الأردن ودول الجوار — تأليف: سميح المعايطة

إذا تجاوزنا التقسيمات المعروفة لمنطقتنا مثل بلاد الشام والهلال الخصيب، فإن ما مرّ في منطقتنا هذه من أحداث خلال عقود يرسم علاقة خاصة بين الأردن والعراق ولبنان وسوريا، ارتباط لا علاقة له بالعلاقة السياسية الرسمية والعلاقة الاجتماعية والتاريخية بين الشعوب، لكنها علاقات التأثر الكامل بأي تحولات أو تركيبة داخل أي دولة.عندما دخلت العراق مرحلة الحرب مع بداية عام 1991 وما تبعها من حصار، دفعنا جميعًا ثمنًا، فكان نزوح الأشقاء العراقيين على مرحلتين عامي 1991 و2003 بعد الاحتلال الأمريكي، وكان هناك ثمن اقتصادي كبير، ثم كانت الهيمنة الإيرانية على فصائل سياسية وعسكرية وتركيبة النظام السياسي، وهذا ترك أثرًا مباشرًا على أمن المنطقة واستقرارها، خاصة بعد ظهور تنظيمات متطرفة في العراق وسوريا عززت حالة غياب الأمن الإقليمي.وفي سوريا، كان النظام السوري السابق يدّعي المقاومة ومعاداة إسرائيل، لكن الحقيقة أنه كان يستعمل أوراق المقاومة من فصائل وخطاب إلى أوراق له، وظهر هذا بشكل واضح بعد اندلاع الثورة السورية وحالة الاصطفاف من فصائل فلسطينية وإيرانية والحرس الثوري في سوريا، وصنع هذا واقعًا إقليميًا عزز النفوذ الإيراني في المنطقة، وجعل إيران قوية في داخل بعض الدول وعلى حدود دول أخرى.ولبنان، الذي لم يشهد استقرارًا طويل الأمد منذ الحرب الأهلية، تم اختطافه مرة من النظام السوري السابق ومرة من إيران بحجة مقاومة إسرائيل، وفي كل مرة كانت إسرائيل تدخل لبنان، كان يختفي أثر جيش حافظ الأسد، وفي آخر حرب شنتها إسرائيل على لبنان قبل شهور، وعندما عجز حزب الله ومن خلفه إيران عن حماية لبنان كما كانوا يدّعون، اتفقوا مع إسرائيل على ترك جنوب لبنان عسكريًا مع بقاء بعض المناكفات التي تعطي لإسرائيل فرصًا لقصف واغتيالات.لعل المعادلة التي تخدم الدول الأربع أن تكون في كل دولة سلطة واحدة هي الدولة، والقضاء على فكرة دولة الميليشيات، وأن تكون الدولة وطنية عربية وليست مختطفة من أي ميليشيا تقودها دول أخرى، وأن يكون القرار السياسي والعسكري للدولة، وليس شركة مساهمة عامة مع مسلحين وأجهزة مخابرات دول أخرى.الأردن هو النموذج الذي إن استقامت أمور الدول الأخرى حولنا وفق معادلته، يمكن أن نشهد حدًّا أدنى من الاستقرار، فالأردن تحكمه الدولة وتبني معادلاته الداخلية والخارجية، دولة لا تحكمها طائفة مسلحة ولا حزب خيوطه في دول أخرى، ليس خاليًا من المشكلات، لكنها ليست مشكلات في بنية الدولة، بل مسارات اقتصادية وسياسية مفاتيحها بيد الدولة.من يقرأ السياسة الخارجية الأردنية، يجد أن تحقيق استقرار الإقليم القريب وتعزيز فكرة الدولة فيه جزء من أهداف هذه السياسة، التي تعود فوائدها على الجميع وليس على الأردن فقط.