أبو زيد يسلط الضوء: بداية الصراع الإيراني – الإسرائيلي وتأثيراته تتسارع في الشرق الأوسط – الكاتب: زيد أبو زيد

أبو زيد يسلط الضوء: بداية الصراع الإيراني – الإسرائيلي وتأثيراته تتسارع في الشرق الأوسط – الكاتب: زيد أبو زيد


وسط اعتراف العالم الصريح بأنَّ الشرق الأوسط مركز ثقل العالم ؛ ففيه النَّفط والمعابر الجوية والبحرية من العالم وإليه، والنظام العالمي يتغير انطلاقًا من هذه المنطقة، ولكن لسوء حظ العرب فإنّ مصيرهم يرتبط بهذا الفهم، فَحُكِم عليهم أن تكون أرضهم مسرحًا لصراعات إيديولوجية وسياسية ومثال ذلك ما حدث ويحدث في فلسطين وحرب الطائرات والمسيرات والصوريخ بين إيران وإسرائيل ومن قبلها العراق ولبنان وسوريا واليمن والصراع بين الأكراد وتركيا والذي انتهى أخيراً باتفاق ، ويطول التفصيل في كل صراع على حدة، وإن كانت في النتيجة مرتبطة كجسد واحد كل عضو فيه يثر ويتأثر بالآخر .هذا الإعتراف كان يجب أن يعمل العالم على أن تكون هذه المنطقة الأكثر استقراراً ولكنها وللاسف الشديد ولقرن كامل كانت منطقة الصراع الأكثر تفاعلاً وديمومة ، ويكفي أن نقول أن شعباً بأكمله يعاني الأن من الابادة وهو الشعب الفلسطيني، وعودة إلى عنوان المقال فوسط حرب امتدت إلى ما يقرب من سنتين على قطاع غزة وممارسة إسرائيل لسياسة التهجير والتشريد والهدم والتهويد في كل الأراضي الفلسطينية، ومع الحديث عن مفاوضات وقف إطلاق نار وتبادل رهائن بين إسرائيل وحماس ودعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مبادرات بالعشرات تتراوح بين الحرب والسلام في العالم؟، وعلى رأسها مفاوضات توقيع اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تنفجر وعلى نحو غير متوقع حرب الطائرات والصورايخ بين اسرائيل وإيران مشكلة ما يشبه برميل بارود متفجر قد يقود المنطقة والعالم إلى عدم استقرار طويل الأمد فالوضع في غاية الخطورة وإمكانيات الطرفين غير معلومة على نحو دقيق ، ومن هنا أقول لقد دقت طبول الحرب الايرانية -الإسرائيلية!!، وكرة الثلج تتدحرج إلى قاع الوادي الشرق أوسطي!!!!!، ولن يتوقف الأمر على طرفي الصراع فالمنطقة على وشك الإشتعال لأن لكلا الطرفين مشروعه في المنطقة ، فمن سيدفع الثمن وكيف ستؤول الأمور إذا استمرت الحرب ومشاهد الانفجارات في مشهد وطهران وتل ابيب وحيفا وغيرها من مدن الجانبين تدل على أن الحسابات لكل طرف مفتوحة وأن الأمور توشك أن تفلت من عقالها ، فكيف نتجاوز خطورة ما يحدث في المنطقة ونحن في مركزها؟، وهنا فالعواطف يجب أن تنحى جانبًا لان سماء الأردن وأمنه وأرضه لن تكون ميدانًا لأحد وإنّ كنا نتعاطف مع إيران بوصفها من تعرضت للاعتداء الإسرائيلي ونطالب إسرائيل بوقف حربها دون تأخير ولكننا في نفس الوقت نحافظ على فهمنا الدقيق لطبيعة الصراع وهو ما يقودنا إلى تحديد مواقفنا بدقة ، ولذلك كانت الإدانة واضحة لإسرائيل وهي بحكومتها المتطرفة مصدر الشر الأول في المنطقة، ولكننا نفهم أن هذا لا يعني استباحة أراضي أي دولة من أي طرف لخوض صرعات الهيمنه والنفوذ وكذلك لما يمكن أن تسببه من حوادث غير محسوبة عسكريًا وسياسيًا وأمنيًا.إن ما سبق وأحداث كثيرة في العالم وإلى جوارنا تقودني للكتابة أَنّ القوة والمصالح واللوبيات من تتحدث هنا، وتغيّر المعادلات السياسية كلها، فلا مكان للضعيف في السياسة الدولية، والقوى العظمى تنطلق من مصالحها في تحديد علاقاتها، وطرق تعاملها مع الآخر، وإسرائيل نموذج لذلك ، والعالم بأجمعه شاهد نتنياهو يهدد ومن ثم يبدأ في قصف المدن الايرانية بحجة تهديد ايران للسلم العالمي، وهذا يتم وسط حربه على الفلسطينيين رغم ادانة العالم لتطرف حكومة إسرائيل، ولكن حرب نتنياهو الجديدة يبدو أنها تتمتع بدعم المجتمع الاسرائيلي والغربي ، ولكنهم لا يقدرون خطورة الحدث بشكل شمولي ودقيق فالحرب القائمة قد تشعل العالم!!!.إنني لا أرى في إيران حليفًا للعالم العربي رغم الشعارات التي ترددها دائما عن وقوفها ضد اسرائيل والولايات المتحدة والغرب عمومًا، فحربها ضد العراق ومشاريعها في المنطقة لا تخفى على أحد، ولكننا لا يجب أن ننسى أنَّ إسرائيل هي من أشعلت برميل البارود وفجرت الأوضاع في المنطقة في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن وأخيراً ايران، ولكن اسرائيل يجب أن تعرف أن إيران ليست دولة ضعيفة، وأنَّ الضربة لإيران أثارت ردود فعل عنيفة في المنطقة خاصة مع مشاهد الدمار الواسع والاغتيالات والتهديد بتغيير النظام الإيراني ووجه الشرق الأوسط، ولكن ردود الفعل اعتمدت أيضًا ردود الفعل الانتقامية الإيرانية كبوصلة تتجه إلى اشتعال المنطقة بالكامل ، وربما هذا ما قاد الادارة الأمريكية مكرهةً إلى لجم حليفتها اسرائيل طويلاً عن ضرب إيران حتى حدث الانفجار، وها هي كرة الثلج تتدحرج الى قاع الوادي فهل هناك من يوقفها، لمنع حرب استنزاف جديدة لا قدرة للمنطقة وخاصة اسرائيل على تحمل تكلفتها البشرية والاقتصادية، وربما توسع هذه الحرب اتشمل كل المنطقة ؟.وأنا هنا لا بد لي من القول إنّ الاستعمار وقوى البغي والعدوان هي التي أججت لهيب صراع الإقليم الشرق أوسطي الباحث عن الانعتاق والحرية والتقدم والانفتاح، ولكن القوى العظمى زادت اشتعاله، حين غادرت المنطقة مؤقتًا في منتصف القرن الماضي، وخلّفت وراءها تركة من الخلافات على الأرض والمياه ومناطق النفوذ، فضلًا عن السرطان الصهيوني التوسعي الذي امتد من التوسع على الأرض عرضًا وطولًا، ليضرب عمق المنطقة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا؛ ولذلك فنحن ندفع فاتورة الصراع بسبب اختلال النظام العالمي وضعفنا في المحيط الشرق أوسطي وسط طموح الآخرين في حلم السيطرة وإعادة تشكيل المنطقة كلٍ على هواه، كما لا يخفى على أحد أحلام البعض في إعادة إمبرطوريات أفلت واختفت لتعود مجدداً الى حكم المنطقة وهو ذات الحلم لدول عظمى تسعى للسيطرة على مقدرات المنطقة وثرواتها.ومن باب التحذير لخطورة الأوضاع كانَّ على هذه الإدارة الأمريكية التي بادرت منذ اللحظة التي فاز فيها الرئيس الأمريكي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى رسم أفق مضيء ومشعّ لمستقبل سياسات أمريكا في الشرق الأوسط وفي العالم كله، وأن تدرك أنّها ستفشل فشلًا ذريعًا في هذه المنطقة على الأقل إن هي لم تنقذ الكيان الصهيوني من نفسه ومن قيادته التي يحتل فيها اليمين الأغلبية، وإن لم تتحلَّ بمزيد من الحزم وتقف بوضوح وبصراحة وشجاعة ضد هذه التوجهات العنصرية الصهيونية المرعبة والمخيفة خاصة وأننا لا نرى في إيران حليفًا ولكننا لا يمكن أن نقبل لايران أو إسرائيل أن تستبيح أجواء المنطقة وأراضيها بلا حسيب أو رقيب أو أن تتسببا باشتعال المنطقة التي تتقلب أصلاً على صفيح ساخن.وهنا، لا بدَّ لي من القول أنَّ إيران ملف ساخن قديم في المنطقة بسبب أزمة الملف النووي الذي زاد حدة الشرخ في العلاقات العربية – الإيرانية، والأمريكية – ونعلم أنَّ ملالي ايران لا يختلفون عن أسلافهم في الرغبة العارمة لتشكيل إمبراطورية فارسية تمثل شرطي الإقليم، وتبسط سيطرتها على المنطقة؛ ما يفسر الصراعات والحروب التي وقعت؛ إذ كانت الحرب مع العراق أكثرها دموية ومأساوية، ولكن هذا لا يبرر لاسرائيل الحرب على إيران بأي شكل من الأشكال .وكون المشروع الإيراني مشروعًا توسعيًّا من وجهة نظر كثيرين، فإنّ على المنساقين وراء هذا المشروع الذي يُعدّ نقيضًا للكيان الصهيوني نسبيًا أن يراعوا أنّ هذا الكيان – بغضّ النظر عن التهديدات الإيرانية – لا يمكن أن يكون هدفًا سهلًا، والأرجح أنّه يصلح حليفًا للإمبراطورية الايرانية ، يقتسم معها النفوذ والغنائم، ويجمعهما قاسم مشترك وهو كراهية العرب والأطماع التوسعية، ودليل ذلك أنّ العراق كان هدفًا مشتركًا لكل منهما، وإنّ الاختلاف مع نظام الحكم السابق في العراق أو الاتفاق معه ليس مبررًا لإغفال النظر عن هذه القضية؛ فقد كان العراق حائط الصدّ القوي في وجه الأطماع الإيرانية وأحلام ملاليها، غير أنّ إسقاط هذا الحائط جعل العالم العربي هدفًا في متناول أيدي إيران التي تغوص أكثر فأكثر في المنطقة العربية، وقريبًا جدًّا ستجد الدول العربية وشعوبها أنّ عليها أن تقبل العيش تحت ظل التهديد النووي لحاخامات بني صهيون وملالي إيران، وفي الوقت الذي تنشغل فيه الأوساط العربية بالاختلاف حول التشيع، تواصل إيران كما إسرائيل تطوير قدراتها العسكرية والنووية على نحو خاص، وترسخ مكانتها لتكونا قوة إقليمية قوية، فهل تشكل هذه الحرب النقطة المفصلية بين المشروعين الصهيوني والايراني.إنّ الشعارات الإيرانية عن الشيطان الأمريكي الأكبر وعن إزالة الكيان الصهيوني من الوجود ليست في واقع الأمر سوى ظاهرة صوتية ساذجة يروّج لها الملا لي، وتستهوي كثيرين من العرب والمسلمين، وتجد لها صدًى واسعًا بين شعوب المنطقة، ليس فقط لإسراف الكيان الصهيوني في سياسته الاحتلالية ومواقفه العدائية، بل لمنهج السياسة العالمية تجاه شعوب المنطقة وأحلامها، وتطلعاتها القومية والحضارية، وقد هاجم أحمدي نجاد الرئيس السابق لإيران عبر منصة الأمم المتحدة في نيويورك الولايات المتحدة في عقر دارها، وتنبأ بزوال قوتها، وانتهاء هيمنتها على مقدرات العالم كله، وانتقد جرائمها ومجازرها ودعمها لعدوان للكيان الصهيوني على الأمتين العربية والإسلامية، وعلاوة على ذلك لم يتردد لحظة واحدة في الحديث عن مجازر الكيان الصهيوني المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والكذب والخديعة والإجرام الذي قام عليه الكيان الصهيوني، وأنّ هذا الكيان يسير بسرعة نحو نهايته، ولا توجد طريقة لإيقاف هذه النهاية، ولكنه رغم ذلك دعم نفوذ ايران في كثير من الدول على حساب سيادتها وأمنها وهذا تناقض صريح.ولكن ما كان الرئيس الإيراني سيمتلك هذه الجرأة لولا أنه استند إلى قدرة عسكرية فائقة، وعقول سياسية جبارة استطاعت أن توظف الأخطاء الكارثية الأمريكية والعربية كلها في فلسطين والعراق وأفغانستان لمصلحة بلاده، بحيث تخرج هي المستفيدة الأكبر دون أن تطلق رصاصة واحدة أو تخسر دولارًا واحدًا، ولكن ساعة الحقيقة قد أتت الآن وأصبح الحدث المتدحرج قابلاً للتفسير مع هذا الحدث الخطير والذي نشاهد فيه لأول مرة مدن فلسطين المحتله تشتعل بفعل الصوريخ الإيرانية، كما نرى الحرائق في كل إيران ولا نعلم الى أين ستذهب الأمور إن استمرت الحرب مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل سأذكرها لاحقًا.إن العلاقات الإيرانية العربية تختلف باختلاف الدول، فهي تشهد توترًا مع دول الخليج العربي بشكل أساسي بسبب قضية الجزر الإماراتية الثلاثة التي ضمتها إيران “أبو موسى، وطنب الكبرى وطنب الصغرى”، وتناور إيران برفض متواصل للتفاوض حولها، وقضية تصدير الثورة وفي المنطقة ، وفي الفترة الأخيرة ازداد توتر الأمور بعد بدء إيران بتطوير قدراتها النووية، وخوف دول الخليج العربي والمنطقة من أن يكون هذا التطوير تهديدًا لاستقرار المنطقة كما هو الخطر النووي الاسرائيلي، كما أنّ الاختلاف المذهبي شكّل سببًا لتوتر العلاقات؛ لوجود أقليات شيعية في دول الخليج يمكن أن تثير القلاقل لنظم الحكم فعلًا؛ آخذين بعين الإعتبار أن اسرائيل لا تريد لغيرها امتلاك القوة فقد كشفت صحيفة (الغارديان) البريطانية المرموقة قبل سنوات عن رفض رئيس أمريكي سابق طلبًا لأحد رؤساء وزراء الكيان الصهيوني السماح لحكومته بتوجيه ضربات جوية للمنشآت النووية الإيرانية خوفًا من فشلها أولًا، حيث صرّح رئيس الأمن القومي الصهيوني السابق أنّ دولته لا تمتلك من القدرات العسكرية ما يمكنها من تدمير المفاعل النووي الإيراني، وكان يتحدث أمام مؤتمر الأمن القومي للدراسات في جامعة تل أبيب، وأضاف :”إسرائيل لا تستطيع هزيمة إيران بالعمل العسكري، فكل ما يمكنها فعله هو تعطيل القدرات الإيرانية النووية فترة محدودة، كما أنّ أي عملية ضد إيران، لا بد من أن يجري التنسيق لها مع أمريكا، إنّ أول الأخطار التي تواجه أي ضربة لإيران تكمن في فشل ضرب الهدف المطلوب، وكذلك خطر المسّ بقدرات إسرائيل على الرد، كما أنّ إسرائيل ستتحول إلى خانة المعتدي”، وها هي الضربة قد تمت فهل هناك مسار لتوسعها ومشاركة دول عظمى غفيها أم يتم إخماد النار ، وهذا ما ستكشفه الأيام وإن كنت أتوقع أيامًا تحمل الكثير من الدمار!.وعودة إلى إيران ولماذا لا تستطيع تحويل جوارها إلى حلف عسكري وسياسي لابد من العودة إلى الماضي، فبعد أن كانت إيران ترفع شعار فصل الدين عن الدولة وتطبقه عمليًّا زمن الشاه، استطاعت أمريكا في غمرة صراعها مع الدول الأخرى وعلى رأسها بريطانيا أن تستغل الشاه أسوأ استغلال حتى سقوطه، وجاءت بالثورة الخمينية التي رفعت شعار الإسلام، ومن خلال تلك الثورة ركبت الولايات المتحدة موجة الإسلام المتصاعدة في إيران على نحو خاص، وبلاد الإسلام بشكل عام؛ بغية تحقيق أهدافها ، وعلى ضوء ذلك أصبح للمرجعيات الدينية في إيران اليد الطولي في الحكم، بل أصبحت لهم الكلمة الفصل في الشؤون الداخلية الإيرانية وحتى الخارجية، وقد آتى هذا التوجه في خدمة المصالح الأمريكية في الخليج بشكل خاص، وفي العراق وأفغانستان وبعض الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي بعد انهياره.إلا أنّه بعد تفرُّد الولايات المتحدة بالموقف الدولي منذ مطلع القرن الحالي بشكل خاص، بدأت حربًا مستترة ثم علنيّة على الإسلام؛ ومن ذلك مشروعها للشرق الأوسط الموسع الذي من شأنه إدخال إصلاحات على المنطقة الإسلامية، والعمل على إدماج شعوب المنطقة في مشروعها للتغيير من خلال تبني هذه الشعوب وجهة نظرها، ومن ثَمّ إبعاد أي أثر للإسلام في الحياة حتى لو كان من صنعها، ولتحقيق ذلك سعت أمريكا إلى إحداث تغيير من داخل المؤسسة الدينية، فبعد وفاة الخميني مارسَ رافسنجاني وهو من المؤسسة الدينية الدور الأكبر في إرساء أسس هذا التغيير؛ تمهيدًا للفصل بين المؤسسة الدينية والدولة، وجاء من بعده محمد خاتمي وهو من المؤسسة ذاتها أيضًا، إلّا أنه قاد ما عُرف بالتيار الإصلاحي مقابل التيار المحافظ “المؤسسة الدينية”، واستمر الصراع على أشده بين التيارين، إلّا أنّ الإصلاحيين لم يُحدثوا الأثر المرجو؛ نظرًا لتركز أهم مراكز صنع القرار بيد المحافظين، وتوافر قاعدة شعبية تدعمهم، وهذا يعود إلى طبيعة المسلمين الشيعة وارتباطهم الوثيق بمرجعياتهم، فبدأت الولايات المتحدة باستخدام أسلوب أخر يقضي بإفساح المجال للمحافظين لكي يستخدموا سلطاتهم من أجل وضعهم في مواجهه الشعب الإيراني مباشرة؛ لتستنفذ أغراضها منهم، ثم إسقاط أوراقهم وإبعادهم عن الحكم، بعدما يكون قد حُشِد الشارع لصالح الإصلاحيين، وكانت البداية بفوز المحافظين في الانتخابات التشريعية، ثم فوز نجاد المحسوب عليهم؛ وبذلك عادت السلطة للمحافظين المتحصنين بسلطة المؤسسة الدينية، حيث سيؤدون معها الدور المرسوم الذي سيتولد عنه نتائج وممارسات ستؤدي إلى دفع الشعب في إيران إلى أحضان الإصلاحيين، ولكن الأمور انقلبت على السياسة الأمريكية لاحقًا.فبعد الاحتلال الأمريكي في العراق، وغياب الفاعلية السياسية للعرب السنة، كان للتدخل الإيراني الدور الأهمّ في بروز طبقة شيعية استطاعت الإمساك بالسلطة بمباركة كثير من المراجع الشيعية، وعلى رأسهم السيستاني، وهذه الطبقة التي توافر لها كثير من الثروة والنفوذ لن يردعها عن سلوكها أي نداءات للحفاظ على شعبيتها بين عوام الشيعة، واستمرار هذه الطبقة بهذا السلوك مع تحالفها مع مرجعيات إيران سيُبقي العراق فترة طويلة قد تمتد إلى جيلًا كاملًا غارقا في الفوضى والمجازر الطائفية، وهذا ما يمنعنا من الإنجرار للتحالف الأعمى مع إيران وتحالفاتها المذهبية.إنّ إيران تستثمر في صناعة عسكرية قوية، وتقيم علاقات قائمة على المصالح مع القوى العظمى الناشئة في الصين وباكستان وروسيا، وتعزز نفوذها السياسي والأيديولوجي في دول الجوار والعالم الإسلامي، فماذا يفعل العرب في المقابل غير الاستثمار في المشاريع التجارية، وبناء الأبراج، وخسارة المليارات .لقد استفادت إيران في العامين الأخيرين من حرب المتطرف الصهيوني نتنياهو على غزة بغض النظر عن أي حدث ، ولكن ما طرحه اليمين في دولة الاحتلال لا يمكن القبول به على الإطلاق، فأهدافه لا تقف عند حدود التخلص من حق العودة للفلسطينيين والتخلص من فلسطينيي إل 48، بل تتجاوزه إلى إقحام هذه المنطقة وربما العالم كله في أتون حروب دينية عنصرية ستكون نتائجها مدمرة؛ فالصهيونية أشد قسوةً وبشاعة من العنصرية، والكيان الصهيوني يتفنن في إذلال العرب ومعاملتهم معاملة دونية، ويضعهم دائمًا في مراتب دنيا في درجات سكان الدولة، وباختصار أقول إنّ الصهيونية وُجِدت أصلًا لبناء دولة يهودية عنصرية، والعدوان والاحتلال والإرهاب كلها أمور تضرب بجذورها في أيديولوجية العنصرية الصهيونية، والكيان الصهيوني يحتل الريادة في هذه الأمور في عالم اليوم، والصهاينة ينهبون شعوب العالم ويسيئون لهم من خلال سيطرتهم على مراكز القوة السياسية والإعلامية في العالم، وعلى العرب التوحد في سبيل إبقاء قضاياهم حية، وعدم القبول بأنصاف الحلول تحت أي ظرف، فالمستقبل لمن يعمل له، والمستقبل لنا نحن العرب إذا آمنا بقدراتنا، أمّا المستعمرون والمستوطنون فسيرحلون بلا عودة، فهذه الأرض ليست لهم، ومن هنا فاشتعال الحروب سيستمر في ظل هذه العقلية وما يحدث الان دليل ذلك القطعي.إنّ الأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط، بالإضافة إلى أسباب أخرى ثقافية وسياسية، جعلت التدخلات الدَّوْلية تزداد من أجل السيطرة والنفوذ؛ ما حدّد بشكل كبير تطور الأحداث ومصيرها في المنطقة، غير أنّ درجة هذه التدخلات ومستواها تباينت من فترة زمنية إلى أخرى، ولا أدلّ على ذلك من أنّ الشرق الأوسط الكبير ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراع العربي الصهيوني، حتى عدّه بعض المحللين جزءًا من منظومة الإقليم ما فوق الإقليمي؛ أي الصراع العالمي مفتوح النهايات، وهكذا فقد جذبت هذه المنطقة الحيوية قوًى دَوْلية أخرى على رأسها روسيا والصين وتركيا وإيران، بالإضافة إلى قًوى أوروبية ذات مصالح تقليدية تاريخية، وكذلك سيدة العالم الولايات المتحدة الأمريكية بلا شك؛ وهذا يعني أنّ التنافس الدَّوْلي على الثروة والنفوذ في الشرق الأوسط أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إضفاء مزيد من التعقيد على مجمل الصراعات التي تشهدها المنطقة، ولعل إشكالية الملفين السوري والعراقي ، إلى جانب اليمني والليبي، وتعقيدات الملف اللبناني، والصراع العربي الصهيوني، تُظهِر حقيقة هذه الطبيعة المعقدة لمنظومة صراعات الشرق الأوسط، إلى جانب تاريخ الصراع العربي الصهيوني.وزاد الأمر سوءًا دخول الولايات المتحدة إلى المنطقة بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، مؤملة في تحقيق نفوذ كامل، وفي أن تحلّ محل النفوذ الأوروبي التقليدي القديم؛ لجعل تلك المنطقة منطقة نفوذ وقواعد عسكرية، بسبب بريق النَّفط والذهب والغاز الطبيعي في المنطقة، فضلًا عن أنّ دول الشرق الأوسط تمتلك احتياطيات كبيرة من المعادن التي تُستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية، مثل الكوبالت واليورانيوم، وكانت الاردن الأكثر فهمًا لطبيعة كل هذه الصراعات ولذلك اتسم موقفها بالحكمة والاتزان ولكن الصراع لا يعرف حدودًا ليتوقف عندها وهنا فالحفاظ على جبهتنا الاردنية الداخلية والوقوف خلف القيادة والقوات المسلحة والاجهزة الامنية هو السبيل الوحيد لتجنب الوقوع في آتون الصراع ودفع الثمن لذلك، ونعلم جميعًا حكمة جلالة الملك عبر كل هذه السنوات وحرصه على الوطن أرضًا وشعبًا لتجيبه كل آثار ما يحدث.حفظ الله أردننا الغالي بقيادته الهاشمية، وجعل بلدنا آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني المعظم، أما الصراعات فالمؤشرات تدل على توسعها ما لم ينتبه العالم الى ان اشعال الحريق قد يكون سهلاً ولكن السيطرة عليه صعبه وفي بعض الأحيان قد تكون مستحيله.