تأمين السرطان: خطوة جريئة ومبتكرة – بقلم: سامح المحاريق

لا تقتصر عملية تأمين أكثر من أربعة ملايين مواطن أردني في مركز الحسين للسرطان على إجراء يمكن اعتباره قفزة في مستوى الخدمات الصحية الحكومية، ولكنها تمثل أيضًا نقلة ثقافية هائلة في علاقة المواطن مع الحكومة بشكل عام، واشتباك ايجابي، ربما غير مسبوق، يعفي قطاعًا واسعًا من المواطنين من رحلة مطولة من دراسات الحالة التي كانت ترتبط بالحصول على الإعفاءات الطبية اللازمة سابقًا، ويسهم في تنظيم الشؤون المالية لصرح وطني كان مهمًا على الدوام النظر بكثير من الجدية إلى تحقيق استدامته في المدى الطويل نظرًا لأهميته في مواجهة مرض من الصعب التعامل معه بالصورة المستقرة والبروتوكولية لأمراض كثيرة أخرى.بدأ المركز يعاني من الضغط المالي خلال السنوات الأخيرة، وكان على الحكومتين السابقتين العمل على تدبيرات لتخفيف ذلك من خلال التحويل إلى وزارة الصحة، إلا أن إمكانيات المركز بقيت تفرض نفسها على الأولويات الحكومية، وكانت استراتيجية التعامل على مبدأ حالة بحالة قائمة، بحيث تبدى أنه لا مخرج معقول أو مبتكر لتجاوزها، ولكن من اليوم يمكن لأكثر من أربعة ملايين مواطن ممن تقل أعمارهم عن 19 سنة، أو تزيد عن الستين، أن يتمكنوا من الدخول مباشرة إلى عملية العلاج، طالما لا يحظون بتغطيات تأمينية أخرى، ومع ذلك يتيح المركز ضمن الترتيبات الجديدة التحاق المؤمنين بالعلاج.التغيير الثقافي يشتمل على شعور المواطنين بوجود مقاربة جديدة لما يتحملونه من أعباء ضريبية، ففئة واسعة من المواطنين لا تشعر بأنها تستفيد من حصتها من الضريبة، ولا تراها عادلة، لأنها تتعامل مع خدمات التعليم والتأمين الصحي التي يوفرها القطاع الخاص، وهي ذات تكلفة عالية على دخولها، ولكن مع وجود غطاء تأميني لمرض مكلف في علاجه، ومع أن فئة من المواطنين ستبقى ضمن هذه المرحلة غير مستفيدة منه بصورة مباشرة، مع أن استمرار المركز واستدامته وتطوره يشكل فائدة جمعية على المدى البعيد، إلا أن المتقاعدين من الآباء والأمهات سيتحصلون على الخدمة وفقًا للبرنامج الحكومي الجديد، وكثير منهم، حتى في الأسر الميسورة نسبيًا لا يحظون بتأمين صحي من القطاع الخاص الذي تأتي الربحية في مقدمة أولوياته.هذه الخطوة الكبيرة قابلة للتعميم في قطاعات أخرى، ويمكن أنها تشكل النواة لتحسين خدمات التأمين الصحي للمواطنين، والمهم إلى حد التقييم الدوري للاتفاقية لغايات العمل على الاستفادة من التجربة وتوظيفها في عملية توسيع مظلة التأمين الصحي الحكومي.تبقى الإشارة إلى توقيت هذه الاتفاقية وما يتصف به من شجاعة، ويوحي بأن للحكومة أولوياتها التي تجعلها في حالة تركيز على برامجها ومشروعاتها ومبادراتها، ففي الوقت الذي بدأت تظهر فيه مخاوف من ارتفاع تكلفة فاتورة الطاقة بعد الحرب بين إيران وإسرائيل، فإن الحكومة لم تلجأ إلى التأجيل أو التمهل أو الترقب، ووجهت المخصصات القائمة للمشروع في رسالة فحواها أن الحياة مستمرة، وأن التحديات كثيرة ولا يجب أن تكون المبرر الجاهز أمام الرغبة في تقديم منجزات حقيقية، خاصة أن الجفوة بين المواطن والحكومة تعمقت في مراحل سابقة أتبعت التأزم الاقتصادي الذي أعقب الأزمة الوبائية في 2019 – 2020، وخطوة التأمين في مركز الحسين للسرطان ذات أهمية كبيرة في استعادة الثقة رؤيةً ودورًا.