واضحة، «المنطقة، برعاية أمريكية، أصبحت في قبضة تل أبيب»، أو هكذا ستكون حتى إشعار آخر.قبل نحو 15 عاماً كتبت في هذه الزاوية «إيران تتكلم من فوق برج ميلاد «، كان ذلك بعد زيارة صحفية طويلة قمت بها إلى إيران، همس المرافق آنذاك في أذني : نحن الآن نقف فوق برج ميلاد (ارتفاعه 435 متراً)، أمامك طهران بالكامل، وأمام «آيات الله» المنطقة كلها مكشوفة، كانت نبرة صوته استعلائية، لكن ما فعلته طهران منذ ذلك الوقت أكد حجم الانكشاف، طهران مدت نفوذها إلى خمس دول عربية، وأصبحت تحركها بكبسة زر من الإمام الغائب.الآن، انكشفت (انقلبت ) الصورة تماماً، تل أبيب هي من تجلس فوق برج ميلاد، وهي من قطعت أذرع طهران في الدول التي حولتها إلى وكالات تحارب بالنيابة عنها، وهي من تتحدث باستعلاء أمام الجماهير التي صفقت لضرب إيران واغتيال قادتها وعلمائها، أو الآخرين الذين نعوا الشهداء ومازالوا يراهنون على عودة الفقيه أو صحوة «قم» لمواجهة الشيطان الأكبر، تل أبيب تُلوّح بإشارة النصر، وتستعد لتتويج نتنياهو» أسداً صاعداً « على قائمة أباطرة الآباء المؤسسين للدولة اليهودية.كيف حدث ذلك، وكيف تلعثمت طهران في أول لحظة مواجهة حقيقية؟ الإجابة في التحليل السياسي تبدو طويلة، وربما نتفاجأ، لاحقاً، بمستجدات خبيئة ( خبيثة إن شئت ) لا نعرفها الآن، لكن السر الذي يكمن وراء هذا الانهيار والاختراق وصدمة الهشاشة عنوانه ( سطوة قُم ) التي حولت المجتمع الإيراني، باسم الدين الذي اختلط بالبازار وأحلام إمبراطورية «أم القرى»، إلى مجتمع كراهية، سقط الجدار الحقيقي الذي حكمت به الثورة ثم اعتصمت به الدولة، أقصد جدار الداخل الذي يبدو أنه تم اختراق حراسه، أو جرى العبث في مكوناته ونواميسه.فشلت طهران منذ أن قامت ثورتها (1979 ) مرتين على الأقل؛ مرة حين طوت صفحة مشروع الحكومة العالمية الذي وضعه الخميني استناداً إلى فكرة تصدير الثورة بالقوة الناعمة، ومرة أخرى حين رسبت في امتحان مشروع الحكومة العملية التي اعتبرها علي لاريجاني نقطة الانطلاق للتمدد الجغرافي بالقوة خارج حدود إيران، المرة الأولى للفشل كانت بمثابة نهاية للثورة بعد حرب العراق، والمرة الثانية كانت بمثابة أفول لنجم الدولة القائدة بعد الحرب على غزة، الآن ليس أمام طهران إلا الانكفاء إلى الداخل، وليس أمام الإيرانيين سوى البحث عن نظام بديل لولاية الفقيه، وهذا أحد أهداف الحرب الراهنة على المدى المنظور.صحيح، أخطأت إيران حين تمددت في الفراغ العربي الرخوّ، وحين انتصرت لأنفاسها الإمبرطورية على حساب دماء جيرانها العرب، أخطأت، أيضا، حين استخدمت العرب لمواجهة تل أبيب ثم تخلت عنهم في اللحظة الأخيرة، أخطأت، ثالثاً، حين اعتمدت على صبرها الإستراتيجي، وسياسة الحيلة، وحسابات التقية، في تقدير الموقف مع واشنطن وتل أبيب، ربما لم تصدق أن رأسها هو المطلوب، وأن ترتيب خرائط المنطقة سيبدأ منها.لكن مع ذلك، نخطئ نحن العرب إذا اعتبرنا أن هزيمة طهران على يد إسرائيل ستصب في مصلحة أي طرف عربي، نخطئ، أيضا، إذا لم نملأ فراغ طهران بمشروع عربي لا يخضع لهيمنة اسرائيل وهيلمانها، نخطئ، ثالثا، إذا لم نبدأ باستدارات داخلية في بلداننا، تستند إلى الاستفادة من دروس ما حصل، لتحصين جبهاتنا الداخلية، وتعظيم مشتركاتنا الوطنية، وإعادتنا للاعتماد على ذاتنا، لكي نصبح جزءاً قوياً من «الكل» أو الحلم، أو المشروع العربي المنتظر والمأمول.