بني موسى يكتب: الأردن في قلب العاصفة.. ولكنه لا ينهار: قوة الموقف في زمن التوتر ـ بقلم: الدكتور محمد خالد بني موسى

في لحظةٍ إقليمية يغمرها لهيب التصعيد بين إيران وإسرائيل، ووسط ضجيج الطائرات المسيّرة وصفارات الإنذار، يظهر الأردن كحالة استثنائية، لا تنكفئ أمام العاصفة ولا تنجرف خلفها. تقف المملكة الأردنية الهاشمية، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، على أرض صلبة من الحكمة، مستندة إلى فهم عميق لتضاريس الجغرافيا السياسية، وإدراك واعٍ لمخاطر اللحظة الإقليمية.في زمنٍ يتكلم فيه الرصاص، اختار الأردن أن يتكلم بلغة العقل.بينما تتسارع الأحداث فوق رؤوس الجميع، يبقى الصوت الأردني ثابتًا: لا للتصعيد، لا للحرب، لا للمقامرة بأمن الشعوب. ليست شعارات تُرفع، بل مواقف تُترجم على الأرض. من الخطابات الرفيعة إلى الغرف المغلقة، ينقل الأردن رسائل واضحة: حماية أمنه ليست محل تفاوض، والانجرار إلى حروب الآخرين ليس خيارًا.ورغم أنّ المملكة تقع جغرافيًا في قلب التوترات، إلا أنّها لم تقع سياسيًا أو شعبيًا في فخ التهوّر أو التهويل. بل تعاملت مع المرحلة برباطة جأش، رافضة الاصطفاف خلف الضجيج، ومدركة أن الحروب لا تُخاض فقط في الجبهات، بل تُدار أيضًا بالعقول.أما في الداخل، فالصورة أكثر وضوحًا.شعبٌ يراقب، لا ينجرف، يميز بين دعم القضايا العادلة والانزلاق في أتون الصراعات العبثية. أمنٌ مستقر، أجهزةٌ يقظة، ومجتمعٌ يتعامل مع الموقف بعين الناقد لا بعاطفة الغضب. إنه وعيٌ بُني على مرّ السنين، وقيادة اختارت أن يكون صوتها مختلفًا: لا للمبالغات، لا للمواقف الشعبوية، نعم لحماية الوطن من عبث النيران المجاورة.وبينما تنشغل العواصم بإرسال الصواريخ والردود، ينشغل الأردن بإرسال رسائل التهدئة. يتحرك في الهامش الضيق للدبلوماسية، لكنه يترك فيه أثرًا كبيرًا. فالعالم يعرف أن صوت عمان، وإن بدا هادئًا، إلا أنه يعبر عن رؤية ناضجة، ويملك مفاتيح الثقة لدى الجميع.ما يفعله الأردن اليوم ليس حيادًا، بل انحياز للعقل.وما تمارسه القيادة ليس انكفاء، بل إدارة ذكية لعاصفة تكاد تبتلع المنطقة.في زمن الانفجار، اختار الأردن أن يكون الرئة التي تتنفس بها المنطقة… لا اليد التي تضغط على الزناد.