د. زيد إحسان الخوالدة يكتب: تعزيز الشعور بالوطنية وتقوية الجبهة الداخلية

د. زيد إحسان الخوالدة يكتب: تعزيز الشعور بالوطنية وتقوية الجبهة الداخلية


برزت في الآونة الأخيرة جملة من الأطروحات التي تسعى ـ على اختلاف منطلقاتها ـ إلى إعادة تعريف “النهج الوطني”، وتحديد مدى ضرورته وفاعليته في بناء الدولة الحديثة، لا سيما في سياق عربي مضطرب وتجارب مريرة للدول من حولنا، عانت طيلة عقد مضى من تداعيات ما سُمي بـ”الربيع العربي”، ذلك المصطلح الذي شُحن بأحلام وردية، وسُوق بوسائل إعلام لم تكن بريئة في نواياها، بل مثّلت امتدادًا لمدارس الممانعة والتنوير الانفعالي المقاوم، لكنها في كثير من الأحيان خَدمت أجنداتٍ خارجية، وأفرزت دمارًا ممنهجًا نَزَع عن الدولة العربية استقرارها، وعن الشباب العربي براءته. لقد كان هذا الحراك ـ بكل تناقضاته ـ فرصة لقوى متسلقة لركوب الموجة وتوظيف الشارع في معركة استحواذ على السلطة، لا سيما من خلال استغلال تطلعات الشباب نحو تحسين الواقع المعيشي والخدماتي، مقابل مستقبل بدا ضبابي الملامح. وضمن هذا الإطار، دفعت بعض الدول من حولنا ثمناً باهظًا.إن محاولات امتصاص التجييش من خلال إشراك رموز معارضة في المشهد الرسمي، أو بتسليط الأضواء عليهم إعلاميًا، لعلهم يتحولون من معارضين إلى ملائكة مصلحين… سيؤدي بالنتيجة لإرباك الجبهة الوطنية لأن المتطلب النفسي لهؤلاء ان يبقوا في الواجهة؛ لأنه حين يستعان بالغير يفهمون أن الاستغناء عن الخدمات هو خسارة مكاسب شخصية.إن التصيّد لأخطاء الحكومات – مع ضرورة مراقبتها- ، والذي تضاعف مع تصاعد وسائل التواصل الاجتماعي، قد تجاوز في بعض الأحيان حدود النقد البنّاء إلى حملات تشويه منظمة، غذّتها نزعة شعبوية لا تدرك خطورة المساس بالتماسك الداخلي. من هنا تبرز الحاجة الماسّة إلى إعادة الاعتبار لمفهوم “التيار الوطني” لا بوصفه توجها سياسيا، بل كضرورة وجودية في عصر تتقاطع فيه مصالح الداخل والخارج بشكل معقّد.إن أول من أسّس لمفهوم المواطنة الراشدة كان النبي محمد ﷺ، حين أقام دولة ذات معالم سياسية واضحة، جعلت من المدينة المنوّرة عاصمة مركزية تحتضن الجميع ضمن ميثاق وطني جامع (وثيقة المدينة)، لا يقصي أحدًا، ولكنه في المقابل لا يسمح بولاءات تتجاوز حدود الدولة الناشئة.وعلى هذا النهج، فإن ترسيخ التيار الوطني اليوم يعني ما يلي:1. ترسيخ مبدأ المواطنة الجامعة، التي تنأى عن التجزئة الطائفية والولاءات العابرة للحدود.2. إعادة الاعتبار للعاصمة السياسية لكل دولة، باعتبارها مركز القرار والسيادة، ورفض التفتيت الرمزي للدولة.3. تحقيق التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الوطنية، وتشجيع الشباب على الانخراط الواعي في الشأن العام.4. محاربة المجاملات السياسية، التي غالبًا ما تضعف الدولة وتفتح المجال أمام أصحاب المصالح الضيقة، سواء من داخل السلطة أو من خارجها.5. بناء جبهة داخلية قوية، تقوم على مبدأ “النقد النزيه لا النقض الهدّام”، و”المشاركة لا المزايدة”.إن التيار الوطني ليس خصمًا للمعارضة، ولكنه ضد التخوين؛ وليس ضد الإصلاح، ولكنه ضد الاختراق؛ وليس ضد الطموح السياسي، ولكنه ضد من يحوّله إلى مطيّة لأجندات إقليمية أو دولية.تنمية الحس الوطني هو الضمانة لدوام الدولة، وهو الجسر بين الماضي الأصيل والمستقبل المأمول. وإن كل محاولة لتهميشه أو تشويهه، إنما هي تقويض للذات الجمعية، التي بدونها لا بقاء لدولة، ولا أمان لوطن.ونحن إذ نستحضر هذه القيم الوطنية النبيلة، فإننا نبارك لمقام حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، وللشعب الأردني الوفي، بمناسبة الذكرى المباركة للجلوس الملكي، التي نستعيد فيها معاني العزة والكرامة، ونجدّد العهد بالسير خلف القيادة الهاشمية نحو مستقبل مزدهر، عنوانه الانتماء الراسخ والعمل المنتج والولاء للوطن وقيادته.