قام بتسجيل بعض ممتلكاته باسم أولاده لتجنب وراثة زوجته الجديدة، فما هي الإجراءات المطلوبة؟

قام بتسجيل بعض ممتلكاته باسم أولاده لتجنب وراثة زوجته الجديدة، فما هي الإجراءات المطلوبة؟


مدار الساعة – السؤال: نحن عائلة من 6 بنات و2 شباب، والوالد لديه مزرعة، قام بتسجيلها بأسمائنا بشكل عادل، بعد وفاة والدتنا قبل سنتين الوالد تزوج أخرى، والآن يطالبنا أولاده وبناته بإرجاع ما تم تسجيله لنا من المزرعة، لكي يبيعها، ويستفاد من قيمتها، علماً إنه يبلغ 88 سنة من العمر، وبالأصل قام بتسجيلها لنا لكي لا ترث زوجته الجديدة، فهل علينا شيء إذا رفضنا إرجاع حصصنا بالمزرعة؟ الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: أولا:إذا سجل الوالد مزرعة بأسماء أولاده، ثم ولد له مولود من نفس الزوجة أو من غيرها، وجب ان يعدل بينه وبين إخوته، فيعطيه مثل ما أعطاهم، أو يسترد منهم المزرعة ويعيد تقسيمها عليهم جميعا، أو يقيم المزرعة، ويدفع الأولادُ لأخيهم قيمة نصيبه حتى يتساوي معهم.وأصل ذلك: وجوب العدل بين الأولاد في العطية؛ لما روى البخاري (2587)، ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: ” تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ). فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ.والعدل: أن يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين، كما في قسمة المواريث، لأنه لا أعدلَ من قسمة الله تعالى.قال ابن قدامة رحمه الله: ” قال أحمد: أحب ألا يقسم ماله. ويدعه على فرائض الله تعالى؛ لعله أن يولد له، فإن أعطى ولدَه ماله، ثم ولد له ولد، فأعجب إلي أن يرجع فيسوي بينهم. يعني يرجع في الجميع، أو يرجع في بعض ما أعطى كلَّ واحد منهم، ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث؛ ليساوي إخوته …ولا خلاف في أنه يستحب لمن أُعطي أن يساوي أخاه في عطيته، ولذلك أمر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قيس بن سعد برد قسمة أبيه، ليساووا المولود الحادث بعد موت أبيه” انتهى من “المغني” (6/ 320).وسئل علماء اللجنة الدائمة عمن سجل مزرعة باسم أحد أبنائه ثم مات، فأجابوا بقولهم: ” … وإن كان والدك قد مات: فاقسم التركة بينك وبين بقية الورثة، حسب الحكم الشرعي” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” (16/216).ثانيا:بناء على ما تقدم، فعليكم نصح أبيكم أن يعدل بينكم وبين إخوتكم، وأن تعينوه على ذلك، فيلغي التسجيل لكم، لتكون المزرعة تركةً بعد وفاته، أو يعيد تقسيمها ويسجلها بأسماء الأولاد جميعا، فإن مات ولم يفعل ذلك، لزمكم تحقيق العدل.قال ابن قدامة رحمه الله: ” فإن خَص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها: أثم، ووجبت عليه التسوية، بأحد أمرين: إما ردُّ ما فَضَّل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر. قال طاوس: لا يجوز ذلك، ولا رغيف محترق. وبه قال ابن المبارك، وروي معناه عن مجاهد وعروة ” انتهى من “المغني” (5/387).ثالثا:لا يلزم العدل بين الأولاد والزوجة الثانية، لكن إذا وهب الأب لأولاده ليحرم زوجته، كان تصرفه محرما، وعليه التوبة من ذلك، وترك الأمر إلى قسمة الله المشروعة في الأموال والمواريث.رابعا:إذا بقيت المزرعة تحت تصرف والدكم، فالهبة لم تتم؛ لأن شرط الهبة القبض، ولا عبرة بالبيع الصوري؛ إذ حقيقة الأمر أنه هبة.جاء في “الموسوعة الفقهية” (26/ 96): ” يَكُونُ الشُّرُوعُ فِي الْهِبَةِ بِلَفْظِ: وَهَبْتُ، وَأَعْطَيْتُ، وَنَحَلْتُ، وَلاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَبْضِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَلاَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ” انتهى.وعليه؛ فلو مات الأب، فهذه المزرعة تدخل في التركة، وترث منها الزوجة الثانية.وله أن يسترد المزرعة منكم؛ لأن ملكه باق عليها.خامسا:على فرض أنكم قبضتم الهبة، فيجوز للوالد أن يرجع فيما وهبه لأولاده، لما روى أبو داود (3539) والترمذي (2132) والنسائي (3690) وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في “صحيح أبي داود”.فلا يجوز لكم أن ترفضوا إرجاع المزرعة إليه .