تصورات التصعيد في المنطقة – بقلم: الدكتور خالد الشقران

تشير استعدادات السفارة الأمريكية في بغداد لعملية إخلاء منظم إلى استشعار مسبق للمخاطر الأمنية المتصاعدة في العراق، خاصة مع تصاعد التهديدات الإيرانية المباشرة، فوزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده هدد مراراً باستهداف القواعد الأمريكية حال فشلت المفاوضات النووية، مما يضع المنطقة على حافة موجة عنف محتملة، في المقابل نفت الخارجية الأمريكية خطط الإخلاء الرسمية، لكن تأكيدها على “أولوية حماية المواطنين” ونداءها للتهدئة يكشف تناقضاً قد يكون تكتيكاً احترازياً لتجنب إثارة الذعر مع الاستعداد للأسوأ، أو محاولة للضغط الدبلوماسي لاحتواء التصعيد.امتداداً لهذه الإجراءات، شمل قرار الإدارة الأمريكية السماح بمغادرة الموظفين غير الأساسيين وعائلاتهم من البحرين والكويت، ما يؤشر إلى تقييم لخطر إقليمي أوسع يتجاوز العراق، هذه الخطوة تكتسب أهمية إضافية في الكويت بعد تسجيل إصابات بين الجنود الأمريكيين في قاعدة أحمد الجابر الجوية، مما يضيف بُعداً اضافياً للقلق الأمني.على الصعيد الجيوسياسي، تعكس التحركات الأمريكية مخاوف عميقة من تداعيات التهديدات الإيرانية على استقرار المنطقة، فإيران -التي تواجه ضغوطاً اقتصادية ودبلوماسية متصاعدة- قد ترى في التصعيد العسكري أداة للتفاوض، خاصة مع اقتراب موعد تجديد المحادثات النووية، وفي المقابل، إن توسع نطاق الإجراءات ليشمل الخليج قد يدفع دوله إلى مواجهة ستكون لها تداعيات كارثية على استقرارها، مما يدفعها لتسريع تعزيز تحالفاتها الأمنية استباقياً والبحث عن ضمانات دولية إضافية.تتراوح السيناريوهات المحتملة بين احتواء التوتر عبر مفاوضات نووية متجددة (احتمال متوسط)، أو ضربات محدودة عبر وكلاء إقليميين (احتمال مرتفع)، أو مواجهة شاملة مفتوحة (احتمال منخفض لكنه مدمر)، ولكن وعلى الرغم من نفي واشنطن الرسمي، تظل استعدادات الإخلاء مؤشراً مقلقاً على توقعات بتصعيد قد يطال العراق والخليج.ختاماً، رغم التصريحات المطمئنة، فإن استمرار الاستعدادات اللوجستية للإخلاء وتوسيع نطاقها يشيران إلى قلق استراتيجي حقيقي في واشنطن، صحيح أن الإدارة الأمريكية توازن بين التأهب العسكري والسعي الدبلوماسي عبر هذه الإجراءات التي قد تعكس فلسفة “الردع المرن”، لكن الخطر الأكبر يكمن في احتمالية فقدان السيطرة على ديناميكيات التصعيد، وفي ظل الوضع الهش واحتمالات انزلاق الامور عبر حدوث أي خطأ محتمل في الحسابات قد تشتعل مواجهة إقليمية واسعة، خاصة مع وجود فصائل مسلحة خارج حسابات القوى الكبرى، بيد أن التداعيات المحتملة قد تطال ليس فقط الأمن الإقليمي، بل أيضاً الاقتصاد العالمي في ظل حساسية أسواق النفط.كل هذه العوامل تجعل من تدخل دولي عاجل -ربما عبر الأمم المتحدة أو مجموعة الاتصال الرباعية- ضرورة ملحة لاحتواء الأزمة قبل انفجارها.