بطَّاح يطرح: تأملات أولية حول الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران ـ تأليف: د. أحمد بطّاح

بطَّاح يطرح: تأملات أولية حول الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران ـ تأليف: د. أحمد بطّاح


لقد قامت إسرائيل فجر الجمعة الموافق 13/06/2025 بضربة عسكرية مفاجئة لجمهورية إيران الإسلامية. وفي مساء ذات اليوم قامت إيران بالرد على الهجوم الإسرائيلي، ورغم أنه الضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران كانت مُتوقعة منذ زمن بعيد (وبالذات منذ استلام نتنياهو دفة الحكم في إسرائيل في عام 2009) إلّا أنّ الضربة جاءَت في الواقع مفاجئة، ورغم أنها والرد الإيراني عليها ما زالا قائمين وتتوالى فصولهما إلّا أنّ ثمة ملاحظات يمكن تسجيلها على هامش هذا الصراع المرير بين هاتين الدولتين الإقليميتين القويتين ولعلّ أهمها:أولاً: أنّ هذه المعركة التي تخوضها إسرائيل مع إيران هي الأولى التي تخوضها ضد “دولة” منذ عام 1973، إذْ أنّ معاركها منذ ذلك التاريخ كانت مع أحزاب (حزب الله)، أو منظمات وجماعات مسلحة (المنظمات الفلسطينية مثل فتح وحماس وغيرهما).ثانياً: أنّ هذه المعركة التي تقودها إسرائيل هي الأولى التي تقودها مع دولة ليست لها حدود معها، فقد خاضت إسرائيل كل حروبها السابقة مع دول مجاورة لها (مصر. سوريا، الأردن…) ومن الواضح أنّ هذه الدول كلها دول عربية (بخلاف إيران، التي هي دولة إسلامية ولكنها غير عربية) ومن دول “الطوق” المحيط بإسرائيل.ثالثاً: أن هذه المعركة شهدت خداعاً استراتيجياً وازناً قامت به إسرائيل ضد إيران إذْ أوهمتها أنّ المحادثات مع الولايات المتحدة ما زالت جارية (كانت الجولة السادسة مُقرّرة يوم الأحد 15/06/2025)، ولا شك أن الولايات المتحدة ساهمت في عملية الخداع الاستراتيجي هذه، حيث قال الرئيس الأمريكي ترامب بأن الضربة الإسرائيلية لإيران ليست “وشيكة” ولكنها “محتملة”، وكما هو متوقع فقد أدّى عُنصر الخِداع الاستراتيجي الذي مارسته إسرائيل إلى تحقيق نتائج مهمة لصالح إسرائيل، حيث تمكنت من ضرب بعض المواقع العسكرية المهمة، وقتل عدد من أكبر القيادات العسكرية الإيرانية كرئيس الأركان الإيراني (محمد باقري)، وقائد الحرس الثوري الإيراني (حسين سلامي)، وقائد القوة الصاروخية الفضائية الإيرانية (حاجي زادة)، وذلك فضلا عن قتل عدد مهم من علماء الذرة الإيرانيين.رابعاً: أنّ كلاً من إسرائيل وإيران، استخدما أفضل ما لديهما من أسلحة، فقد استخدمت إسرائيل سلاحها الجوي القوي والحديث (F16, F15, F35 …)، واستخدمت إيران صواريخها الباليستية، والفرط صوتية، وكذلك المسيرات (شاهد، وغيرها).خامساً: أنّ هذه المعركة تخوضها إسرائيل ضد إيران بشكل أحادي، كما قال وزير الخارجية الأمريكي “روبيو”، ولكن من الواضح أن الولايات المتحدة زودتها بكل الذخائر اللازمة (وبالذات القنابل الخارقة للتحصينات وغيرها)، كما زودتها وتزودها بانتظام بالمعلومات الاستخباراتية الضرورية (عن طريق الأقمار الصناعية وغيرها)، وغني عن القول أنها تساهم في رد الصواريخ التي تطلقها إيران باتجاهها، وبمعنى آخر فإنّ الولايات المتحدة تشارك إسرائيل في معركتها “الدفاعية” رغم أنها لم تشاركها بعد في معركتها “الهجومية”.سادساً: رغم أنّ إسرائيل نجحت إلى حدٍ ما في ضربتها العسكرية لإيران من خلال تدمير (ولو جزئياً) بعض مواقعها النووية والتخلص من بعض أهم قياداتها العسكرية وعلمائها الذريين، فإنّ من المؤكد أنها لم تنجح (ولا يبدو أنها سوف تنجح) في تدمير البرنامج النووي بشكل كامل، وذلك بالنظّر إلى تعدد مواقع هذا البرنامج، ووجوده على أعماق كبيرة تحت الجبال، وبالنظر إلى أنّ إيران أصبحت تمتلك المعرفة، والخبرة الخاصتين بالقدرة النووية (وبالذات، تخصيب اليورانيوم)، الأمر الذي لا يمكن تدميره في الواقع عسكرياً، ولذا فلن يكون غريباً لو فاجأت إيران العالم وأعلنت أنها لم تعد دولة “عتبة” نووية، بل أصبحت دولة “نووية بالفعل”، وذلك من خلال زيادة تخصيب الـ (400) كيلوغرام المخصب لديها إلى (90) وهي النسبة المطلوبة لصنع السلاح النووي!إنّ من المتوقع أن تستمر هذه المعركة بين إسرائيل وإيران لمدة أسبوع أو أسابيع، وبغض النظر عن النتائج العسكرية الفعلية التي يمكن أن تتمخض عنها فإن هذه النتائج سوف تكون على طاولة المفاوضات بين إيران والدول الغربية، وبالذات الولايات المتحدة، وحيث أنّ المفاوضات تعكس دائماً وبالضرورة محصلة المعارك في الميدان، فإنّ المفاوضات المُقبلة سوف تجلّي مصير البرنامج النووي الإيراني، كما أنها سوف تبلور الوزن الإقليمي الجيوسياسي الحقيقي لكل من إسرائيل وإيران كقوتين إقليميتين، ومن المؤكد أن هذا سوف ينعكس بشكل أو بآخر على القضية الفلسطينية، فإذا انتصرت إسرائيل فعلياً في هذه المواجهة فإنّها سوف تتسيّد المنطقة، وتغالي في التنكر لحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، فضلاً عن تهميش الدول العربية وممارسة الهيمنة عليها، وإذا خسرت في هذه المواجهة، فإن مكانتها سوف تتراجع، وسوف تكون مضطرة إلى تقديم التنازلات وبالذات على صعيد القضية الفلسطينية التي تظل أساس الصراع في المنطقة، والتي لن يشهد الإقليم أماناً واستقراراً بدون مقاربة حقيقية وعادلة للتعامل معها.