سالي الأسعد: لا بوبو.. عندما تصبح الدمية انعكاسًا لعدوى السلوك الجماعي

سالي الأسعد: لا بوبو.. عندما تصبح الدمية انعكاسًا لعدوى السلوك الجماعي


في الأيام الماضية، اجتاحتنا موجة “لا بوبو” — دمية صغيرة، لكن حضورها على السوشيال ميديا ضخم بشكل لا يمكن تجاهله. صور وفيديوهات تملأ المنصات: أمّهات يشترين، أطفال يحتضنون، ومراهقات يوثّقن لحظة الوصول إلى “لا بوبو” المنتظرة. المشهد يبدو عاديًا، جميلاً حتى، لكن خلف هذا المشهد البريء، يختبئ شيء أكبر: عدوى السلوك الجمعي.نحن لا نتحدث عن مجرد لعبة. بل عن موجة استهلاكية اجتاحت الكبار قبل الصغار، دفعت البعض للوقوف في طوابير، ودَفعت آخرين لتجاوز ميزانياتهم، فقط ليكونوا “ضمن القطيع”.وأنا لست ضد الفرح أو ضد اللعب. على العكس، أؤمن أن الجمال في تفاصيل بسيطة كدمية. لكن حين يصبح الشراء رد فعل لا إرادي لأن “الجميع اشترى”، فنحن أمام حاجة لإعادة التفكير. متى كانت آخر مرة اشترينا شيئًا لأننا نحن أردناه، لا لأن الآخرين امتلكوه؟الظاهرة تمتد أبعد من مجرد لعبة. إنها انعكاس لشعور بات يطاردنا جميعًا: الخوف من فوات الشيء – FOMO. ذلك الإحساس الخفي بأنك تفوّت شيئًا ما، حتى لو كان تافهًا. المراهق لا يريد أن يكون الوحيد في المدرسة بدون “لا بوبو”، الطفلة تقلق ألا تشارك تجربتها على تيك توك، والأم تشعر أنها تخذل طفلها إن لم تُحضر له “اللعبة اللي عند الكل”.وسائل التواصل الاجتماعي تضخّم هذا القلق، تزرعه فينا بلطف، وتغذيه يومًا بعد يوم. فتصبح الدمية رمزًا غير معلن للانتماء، والحرمان منها قد يُشعر البعض بأنهم أقل، أو غير محبوبين، أو خارج المشهد.في علم النفس، نسمي هذا تأثير القطيع (Herd Behavior). وهو ميل الإنسان لاتباع الجماعة حتى دون قناعة. رأيناه من قبل، وسنراه لاحقًا. لكن ما يجب أن ننتبه له هو ما تزرعه هذه الموجات في جيل كامل: أن الفرَح يُشترى، وأن القبول الاجتماعي يُقاس بما نملكه، لا بمن نكون.الأسوأ من ذلك، هو شعور بعض الأمهات بالعجز أو الذنب لأنهن لم يستطعن شراء هذه الدمية. وكأن قيمة الأم تُقاس بعدد الهدايا، لا بحجم الحب.الدمى جميلة، نعم. والفرح حق. لكن لا يجب أن ننسى أننا الكبار مسؤولون عن توجيه البوصلة. لا بأس أن نشارك في صيحات لطيفة، لكن يجب ألا نُساق خلفها بلا وعي.نحتاج اليوم لوعي استهلاكي لا يُطفئ الشغف، بل يُنيره. نعلّم أبناءنا أن قيمتهم ليست في “لا بوبو”، بل في طيبتهم، في أفكارهم، في شخصياتهم.فالدمية ليست عدوًا، بل مرآة. مرآة صادقة تكشف لنا حجم تأثير الجماعة، وقوة الوعي حين نُقرّر أن نكون المختلفين، ونختار بأنفسنا.