نحتفي بإنجازات العظمة والسمو – من تأليف الدكتور خالد الشقران

تحتضن الذاكرة الأردنية في هذه الأيام وتتزامن في وجدان الأردنيين ثلاث محطات تاريخية عظيمة تشكل مجتمعةً نسيجاً وطنياً متماسكاً وضمير الأمة وروافع قوية للهوية والانتماء.. عيد الجلوس الملكي السادس والعشرون لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، ويوم الجيش العربي المصطفوي، وذكرى الثورة العربية الكبرى… هذه الذكريات ليست مجرد أيام في التقويم يحتفى بها، بل هي محطات تأمل عميقة وشواهد حية على مسيرة متصلة الحلقات، من التأسيس والتضحية إلى البناء والتحديث، نجدد فيها العهد مع المبادئ التي قام عليها الأردن الحديث، ونستمد الطاقة للمستقبل.فمن رحم الثورة العربية الكبرى (1916) التي قادها الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه، انبثقت بذور الاستقلال ووحدة الهدف، التي لم تكن مجرد حدث تاريخي أو ثورة على الاستعمار، بل كانت تجسيداً حياً لحلم التحرر العربي من الاستعمار والسعي لوحدة الأمة وكرامتها، وإعلاناً لميلاد مشروع وطني عربي وضع الأردن على خارطة الوجود السياسي الحديث، حاملاً رسالة الحرية والكرامة التي لا تزال تشع من عمان وتوجه سياسة المملكة الثابتة في الدفاع عن قضايا الأمة وصون المقدسات تحت الوصاية الهاشمية.وعلى خطى التأسيس، جاء “الجيش العربي”، درع الوطن وسيفه، الذي أسسه المغفور له جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول وقام بتعريبة الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه، ليكون حصناً منيعاً للسيادة وحماية حدود الوطن ومكتسباته ورمزاً للتضحية والفداء، حيث امتدت تضحيات الجيش العربي الخالدة من معارك البطولة الأولى إلى ساحات الشرف والدفاع عن الثرى والمقدسات، وإلى دوره الحيوي في حفظ الأمن الوطني والتصدي للإرهاب ومساعدة المواطن في السلم والكوارث، فتخلد يومُه في سفْر الوطن ليكون شعلة تنير طريق الأجيال، ومدرسة للولاء والانضباط، وصمام أمان للحاضر والمستقبل، وشهداؤه أبراج شاهقة في سماء الوطن ونجوم تضيء الدرب.وتتويجاً لهذه المسيرة، يمثل عيد الجلوس الملكي المجيد (1999)، استمراراً متجدداً للمسيرة الهاشمية العطرة وعطاء وارتباطاً وثيقاً بإرثها التاريخي.. ستة وعشرون عاماً من العمل الجاد والحكمة، قاد جلالته خلالها الأردن بثبات وسط عواصف المنطقة المتلاطمة، محافظاً على أمنه واستقراره، ولكن الأهم أن هذه السنوات شهدت نقلة نوعية في مسيرة بناء الدولة الحديثة وتطوير مؤسساتها وبنيتها التحتية مع الحفاظ على الثوابت الوطنية والقومية.فبقيادة جلالته، نهضت المشاريع التنموية العملاقة، ووضعت لبنات الدولة العصرية، وشهد الأردن تطوراً في البنى التحتية من شبكات طرق متطورة تربط أرجاء المملكة، إلى تطوير ميناء العقبة ومشاريع الطاقة والمياه الكبرى، مروراً بالمناطق التنموية الاقتصادية مثل منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ومشروع تطوير منطقة العبدلي، وبموازاة كل ما سبق حرص جلالته وبشكل مستمر على لقاء أبناء شعبه في كل مكان، مما جعل القيادة قريبة من هموم الناس وتطلعاتهم، وليظل العرش هو ملاذ الوطن وقلبه النابض.كما تطورت المؤسسات الوطنية بشكل لافت، حيث شمل التحديثُ الفضاء السياسي والاقتصادي والإداري، إضافة إلى القضاء والتعليم والصحة والأجهزة الأمنية، مع التركيز على تعزيز سيادة القانون والحوكمة الرشيدة والتحول الرقمي في تقديم الخدمات للمواطن، وبرز دور الجيش العربي والأجهزة الأمنية ليس فقط في الدفاع عن الوطن، بل أيضاً في دعم التنمية والمشاركة في المشاريع الوطنية الكبرى، وبناء قدرات نوعية في مجالات الدفاع والصناعات الأمنية والتكنولوجيا المتقدمة، تجسيداً لروح العصر مع الحفاظ على الجوهر.وطنياً، تذكّر هذه المناسبات مجتمعة الأردنيين أينما كانوا، بأنهم جزء من سردية واحدة مجيدة، بُنيت على التضحية والإخلاص والولاء للوطن والقيادة، وبأن الاستقرار السياسي الذي ننعم به، والمنجزات التنموية والمؤسسية التي نراها اليوم، هي ثمرة طبيعية لتضحيات الأمس وثبات القيادة، فهي تعمق الوحدة الوطنية، وتجذر الانتماء، وتشحذ الهمم للمشاركة في مسيرة البناء وتجعل كل أردني شريكاً فيها، مستلهماً روح التضحية التي سطرها رجال الثورة، والبسالة التي يتحلى بها جنود الجيش العربي، والحكمة التي تقود سفينة الوطن تحت القيادة الهاشمية.هذه المناسبات الوطنية العزيزة على قلوب الأردنيين إنما تشكل حافزاً قوياً لتعزيز الوحدة الوطنية والروح المعنوية، حيث في الوجدان الجمعي تذوب الفوارق أمام علم الأردن وأمام صورة القيادة الهاشمية التي تمثل الاستقرار والهوية والانتماء العربي الأصيل.بالمختصر، هذه المحطات ليست للذكرى فقط، بل هي دعوة للعمل والوفاء للدم الزكي الذي سُكب، وللعرش الذي قاد ورعى، وتجدد الثقة بمستقبل الوطن الذي يستحق الأفضل.. إنها تحثنا على مواصلة البناء بكل إخلاص، ليكون الأردن، برغم كل التحديات، نموذجاً للدولة الحديثة القوية بجيشها، المتماسكة بشعبها، المتقدمة بمؤسساتها، والمستقرة بقيادتها الهاشمية الحكيمة.. فلنكن جميعاً جنوداً في معركة التنمية والازدهار، حاملين شعلة المجد وذات الروح التي تحلى بها أسلافنا من رجالات الثورة وأبطال الجيش، وصولاً إلى قيادتنا الرشيدة، ليبقى الأردن عصياً شامخاً كما أراده المؤسسون وتعاهد عليه القائد والشعب.