الضمور يكتب: الحسين.. من مصدر الإلهام إلى مرحلة التنفيذ: دعم الملك وشغف جيل يتطلع إلى القمم ـ بقلم: د. محمد خير فيصل الضمور

ليست كلّ لحظة تأهُّل رياضية تُسجَّل في الذاكرة الوطنية كلحظة تاريخية، ولكن حين يتجاوز الإنجاز حدود المستطيل الأخضر ليُصبح تعبيرًا عن روح شعب، وتجسيدًا لفلسفة قيادة، فإننا نكون أمام قصة أعمق من مجرّد فوز، وأسمى من مجرّد رقم.تأهُّل المنتخب الوطني الأردني إلى تصفيات كأس العالم 2026 لم يكن صدفة عابرة، بل هو ثمرة رؤية قيادية استثنائية آمنت بالإنسان قبل الإنجاز، وغرست في نفوس اللاعبين والجمهور معًا معاني الانتماء، والاعتزاز، والإرادة. وفي قلب هذه القصة يقف سموّ وليّ العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني المعظم، تجسيدًا حيًّا لمفهوم “القيادة بالقدوة”، ونموذجًا معاصرًا لما تعنيه كلمة “راعي النهضة” في وجدان الأردنيين.القرب من التفاصيل: حين تنبض القيادة بروح الإنسانفي زمنٍ تتسع فيه المسافة بين الحاكم والمحكوم في كثير من دول العالم، يُقدِّم سموّ وليّ العهد نموذجًا نقيضًا؛ قيادة قريبة، نابضة، ومتواضعة، تُلامس تفاصيل الناس، وتنهض بالوطن من رحم الواقع لا من عرش الشعارات. لم يكتفِ سموه برسائل الدعم الرسمية، بل حضر إلى الميدان، إلى التمارين، إلى لحظات التعب الحقيقي. جلس بين اللاعبين لا كراعٍ تقليدي، بل كرفيق في الرحلة، يستمع إليهم، ويشعر بهم، ويمنحهم من قلبه طاقةً صادقة تُشعل الحُلم وتُمنحه المعنى.ليست اللقطة الشهيرة التي ظهر فيها سموه وهو يحتضن أحد اللاعبين بعد الانتصار مجرّد مشهد عاطفي، بل هي نصٌّ بصريٌّ مكتمل الأركان في فنّ القيادة القريبة من الناس؛ قيادة تُلهم لا تُأمِر، وتُشارك لا تُوجِّه فحسب، وتزرع الإيمان قبل أن تحصد النتائج.نهج هاشميّ متّصل: من حجر الأساس إلى جذوة الحُلمهذا الحضور المؤثر لسموّ الأمير الحسين لا يُمكن قراءته خارج السياق التاريخي للدولة الأردنية. فمنذ عهد الملك المؤسّس عبدالله الأول، الذي أرسى قيم الدولة الحديثة القائمة على الكرامة والتعليم والانفتاح، مرورًا بجلالة الملك طلال، الذي عمّق مفاهيم العدالة والمساواة، ثم جلالة الملك الحسين الباني، الذي جعل من الرياضة جسرًا لوحدة الأردنيين، وصولًا إلى جلالة الملك عبدالله الثاني المعزّز، الذي دعم الكفاءات، ورعى المواهب، وأسّس وطور المؤسسات الرياضية—نحن أمام نسق هاشمي متّصل يرى في الإنسان محورًا للتنمية، وفي الرياضة رافعة وطنية لتعزيز الهوية والانتماء.واليوم، يُكمّل سموّ وليّ العهد هذه السلسلة الذهبية، ويضيف إليها بصمته الخاصة: القرب الإنساني، وقيادة التفاصيل، والإلهام العملي. لا شعارات جوفاء، ولا زينة إعلامية، بل يدٌ تمسك بيد اللاعب، وكلمة تُقال في لحظة صمتٍ لتبعث الأمل، ونظرةٌ تؤمن بأن النشامى ليسوا مجرّد لاعبين، بل رسلُ فكرة: “الأردن يستحق أن يكون في المقدمة.”التحفيز كنهج: القائد شريك الحُلم لا راعيه من بعيدالفرق بين القائد الملهم والمسؤول التقليدي، أن الأول لا يكتفي برسم السياسات أو إصدار التصريحات، بل يخوض التجربة مع الناس، ويشعر بها كما يشعرون. وهذا بالضبط ما فعله سموّ الأمير الحسين.لقد تحوّل كلّ ظهور إعلامي لسموه إلى لحظة تحفيز وطني. وفي كل رسالة دوّنها على حساباته الرسمية، اختار كلمات تخاطب الإنسان فينا، لا اللاعب فحسب، ولا المواطن فقط، بل الروح الأردنية التي تتوق للإنجاز. يقول بعد التأهل: “بعد مشوار طويل، صار الحُلم حقيقة.” عبارة قصيرة، لكنها تختصر فلسفة قيادة كاملة: الحُلم لا يُمنَح، بل يُبنى بالتعب، وتُروى طريقه بالعزيمة والوفاء.ولم يغفل سموّه عن دور الجماهير، ولا عن صور والده، جلالة الملك، وهو يتابع المباريات؛ فكلّها إشارات ذكية إلى أن هذا النصر ليس ملك جهة أو فرد، بل ثمرة وطنٍ بأكمله.ما وراء الأرقام: الرؤية تصنع الإنجازبلغ المنتخب الوطني 16 نقطة في التصفيات، وانتزع فوزًا ثمينًا خارج الديار أمام منتخبٍ عريق مثل عُمان، وتألّق ضمن مجموعةٍ وُصِفت بأنها من الأكثر تنافسية. هذه ليست محض أرقام، بل نتائج رؤية متكاملة قوامها الإعداد، والتخطيط، والدعم النفسي، والمعنوي، والمجتمعي، وكلّها عناصر لا تتوافر إلا في ظلّ قيادة تُؤمن بأن الرياضة ليست ترفًا، بل أداة وطنية لبناء المجد.الاستشراف: التأهُّل ليس نهاية، بل بداية لمرحلة أعظملا يرى سموّ وليّ العهد التأهُّل إلى كأس العالم كغاية، بل كبداية. ما يزرعه اليوم من ثقة، وروح، وحُبّ في نفوس النشامى، هو استثمار طويل الأمد في بناء إنسان أردنيّ يؤمن أن بلاده تستحق. فالدعم المتواصل للأندية، وتطوير البنية الرياضية، وتعزيز ثقافة المنافسة الشريفة، ليست خطوات فردية، بل ملامح سياسة وطنية يقودها شاب يؤمن بالأردن، ويتقدّم به بثبات نحو المستقبل.وإذا كان التأهل إنجازًا رياضيًا، فهو كذلك رسالة دبلوماسية حضارية، تُظهِر الأردن كدولة تنهض بإمكاناتها، وتصدّر للعالم صورة وطنٍ يستحق أن يكون في الصفوف الأولى.حين يكون القائد حُلمًا يتحرك، وسندًا لا يغيبوفي هذا اليوم، ونحن نتابع المنتخب الوطني الأردني وهو يطرق أبواب المجد، نشعر أن روحًا جديدة تسري في عروق الوطن؛ روحًا يشعلها الحسين، ويحملها الشباب، وتتوّجها ثقة القائد المفدّى، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، حفظه الله ورعاه، بشعبه الوفي، ووليّ عهده الأمين.فالحسين ليس مجرد وليّ عهد، بل هو السند الصادق للملك، وامتداد رؤيته، وركيزة مشروعه الوطني الكبير. إنه الأمين على الأمانة، والمشارك في المسؤولية، والواقف دومًا في الصفوف الأولى حيث يلتقي حُبّ الشعب بإرادة القيادة.هذه ليست نهاية الحكاية، بل بدايتها؛ فالحسين، بما يملكه من رؤية عميقة، وإرادة لا تلين، لا يقف عند حدود الإنجاز، بل يستشرف المستقبل، ويُعدّ الأجيال القادمة لمراحل أعظم. وما المنتخب الوطني اليوم إلا مَعلَمٌ من معالم مشروع وطني شامخ، يقوده وليّ العهد، بروح القائد، وحكمة السياسي، ونبض الإنسان.وحين نكتب عن الحسين، فإننا لا نكتب عن فرد، بل عن فكرة. عن القيادة حين تنبض بحبّ الشعب، وعن العمل حين يكون من أجل الإنسان، وعن الأردن حين لا يرضى بغير القمم.حفظ الله سموّ وليّ العهد، وأيّده بعونه وتوفيقه، ودام سندًا لجلالة الملك ولشعبه، وملهمًا لأجياله، وبشائرَ مجده القادم.