بعد 688 عاماً.. جريمة قتل تعود للسطح وتكشف شبكة اغتيالات تحت قيادة امرأة إنجليزية.

مدار الساعة – كشفت دراسة تاريخية حديثة تفاصيل مثيرة عن جريمة قتل وقعت في قلب لندن عام 1337، بعد أن أُعيد فتح ملفها الغامض عقب مرور ما يقرب من سبعة قرون، لتُظهر أن الجريمة لم تكن مجرد حادث فردي، بل جزء من شبكة معقدة من الابتزاز والانتقام، تقودها سيدة أرستقراطية قوية تُدعى إيلا فيتزباين. ووقع الحادث المروّع في شهر أيار من العام 1337، عندما هاجم عدد من الرجال الكاهن جون فورد بالقرب من كاتدرائية “أولد سانت بول” في لندن، ووجّهوا إليه طعنات قاتلة في الرقبة والبطن قبل أن يفرّوا من المكان.ورغم أن الشهود تعرّفوا على القتلة، فإن العدالة لم تأخذ مجراها الكامل، إذ سُجن واحد فقط من الجناة، بينما لم تُقدَّم إيلا فيتزباين، السيدة الثرية التي يُعتقد أنها العقل المدبر للجريمة، إلى المحاكمة قط. وتشير الوثائق المكتشفة حديثاً إلى أن القتيل، الكاهن فورد، كان يوماً ما عشيق إيلا، بل وربما شريكاً لها في أنشطة إجرامية واسعة النطاق، شملت سرقة ونهب دير فرنسي قريب، في فترة كانت تشهد توتراً سياسياً متصاعداً بين إنجلترا وفرنسا. وقد يكون فورد قد خانها لاحقاً وأبلغ السلطات الدينية، وهو ما أدى إلى معاقبتها علناً بأوامر من رئيس أساقفة كانتربري في عام 1332.وتضمنت تلك العقوبات إهانات علنية مؤلمة، مثل المشي حافية على امتداد كاتدرائية سالزبري حاملة شمعة تزن نحو 4 أرطال، والامتناع عن ارتداء الذهب أو الجواهر، والتبرع للفقراء، وذلك لمدة سبع سنوات.غير أن إيلا لم تنفذ العقوبة قط، مما يشير، بحسب الباحثين، إلى أن رغبتها في الانتقام ربما تعاظمت بمرور الوقت، لتأمر بعد سنوات بقتل فورد بدم بارد.التحقيقات الجديدة قادها البروفيسور مانويل آيسنر من جامعة كامبريدج، الذي اكتشف خيوطاً جديدة من خلال مشروع رقمي فريد يدعى “خرائط جرائم القتل في العصور الوسطى”، إذ يوثق هذا المشروع جرائم القتل الغامضة في مدن مثل لندن وأوكسفورد ويورك خلال القرن الرابع عشر، معتمداً على سجلات الكورونر (الطبيب الشرعي) التي كانت تكتب باللاتينية وتحتوي على تفاصيل دقيقة عن الجريمة.ووفقاً لتلك السجلات، فإن إيلا فيتزباين خططت لعملية القتل بعناية، مجندةً شقيقها، وخادمين، وقساً تجمعها به علاقة وطيدة، إذ اقترب الأخير من فورد بحجة الحديث، وفي لحظة غدر، أقدم الشقيق على ذبحه بينما طعنه الخادمان في بطنه.ولم يُعاقب من المتورطين سوى خادم واحد أُودع في سجن نيوغيت عام 1342، بينما بقيت بقية الأطراف بمن فيهم العقل المدبر، إيلا، بمنأى عن العقاب.فيما تمثّلت المفاجأة الأكبر في اكتشاف آيسنر لوثيقة أقدم تعود لعام 1322، تكشف أن إيلا وزوجها فارس المملكة، إلى جانب فورد، تورطوا في اقتحام وسرقة دير فرنسي، حيث نهبوا مئات الحيوانات واحتجزوا رهائن داخل قصر العائلة.هذا الكشف قدّم دليلاً إضافياً على مدى اتساع شبكة الجريمة التي كانت تديرها هذه المرأة الأرستقراطية ورغم أن إنجلترا في القرون الوسطى كانت تُعرف بالعنف، فإن المؤرخين يشيرون إلى أن المجتمع كان حساساً تجاه الجرائم والدماء، إذ تقول المؤرخة هانا سكودا من جامعة أوكسفورد: “هذا النوع من الجرائم يظهر لنا إلى أي مدى كانت النساء قادرات على ممارسة السلطة، حتى من خلال العنف، في عالم لم يكن يمنحهن الكثير من المساحة العلنية”. أما آيسنر، فيرى أن جريمة مقتل فورد ليست فقط دليلاً على تشابك الدين بالسياسة والجريمة في تلك الفترة، بل أيضاً نموذجاً مصغراً عن كيفية استخدام القتل العلني في أماكن مقدسة كاستعراض للنفوذ والسيطرة.