تعافٍ حذر للاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط… أين يقف الأردن؟ ـ بقلم: د. رعد محمود التل

تعافٍ حذر للاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط… أين يقف الأردن؟ ـ بقلم: د. رعد محمود التل


يشير تقرير البنك الدولي الأخير “آفاق الاقتصاد العالمي” إلى تعافٍ تدريجي بطيء في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في ظل بيئة عالمية تتسم بالتباطؤ والتقلبات الجيوسياسية وارتفاع مستويات المديونية. ورغم أن أرقام النمو المتوقعة للمنطقة تظهر تحسنًا طفيفًا مقارنة بالعام السابق، إلا أن هذه الأرقام لا تعكس تعافيًا قويًا أو شاملًا. فما تزال اقتصادات المنطقة عرضة لمخاطر داخلية وخارجية، بما في ذلك تطورات أسواق الطاقة، والأوضاع في غزة، واستمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي.يتوقع البنك الدولي أن يبلغ معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2.7% في عام 2025، مقارنة بـ1.9% في عام 2024، على أن يتسارع تدريجيًا إلى 3.7% في 2026 و4.1% في 2027. يعود هذا التحسن إلى ارتفاع إنتاج النفط لدى بعض الدول، وتحسن ظروف الزراعة في دول أخرى، إضافة إلى تراجع معدلات التضخم. لكن التقرير يوضح أن الفجوة في الأداء بين الدول المصدرة والمستوردة للنفط ستبقى قائمة، وأن بعض الاقتصادات، لن تحقق سوى نمو محدود لا يكفي لتحسين مستويات المعيشة.بالنسبة للأردن، يقدّم التقرير أرقامًا مفصلة ضمن هذا الإصدار، ضمن مجموعة الدول المستوردة للنفط. هذه الفئة من الدول تواجه ضغوطًا من ارتفاع أسعار الطاقة، وضعف الطلب الخارجي، وتباطؤ في وتيرة الاستثمار. ورغم الجهود المستمرة في الإصلاح، إلا أن معدلات النمو لا تزال دون المستوى الكفيل بخلق فرص عمل كافية أو بتحقيق تحسن ملموس في مستوى الدخل.التقرير يشير إلى أن استمرار الأزمات في المحيط الإقليمي للأردن، خاصة في فلسطين وسوريا ولبنان، يشكل عامل ضغط مزدوج، أمني واقتصادي. كما أن ضعف التجارة البينية، وتراجع السياحة من بعض الأسواق، واستمرار كلفة استضافة اللاجئين، كلها عوامل تضغط على المالية العامة وتقلص الهوامش المتاحة للإنفاق الرأسمالي. ويدعو التقرير في هذا السياق إلى تعزيز الاستثمار في القطاعات القادرة على خلق قيمة مضافة، مثل الزراعة والصناعات التحويلية والخدمات الرقمية.الدول الخليجية، التي تُعد شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا للأردن، مرشحة لتحقيق نمو نسبته 3.2% في 2025، نتيجة ارتفاع إنتاج النفط وتحسن الأداء في القطاعات غير النفطية، خاصة السياحة والبنية التحتية. وهذا يفتح فرصة أمام الأردن للاستفادة من التحسن المتوقع في هذه الدول، سواء من خلال زيادة تحويلات العاملين أو ارتفاع الطلب على الصادرات الأردنية أو تدفق مزيد من الاستثمارات والمنح. لكن هذا التأثير يظل غير مباشر، ويعتمد على استقرار العلاقات الاقتصادية وعلى قدرة الأردن على جذب التمويل الخارجي.في المقابل، لا تزال الدول مثل لبنان وسوريا واليمن تواجه تحديات عميقة تعيق أي تحسن اقتصادي حقيقي. وهذه الاقتصادات ما تزال تعاني من ضعف في المؤسسات، وتآكل في البنية التحتية، وانكماش في النشاط الاقتصادي، ما يجعل أي انتعاش مرهونًا بتحولات سياسية وأمنية غير مضمونة. الأردن يتأثر بهذه الأوضاع طبعا بحكم الجغرافيا، سواء من حيث تراجع التجارة أو تدفق اللاجئين أو التوترات الأمنية على الحدود.في ضوء هذا المشهد، يشدد البنك الدولي على ضرورة تسريع وتيرة الإصلاحات في الدول المستوردة للنفط، وعلى رأسها الأردن، خاصة فيما يتعلق بتحسين كفاءة الإنفاق العام، وتوجيه الموارد نحو التعليم والصحة والبنية التحتية، وتحفيز النشاط الإنتاجي في القطاعات غير التقليدية. كما يوصي بتحسين بيئة الاستثمار وتسهيل دخول الشركات إلى الأسواق، وتعزيز الاستقرار المالي والنقدي.ورغم أن الأردن أطلق “رؤية التحديث الاقتصادي” ويتابع تنفيذها منذ عام 2022، إلا أن التحدي الرئيسي يبقى في التنفيذ والتنسيق والتمويل. فبدون إصلاحات هيكلية عميقة، تظل معدلات النمو عند مستويات لا تسمح بتقليص البطالة أو تحسين مؤشرات العدالة الاجتماعية. وفي ظل بيئة إقليمية غير مستقرة، تصبح الحاجة ملحة لبناء قدرات اقتصادية محلية أكثر مرونة واستقلالية.تقرير البنك الدولي يقدم صورة واقعية عن آفاق اقتصادات المنطقة، ويؤكد أن الانتقال من مرحلة “النمو البطيء والمزمن” إلى نمو أكثر استدامة وعدالة يتطلب جهدًا كبيرًا في الإصلاح، وإدارة المخاطر، وتحسين الحوكمة. بالنسبة للأردن، فإن السنوات الثلاث المقبلة ستكون حاسمة في إثبات قدرته على تحويل التحديات إلى فرص، والاستفادة من النوافذ المحدودة المتاحة في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.