نصير تكتب: عيد الأضحى… لحظة إشراق في مسارات الحياة – بقلم: د. ناديا محمد نصير

نصير تكتب: عيد الأضحى… لحظة إشراق في مسارات الحياة – بقلم: د. ناديا محمد نصير


في حضرة عيد الأضحى المبارك، تتوقف عقارب الزمن قليلًا لتمنح أرواحنا فسحة من النور، لحظة صفاء تنسل من ضجيج الحياة اليومية، وتلامس أعماق القلوب التي أنهكتها الأيام. يأتي العيد، لا فقط كمناسبة دينية مهيبة نستلهم منها سيرة الطاعة والإيمان، بل كحدث إنساني يعيد ترميم الجسور بيننا وبين ذواتنا، وبيننا وبين من حولنا، في زمن باتت فيه القيم الروحية في أمسّ الحاجة إلى من يوقظها من سباتها. عيد الأضحى، بقدسيته، هو تذكير خالد بقصة الإيمان الخالص، حين وقف سيدنا إبراهيم عليه السلام أمام أعظم ابتلاء، فكان التسليم، وكان الفداء، وكان الخلود في ذاكرة البشرية. تتكرر هذه القصة كل عام لا لتُروى فحسب، بل لتُعاش من جديد؛ فنفهم من خلالها أن في التضحية معنى أعمق من مجرد ذبح الأضحية، هو معنى التخلي عن كل ما يعوق صفاء الروح: من الأحقاد، والغِلّ، والأنانية، والخوف.ولعل أجمل ما في أعيادنا الإسلامية، أنها لا تنفصل عن بعدها الاجتماعي. فالعيد ليس يومًا للفرد وحده، بل هو موعد جماعي للفرح، للصلة، للمواساة، للكرم. فها هي البيوت الأردنية، بكل ما تحمله من دفء ومحبة، تستقبل العيد بزينة القلوب قبل زينة الجدران، وتفتح أبوابها للأقارب والجيران، وتبادر بالسؤال عن المحتاجين، وتحرص على أن يصل الخير إلى كل يد، والفرحة إلى كل وجه.في الأردن، بلد النخوة والأصالة، نشهد في كل عيد لوحة فسيفسائية رائعة من التضامن المجتمعي. فالعائلات الأردنية، رغم التحديات الاقتصادية والمجتمعية، لا تزال تحتفظ بتلك الروح العريقة في الاحتفال: تتهيأ المساجد لاستقبال المصلين فجر العيد، تتعالى التكبيرات فتملأ القلوب رجاء، وتبدأ مراسم الأضحية بكل ما فيها من مشاعر الإيمان، والنية الطيبة، والمشاركة.كأخصائية في العلاج النفسي، أجد في العيد فرصة ذهبية لإعادة التوازن النفسي لكثير من الأفراد، خصوصًا من يعيشون ضغوطًا نفسية أو يعانون من الوحدة أو الفقد. العيد – متى ما استُقبل بمعناه الصحيح – يمكن أن يكون بمثابة استراحة علاجية للروح، وفرصة للتصالح مع النفس، بل وحتى وسيلة دعم نفسي للغير، حين نُحسن السؤال، ونُتقن الإصغاء، ونتعاطف بصدق. وفي هذا السياق، علينا أن ننتبه إلى أن من حولنا ليسوا جميعًا في حالة فرح، فهناك من يحتاج أن يشعر بأن العيد لا ينساه.ولا يخفى علينا ما يمر به عالمنا من أحداث تُثقل القلب، وحروب تنال من براءة الأطفال، ونزاعات تغتال الأحلام. وسط هذا، يظل العيد شمعة مضيئة، تقول لنا إن الخير لا يزال ممكنًا، وإن السلام يبدأ من داخل الإنسان، من قراره بأن يكون نورًا في محيطه، لا عبئًا عليه.وبهذه المناسبة المباركة، أرفع أصدق التهاني وأجمل عبارات المباركة إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، القائد الذي يحمل الأردن في قلبه وعينه، ويمضي به نحو الرفعة والعزة بثبات وإيمان. كما أهنئ سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، رمز الشباب والطموح والمسؤولية، الذي يُجسّد صورة القائد الشاب في وجدان أبناء الوطن. أبارك كذلك للأسرة الهاشمية الماجدة، التي كانت وما زالت عنوانًا للشرعية والرحمة والرعاية.وإلى أبناء شعبنا الأردني العظيم، من شماله إلى جنوبه، ومن باديته إلى مخيماته ومدنه، كل عام وأنتم بألف خير. أنتم القلب النابض لهذا الوطن، وصمّام أمانه، وملح أرضه الطيبة. أسأل الله أن يعيد عليكم العيد بالخير واليمن والبركات، وأن يحفظ أردننا عزيزًا آمِنًا كريمًا بقيادته وشعبه.كل عام وأنتم بخير،كل عام وأرواحكم أكثر اتساعًا،وقلوبكم أكثر سلامًا،وبيوتكم أكثر دفئًا ومحبة.