نقاش دستوري حول رفض الحكومة تقديم ومناقشة مشروعات القوانين في مجلس النواب

نقاش دستوري حول رفض الحكومة تقديم ومناقشة مشروعات القوانين في مجلس النواب

عرف مجلس النواب مطلع دورة أبريل 2025 نقاشا محتدما حول مسألة حضور ممثلي الحكومة للدراسة والتصويت على مقترحات القوانين؛ سواء على مستوى اللجان الدائمة أو على مستوى الجلسات العامة.

وهكذا؛ فلئن كانت بعض اللجان الدائمة قد أفلحت في القيام في برمجة اجتماعات خصصتها لتقديم ومناقشة بعض مقترحات القوانين بحضور الوزراء المعنيين؛ فإن ما ميز أغلبها هو الركود والجمود؛ وعدم استطاعتها برمجة أية اجتماعات تخصص ل ‹تصفية› رصيد مقترحات القوانين المودعة لديها منذ مطلع الولاية التشريعية الحادية عشرة؛ وذلك بسبب تشبث مكونات المعارضة بالحق في عدم تقديم مقترحاتها التشريعية ما لم تكن الحكومة حاضرة.

وتجدر الإشارة إلى أن الوضع قد ظل هكذا؛ شاهدا على تجميد برمجة دراسة العشرات من مقترحات القوانين على مستوى اللجان الدائمة؛ حيث لم يتم الشروع في دراسة بعضها؛ إلا حينما يكون الوزير المعني أو ممثل الحكومة قد أكد حضوره للمشاركة في الاجتماعات المتعلقة بتقديمها ومناقشتها؛ وغالبا ما كان هذا الحضور لضرورة مسطرية؛ حيث كانت إحالة الحكومة لمشروع قانون في موضوع ما؛ تصادف أن اللجنة الدائمة المعنية تكون قد توصلت -قبله- بعدة مقترحات قوانين في نفس الموضوع؛ مما يوجب برمجة هذه الأخيرة بالأسبقية؛ التزاما بمسطرة التشريع؛ التي تقتضي أن تعطى الأسبقية في الدراسة للنص التشريعي الذي أودع أولا؛ في حالة إيداع مشاريع ومقترحات قوانين ذات موضوع واحد.

وجدير بالذكر؛ أن مكونات المعارضة ما فتئت تثير؛ من خلال تناول الكلمة في إطار نقط النظام بداية الكثير من الجلسات العامة؛ إشكالية مصادرة المبادرة التشريعية لأعضاء البرلمان؛ من خلال امتناع أعضاء الحكومة عن الحضور للاجتماعات التي تخصصها اللجان الدائمة لتقديم ومناقشة مقترحات القوانين؛ إلى أن حصل التوافق على مستوى ندوة الرؤساء؛ مستهل دورة أبريل 2025؛ على حل وسط؛ يتمثل في إمكانية برمجة دراسة تلك المقترحات في اجتماعات لمختلف ا للجان الدائمة قصد تقديمها ومناقشتها ولو في غياب

ممثلي الحكومة؛ على أساس وجوب حضور الحكومة خلال الجلسات العامة التي تخصص للدراسة والتصويت على تلك المقترحات؛ سيما أن رئاسة المجلس كانت قد أثارت أن حضور أعضاء الحكومة للاجتماعات المخصصة لدراسة مقترحات القوانين يكون على سبيل التخيير؛ استنادا إلى قرار المحكمة الدستورية عدد 21/115.

وفي هذا الإطار عمل رؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها؛ في ظل انخراط إيجابي ملحوظ من مكونات المعارضة خاصة؛ على برمجة اجتماعاتها ل ‹تصفية› رصيد مقترحات القوانين المودعة لديها منذ بداية الولاية التشريعية الحالية.

وجدير بالذكر أن الحكومة قد ظلت وفية لامتناعها عن الحضور لتلك الاجتماعات إلا اضطرارا؛ للأسباب التي تمت الإشارة إليها آنفا، إذ كانت تكتفي -فقط- بإرسال رفضها عبر رسالة مكتوبة إلى المجلس، دون بيان أسباب ذاك الرفض ولا تعليله !!؛ ولقد ترتب عن هذا السلوك قيام فرق الأغلبية بسحب كل مقترحاتها التي تتم برمجتها على مستوى اللجان أو حتى قبل ذلك أحيانا، مقابل تباين مواقف المعارضة بحسب اللجان، وبحسب مواضيع مقترحاتها التشريعية، مع التأكيد على أن المعارضة في العموم تتشبث بمقترحاتها؛ بالرغم من أن دراستها على مستوى اللجان الدائمة تميزت، ليس فقط بإمعان الحكومة في امتناعها عن الحضور والحوار مع أعضاء البرلمان في شأن تلك المقترحات، وإنما اختار أعضاء تلك اللجان المنتمون للأغلبية -خاصة- أن يمتنعوا -بدورهم- عن المناقشة (العامة والتفصيلية) رغم حضورهم جسديا؛ بالرغم من أهمية تلك القضايا التي تعالجها تلك المقترحات وملحاحية إصدارها؛ بشهادة كثير من نواب الأغلبية أنفسهم !!

وجدير بالذكر أيضا؛ أنه في الوقت الذي تجاوزت فيه المعارضة موقفها؛ وفاء بالتزامها بالاتفاق الحاصل على مستوى ندوة الرؤساء المشار إليه أعلاه، وانخرطت في تقديم مقترحاتها التشريعية من دون حضور أي ممثل للحكومة؛ لأنها كانت تنتظر أن يستدرك ذلك على مستوى الجلسات العامة، غير أن الذي جرى في أول جلسة عامة؛ خصصت للدراسة والتصويت على مقترحات القوانين التي استكملت دراستها على مستوى اللجان الدائمة المعنية، كان مخيبا لآمال مكونات المعارضة وكثير من المتتبعين. ذلك أن مجلس النواب عقد جلستين تشريعيتين عامتين متتاليتين؛ مباشرة بعد الجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفهية يوم الاثنين 2 يونيو 2025؛ خصصت أولاهما للدراسة والتصويت على مشروع قانون تولى تقديمه -نيابة عن الحكومة- وإبداء رأيها في التعديلات المقترحة عليه السيد عمر احجيرة كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة المكلف بالتجارة الخارجية؛ تلتها جلسة تشريعية عامة ثانية؛ خصصت للدراسة والتصويت على عدد من مقترحات القوانين؛ كلها سبق أن تقدمت بها المعارضة، وحضرها نيابة عن الحكومة نفس العضو (السيد عمر احجيرة)؛ في غياب تام لأي وزير آخر؛ بمن فيهم السيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان؛ غير أن حضور السيد كاتب الدولة -خلال الجلسة المخصصة للدراسة والتصويت على مقترحات القوانين- أضحى حضورا سلبيا لم يتجاوز الحضور الجسدي؛ إذ لم يتناول الكلمة ولو لمجرد النطق بأن ‹الحكومة ترفض› مقترحات القوانين التي تم تقديمها؛ مما أثار استياء الجميع، وترتب عنه نقاش من خلال نقط نظام متعددة؛ قرر على إثرها رئيس المجلس الذي كان يترأس هذه الجلسة رفعها، وبناء عليه تم تأجيل الدراسة والتصويت على أربعة مقترحات قوانين؛ من تقديم المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، كانت ضمن جدول أعمال الجلسة المشار إليها.

ويمكننا القول إجمالا إن امتناع حضور الحكومة؛ بل امتناعها عن مناقشة مقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاء المجلس؛ وخاصة تلك التي تتمسك بها المعارضة؛ مخالف للدستور وللقانون؛ وإخلال بمتطلبات النقاش الديموقراطي؛ فضلا عما يمثله من عجز سياسي للحكومة؛ ويمكننا تفصيل ذلك كما يلي:

في البدء، لا بد من الإشارة إلى أن امتناع حضور الحكومة للجلسات المخصصة لمناقشة مقترحات القوانين، سلوك قد لازمَ الحكومات تاريخيا (على مدى خمسين سنة من تاريخ العمل البرلماني لم يكن البرلمان يوافق إلا على أقل من مقترحي قانونين في السنة).

ولئن كان هذا السلوك، خلال مرحلة ما قبل دستور 2011؛ يجد تفسيره في الإطار الدستوري والسياسي الذي ميز تلك المرحلة، فإنه لم يعد مستساغا بعد إقرار هذا الأخير. فأما خلال مرحلة ما قبل إقرار دستور 2011؛ فإن أغلب الفاعلين السياسيين ظلوا يعتبرون أن التشريع كاد يكون مجالا محفوظا للملك؛ وذلك بالنظر -من جهة- إلى أن التداول في مشاريع القوانين قبل إحالتها على البرلمان كانت من اختصاص المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك؛ كما أن حق الوزير الأول في التقدم باقتراح القوانين، كان مقيدا بضرورة التداول بشأنه بالمجلس الوزاري، قبل إيداعه بمكتبي مجلسي البرلمان؛ ومن جهة أخرى؛ بالنظر إلى أن الملك كان يبادر إلى إقرار قوانين وإصدارها، بمقتضى ظهائر، بشكل مباشر، ومن دون أن يعرضها لا على المجلس الوزاري ولا على البرلمان قصد الدراسة والتصويت،  استنادا إلى الفصل 19 من الدستور؛  وبالنظر -من جهة ثالثة- إلى أن الوثيقة الدستورية لسنة 1996 وما قبلها كانت تنص على أن البرلمان يختص بالتصويت على القوانين؛ ولا يمارس للسلطة التشريعية كما ينص على ذلك دستور 2011.

وهكذا، وبالرغم من أن كل الدساتير المغربية ظلت تكفل للوزير الأول ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين؛ فإن مختلف الفاعلين (الحكومة/ أحزاب…) ظلوا يؤولون فصول الدستور المتعلقة باختصاص الملك في المجال التشريعي، على أنها تجعل منه مجالا محفوظا للمؤسسة الملكية؛ كما يرتبون على ذلك موقفا مفاده أن الاحترام الواجب للملك، يتطلب عدم المبادرة إلى تقديم مقترحات قوانين من الأصل، كما تقتضي رفضها إذا ما تم تقديمها؛ وهو ما كان من تداعياته تكريس وضع خاص للأمانة العامة للحكومة؛ جعل منها صاحبة الكلمة العليا (الحل والعقد) في كل ماله علاقة بالتشريع داخل الجهاز الحكومي؛ لأن هناك من ظل يعتبرها ممثل الملك أو صوته داخل الحكومة….. وهكذا؛ فإذا كان ظاهر المقتضيات الدستورية المشار إليها يوحي بأن هناك تكافؤا ومساواة بين كل من البرلمان وبين الحكومة في امتلاك المبادرة التشريعية، إلا أن واقع الممارسة العملية يؤكد أن تلك المساواة ليست سوى مساواة ظاهرية، كما يؤكد هذا الواقع تفوق المؤسسة الحكومية على البرلمان في هذا المجال، وذلك لجملة اعتبارات؛ ناتجة -في جانب منها- عن حيازة الحكومة عدة وسائل تجعلها تتدخل في أعمال البرلمان لدرجة توجيهه والتحكم فيه، كما اكتسبت الحكومة -وفقا لكل الدساتير- ونتيجة للتطور التاريخي الذي شهدته، إضافة إلى آثار العقلنة البرلمانية؛ وكذا نتيجة معطيات الظرفية السياسية والانتخابية- “تقنيات عديدة جعلتها تتقاسم السلطة التشريعية مع البرلمان وأحيانا تحد منها”، بل وجعلت منها المشرع الأصلي في مقابل تقليص سلطات البرلمان وتحويله إلى مشرع استثنائي؛ لدرجة أن مقترحات القوانين لم تكن تجد سبيلها إلى الدراسة والتصويت؛ لا على مستوى اللجان الدائمة ولا على مستوى الجلسات العامة؛ مما جعل العديدين يسِمون البرلمان بأنه قد تحول إلى مجرد غرفة تسجيل لمشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة.

في هذه الإطار؛ وحرصا منه على معالجة هذا الوضع المخل بمتطلبات التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ فقد نص دستور 2011 صراحة على وجوب تخصيص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة (الفصل 82). ولعل مقصده كان هو تحصين حق أعضاء البرلمان كافةً، في المبادرة إلى تقديم مقترحات قوانين؛ خاصة إذا كان مصدرها من المعارضة، وبالتالي الحيلولة دون هيمنة الحكومة على التشريع واستفرادها به؛ سعيا إلى توفير مزيد من مقومات التوازن بين الحكومة والبرلمان في ممارسة هذا الحق.

وانسجاما مع هذا التحول الدستوري الهام؛ ومن أجل تمكين الحكومة من مسايرة المبادرة التشريعية لأعضاء البرلمان؛ فقد تم إلزام رئاسة المجلس بإحالة مقترحات القوانين المقدمة من لدن النائبات والنواب إلى الحكومة عشرة أيام قبل إحالتها على اللجان الدائمة المختصة؛ فلا يمكن للجنة الدائمة المعنية برمجة دراستها إلا بعد انصرام هذا الأجل؛ على أن يحيط رئيس المجلس الحكومة علما بتاريخ وساعة المناقشة في اللجنة؛ وفي المقابل؛ وحتى لا تتأخر الحكومة في إبداء رأيها في شأن مختلف مقترحات القوانين التي تتوصل بها أولا بأول؛ فقد تقرر؛ بموجب المادة 23 من القانون التنظيمي 65.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، إلزام الحكومة بتخصيص اجتماع كل شهر على الأقل؛ لمدارسة مقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاء البرلمان من الأغلبية والمعارضة، وتحديد موقف الحكومة بشأنها.

وهكذا؛ فقد كان منتظرا أن يشكل هذا التطور الدستوري والقانوني؛ فرصة لكي تسجل أجندة البرلمان ارتفاعا في عدد مقترحات القوانين التي تتم برمجة دراستها والتصويت عليها (وليس الموافقة عليها بالضرورة)؛ غير أن الممارسة العملية شهدت استمرار هيمنة الحكومة على التشريع؛ وضعف تجاوبها مع المبادرات التشريعية ذات الأصل البرلماني؛ بالرغم من التحسن النسبي منذ الولاية التشريعية التاسعة (2011-2016)؛ مما نعتبره مخالفا لأحكام الدستور وروحه؛ ولمقتضيات القانون، ولمتطلبات الحوار الديموقراطي من عدة أوجه كما يلي:

الوجه الأول: لقد اختار المشرع الدستوري النص صراحة على قيام النظام الدستوري المغربي على الفصل المرن للسلط؛ أي رغم فصل السلط؛ الذي يفيد استقلال كل سلطة عن غيرها في ممارسة اختصاصاتها؛ غير أنه ليس انفصالا لهذه السلط بعضها عن بعض؛ إذ أن العلاقة بينها لا تقف عند مجرد الفصل فيما بينها واستقلالها؛ وإنما تقوم أيضا على تعاونها ثم التوازن فيما بينها.

ولئن كان التعاون بين ا لسلط يأخذ تجليات متعددة (حق الحكومة في التقدم باقتراح القوانين الذي يعتبر اختصاصا حصريا للبرلمان الذي يبقى المصدر الوحيد للتشريع/ الحلول محل البرلمان من أجل التشريع – بمقتضى مراسيم- في مجالات لا يحق التشريع فيها إلا بمقتضى قوانين تصدر عن البرلمان (مراسيم الضرورة ومراسيم الإذن….)، فإن أحد أبرز تجليات هذا التعاون بين السلط يتمثل في حق الوزراء حضور جلسات مجلسي البرلمان واجتماعات لجانهما؛ بل وحقهم في أن يستعينوا بمندوبين يعينونهم لهذا الغرض (الفقرة الأولى من الفصل 67 من الدستور).

وبناء عليه؛ فإننا نعتبر أن امتناع الحكومة عن الحضور للمساهمة في مناقشة مقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، يتعارض بل يخل بمبدأ التعاون بين السلط؛ حتى ولو سلمنا -جدلا- بأن حضور الحكومة لاجتماعات اللجان الدائمة وجلسات مجلسي البرلمان إنما هو على سبيل التخيير.

ذلك أن ما يؤكد الإخلال بمبدأ التعاون هذا -في نظرنا- هو اكتفاء الحكومة بإرسال ورقة نمطية تنص على أن الحكومة ترفض المقترح المعني؛ من دون توضيح ولا تعليل لموقف الحكومة ولا حيثياته … وهي التي تتوصل بمقترحات القوانين مرفقة بمذكرات تقديمية توضح دوافع المبادرة التشريعية، وأهداف النص المقترح وآثاره…؛ بل إن الاكتفاء بإرسال تلك الورقة النمطية برفض المقترحات، مخل حتى بواجب الاحترام الواجب بن السلط. من ناحية أخرى؛ ولئن كان مبدأ التعاون بين السلط يقضي بضرورة حضور البرلمانيين لاجتماعات اللجان وجلسات المجلس المخصصة للدراسة والتصويت على مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة؛ ولئن كان هذا التعاون يتجلى في التزام المعارضة بالحضور الذي يجسد مشاركتها الفعلية للمعارضة في مسطرة التشريع؛ والتي يعتبر الإخلال بها (أي المشاركة الفعلية للمعارضة في مسطرة التشريع) إخلالا بمسطرة التشريع برمتها؛ وذلك بحكم أن الفصل 10 والفصل 60 من الدستور يكفل للمعارضة حق المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع؛ إذ يعتبر الإخلال بها إخلالا دستوريا، فإن مبدأ المعاملة بالمثل يقتضي -على الأقل- التزام الحكومة بالحضور لاجتماعات اللجان وجلسات المجلس المخصصة للدراسة والتصويت على مقترحات القوانين التي تتقدم بها مكونات المعارضة.

الوجه الثاني: لئن كانت المادة 23 من القانون التنظيمي 65.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، تلزم الحكومة بتخصيص اجتماع على الأقل لمدارسة مقترحات القوانين التي يتقدم بها أعضاء البرلمان من الأغلبية والمعارضة، وتحديد موقف الحكومة بشأنها؛ فإن هذا الموقف حين اتخاذه يتخذ صبغة قرار إداري؛ أي أنه من حيث طبيعته فهو قرار إداري؛ يتعين أن يكون معللا طبقا للتشريع الموجب لتعليل القرارات الإدارية.

وبناء عليه، فإن عدم توضيح حيثيات رفض مقترحات القوانين؛ والاكتفاء بإخبار المجلس بجواب نمطي هو عدم القبول؛ يعتبر -من هذه الزاوية- إخلالا بالقانون الذي ينص الدستور على أنه أسمى تعبير عن إرادة الأمة (الفصل 6).

الوجه الثالث: فضلا عما سبق؛ وحيث إنه يترتب عن عدم حضور الحكومة رفض كل تلك المقترحات التشريعية التي يتقدم بها أعضاء البرلمان؛ بما يؤدي إلى تحويل البرلمان إلى مجرد مؤسسة تصوت على مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة؛ بناء على منطق تسليط عصا الطاعة على الأغلبية البرلمانية التي تجد نفسها ملزمة بسحب مقترحاتها، وفي الوقت ذاته التصويت تلقائيا وفق إرادة الحكومة؛ فإن ذلك يُحوِّل البرلمان إلى ملحقة للحكومة؛ ويجعل منها غرفة تسجيل تابعة للحكومة تصلح -فقط- لمنح النص لَبوس habillage  قانون، ولا يحافظ للمؤسسة التشريعية على ذاتيتها المستقلة؛ بما يمنحها الحق -دستوريا- في أن تمارس أدوارها بعيدا عن ضغط الحكومة وإلزامية التبعية الميكانيكية لها؛ باعتبار أن أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة ((الفصل 60 من الدستور)؛ مقابل ارتهان الحكومة في تنصيبها للتصويت الإيجابي لأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب لصالح البرنامج الحكومي؛ وهو ما يخل بمبدأ فصل السلط من أساسه؛ كما يخدش في مبدأ التوازن فيما بينها أيضا.

الوجه الرابع: لئن كان البعض يستند إلى قرار المحكمة الدستورية رقم 21/115 للتدليل على أن نص الفقرة الأولى من الفصل 67 من الدستور على حضور الوزراء لجلسات كلا المجلسين واجتماعات لجانهما جاء بصيغة التخيير وليس الوجوب؛ مما يجعل هذا الحضور حقا مكفولا للحكومة بنص الدستور وليس واجبا؛ كما أنه حق يرجع إلى الحكومة وحدها أمر تقدير استعماله من عدمه؛ فإنهم في الوقت ذاته يدافعون عن هذا الأمر حينما يتعلق الأمر باجتماعات اللجان الدائمة وليس بالنسبة للجلسات العامة؛ إذ بالنسبة لهؤلاء يمكن للحكومة أن تتغيب عن اجتماعات اللجان الدائمة المخصصة لتقديم ومناقشة مقترحات القوانين؛ بحكم أنها مخيرة في الحضور من عدمه؛ بيد أنه لا يمكن -في نظر هؤلاء أنفسهم- أن تنعقد الجلسات التشريعية العامة المخصصة للدراسة والتصويت على نفس المقترحات في غياب أي ممثل عن الحكومة !!

وإننا إذ نستغرب هذا التمييز ونتساءل عن أساسه الدستوري؛ سيما أن حق الحكومة في الحضور في الحالتين معا (اجتماعات اللجان والجلسات العامة) يخضع لأحكام نفس الفقرة الأولى من الفصل 67؛ أي أن ما ينطبق على حضور الوزراء لجلسات مجلسي البرلمان هو ما ينطبق على اجتماعات لجانهما؛ فإذا كان التخيير يسري على حضور الحكومة لاجتماعات اللجان المخصصة لتقديم ومناقشة مقترحات القوانين؛ فإنه ينبغي أن ينطبق -أيضا- على حضورها للجلسات التشريعية العامة المخصصة للدراسة والتصويت على نفس النصوص؛ ولا يمكن الحفاظ على طابع التخيير هناك؛ وادعاء الطابع الإلزامي هنا!!

الوجه الخامس: إننا بالرجوع إلى المادة 24 من القانون التنظيمي رقم 65.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها؛ نجدها تنص على ما يلي: “يشارك أعضاء الحكومة في أشغال مجلس النواب ومجلس المستشارين كلما تعلق الأمر بتقديم ومناقشة مشاريع القوانين ومقترحات القوانين المسجلة في جدول أعمال أحد المجلسين طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 82 من الدستور، كما يشاركون في اجتماعات وجلسات تقديم التعديلات في شأنها والتصويت عليها، وكذا عند تقديم أجوبة الحكومة عن أسئلة النواب والمستشارين، أو بمناسبة حضور اجتماعات اللجان البرلمانية المعنية لدراسة قضايا معينة.

ويجب أن تعبر مشاركة أعضاء الحكومة في هذه الأشغال عن موقف الحكومة، وأن تكون مطابقة للقرارات التي تتخذ من قبلها”.

ويمكننا انطلاقا من ذلك أن نكتفي بالوقوف عند أمرين اثنين؛ يدعمان ما قررناه آنفا في موضوع حضور الحكومة في كافة اشغال البرلمان التي تعنيها:

الأمر الأول: بناء على منطوق الفقرة الأولى من هذه المادة؛ نلاحظ أن الصيغة التي تؤكد على مشاركة أعضاء الحكومة كلما تعلق الأمر بتقديم ومناقشة مشاريع القوانين؛ وقد جاءت في صيغة آمرة، هي نفسها تنطبق على الحالة حيث يتعلق الأمر بتقديم ومناقشة مقترحات القوانين.

وبالتالي؛ فإذا جاز أن نعتبر أن حضور الحكومة هو على سبيل التخيير؛ حينما يتعلق الأمر بتقديم ومناقشة مقترحات القوانين، فإن نفس الحكم ينبغي أن يسري على الحالة حينما يتعلق الأمر بمشاريع القوانين؛ لأن الفقرة الأولى من المادة 24 المشار إليها أعلاه؛ جمعت بين مشاريع القوانين ومقترحات القوانين بواو العطف (معطوف ومعطوف عليه)؛ مما يترتب عنه -لغويا- خضوعهما لنفس الحكم؛ وتبعية المعطوف للمعطوف عليه في ذلك، دون تمييز فيما بينهما.

وهكذا؛ وحيث إنه لا يتصور أن يكون حضور الحكومة على سبيل التخيير؛ حينما يتعلق الأمر بتقديم ومناقشة مشاريع القوانين التي تبادر هي إلى إحالتها إلى البرلمان؛ فإنه -نتيجة لتبعية المعطوف للمعطوف عليه في الحكم- لا يمكن أن نتصور أن يكون حضور الحكومة تخييريا حينما يتعلق الأمر بمقترحات القوانين أيضا.

الأمر الثاني: إن الفقرة الثانية والأخيرة من المادة 24 المشار إليها، تنص على أن “تعبر مشاركة أعضاء الحكومة في هذه الأشغال عن موقف الحكومة، وأن تكون مطابقة للقرارات التي تتخذ من قبلها”؛ مما يدل على أن التعبير عن موقف الحكومة ورأيها في مقترح القانون خاصة؛ حينما تعطى الكلمة لممثلها في نهاية التدخلات طبقا لأحكام النظام الداخلي لمجلس النواب، لا يمكن أن يكتفى فيه بالمراسلة الورقية؛ وإنما ينبغي أن يكون حضوريا؛ مما ينتفي معه القول إن حضور الحكومة للاجتماعات التي تخصصها اللجان الدائمة للدراسة والتصويت على مقترحات القوانين هو على سبيل التخيير.

الوجه الخامس: تنص المادة 26 من القانون التنظيمي 65.13 المتعلق بتنظيم أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها على أن حضور الحكومة يكون إلزاميا خلال جلسات استماع اللجان البرلمانية المعنية في كلا المجلسين للمسؤولين عن الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية[4]؛ وذلك تطبيقا للفصل 102 من الدستور الذي ينص على أنه “يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين، وتحت مسؤوليتهم”.

وهكذا؛ يتبين أنه بالرغم من أن الفصل 102 من الدستور إنما ينص على مجرد إمكانية أن تطلب اللجان المعنية الاستماع إلى المسؤولين المذكورين؛ بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم؛ تماما مثل ما قرره في الفقرة الأولى من الفصل 67؛ بخصوص حضور الوزراء جلسات كلا المجلسين واجتماعات لجانهما، ويمكنهم أن يستعينوا بمندوبين يعينونهم لهذا الغرض؛ حيث استعمل عبارة ‹للوزراء أن يحضروا…› ولم يستعمل عبارة ‹على الوزراء أن يحضروا…›؛ فإن القاضي الدستوري اعتبر المادة 26 من القانون التنظيمي رقم 56.13 غير مخالفة للدستور؛ وهي التي تنص صراحة على إلزامية حضور الحكومة جلسات استماع اللجان البرلمانية المعنية في كلا المجلسين للمسؤولين عن الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية.

وبناء عليه؛ فإننا نلاحظ أن المشرع أسس لمبدأ إلزام الحكومة بالحضور في سياق نص الدستور فيه على مجرد الإمكانية؛ مما يجعل الأمر شاملا لمقام مماثل؛ أي في سياق النص على حق للحكومة على إلزامية حضورها حينما يتعلق الامر بممارسة شأن برلماني؛ هو من حيث طبيعته أمر مشترك بين الحكومة والبرلمان (سن القوانين).

وبالتالي فإذا كان المقتضى الذي ينص على إلزامية حضور الحكومة في الاجتماعات المنصوص على مجرد إمكانية طلبها في الفصل 102 غير مخالف للدستور؛ علما أنه حضور يتعلق باجتماعات يكون خلالها الاستماع مطلوبا للمسؤولين على الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية؛ وليس لأعضاء الحكومة في الأصل؛ فعلى أي أساس يمكننا القول إن حضور الحكومة خلال جلسات كلا المجلسين واجتماعات لجانهما؛ يكون على سبيل التخيير؛ علما أن أعضاء الحكومة في هذه الحالة معنيون مباشرة بالمواضيع المدرجة بجداول أعمال اللجان والجلسات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 67 من الدستور.

وفي نظرنا؛ فإن الأمر يقتضي ملاءمة المادة 24 من القانون التنظيمي 65.13 مع مادته 26؛ من أجل استصحاب إلزامية حضور الحكومة المنصوص عليه في المادة 26؛ كي يغدو صريحا أيضا في المادة 24؛ حينما يتعلق الأمر باجتماعات اللجان والجلسات العامة المخصصة للدراسة والتصويت على مقترحات القوانين، وذلك لأن هذا هو المكان الطبيعي لهذا الموضوع، وأيضا تفاديا لتصدي المحكمة الدستورية التي سبق لها أن قضت بعدم دستورية استئثار البرلمان بوضع قواعد تتعلق بمجال يخص العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ لا ينبغي أن يتضمن النظام الداخلي ما يقيد الغير، دون سند من الدستور أو القانون؛ كما يمكن -عند الاقتضاء- تعديل النظام الداخلي لمجلسي البرلمان بالنص على هذه المقتضيات (إلزامية حضور الحكومة اثناء مدارسة مقترحا القوانين على مستوى اللجان المعنية وعلى مستوى الجلسات العامة) شريطة أن يكون ذلك باتفاق مع الحكومة؛ وأن يوثق ذلك الاتفاق في محضر يرفق بملف النظام الداخلي الذي يحال على المحكمة الدستورية في إطار الرقابة الدستورية القبلية الوجوبية.

 الوجه السادس: إننا بالرجوع إلى مسطرة التشريع على مستوى اللجان الدائمة؛ كما حددها النظام الداخلي وأقرها دستوريتها القاضي الدستوري، نجدها تقضي بأن تتم دراسة النصوص التشريعية المختلفة على مستوى اللجان الدائمة على مراحل أربعة؛ تقديم النص، ومناقشته مناقشة عامة؛ ثم مناقشته مناقشة تفصيلية؛ قبل منح أعضاء المجلس فرصة لإيداع تعديلاتهم؛ قبل برمجة اجتماعات للبت في التعديلات المتوصل بها؛ سواء كان هذا النص مشروعا تقدمت به الحكومة، أو مقترحا تقدم به عضو من البرلمان أو أكثر.

وهنا يمكننا الوقوف عند أمرين يتعلقان بحالة نظر اللجان الدائمة في مقترحات القوانين:

أولهما: إن النظام الداخلي؛ ينص فيما يتعلق بالمناقشة العامة للنصوص التشريعية على مستوى اللجان الدائمة على ما يلي: “لا يجوز الجمع بين التقديم والمناقشة العامة إلا إذا وافقت اللجنة المعنية أو مكتبها على ذلك.

تجري مناقشة عامة إثر التقديم العام للنص يحصر خلالها رئيس اللجنة قائمة المتدخلين، وتعطى الكلمة عند نهاية التدخلات من أجل التعقيب لممثل الحكومة إذا تعلق الأمر بمشروع قانون؛ أو إلى ممثل الحكومة وصاحب المقترح إذا تعلق الأمر بمقترح قانون“، وهي المادة التي أقر القاضي الدستوري بأنها مطابقة للدستور.

وإننا عند تأمل هذه الفقرة نجد أن عبارة ‹تعطى الكلمة عند نهاية التدخلات من أجل التعقيب› قد جاءت بصيغة آمرة؛ أي أنها تفيد الجزم الذي ينصرف إلى الوجوب؛ لغياب أية قرينة تصرفه عن ذلك، مما يقتضي الحضور الفعلي لأحد أعضاء الحكومة؛ ولم تأت بصيغة تفيد التخيير؛ لأن التخيير -إذا كان مكفولا- فإنه -في هذا المقام- ينصرف إلى تناول الكلمة فعليّاً؛ حيث يجب -في نظرنا لممثل الحكومة أن يكون حاضرا حتى نتمكن من إعطائه الكلمة؛ على أن يبقى له هو تقدير أمر التحدث فعليا أو التزام الصمت وعدم التعقيب؛ ولا ينصرف إلى الحضور؛ وبالتالي ينبغي أن ألا يحول غياب ممثل الحكومة دون القيام بخطوة مسطرية؛ تقتضيها مسطرة التشريع؛ وهي المتمثلة في ‹إعطاء الكلمة في نهاية التدخلات›.

فضلا عما سبق؛ فإن المشرع البرلماني حينما يقصد التخيير من خلال النص على بعض الأمور التي تخص الحكومة؛ فإنه يستعمل عبارات وصيغا تفيد التخيير؛ من قبيل يمكن للحكومة، أو للحكومة أو ما شابه. 

ومن ناحية أخرى؛ يحق لنا أن نتساءل هل يمكن تصور دراسة مشروع قانون في غياب الحكومة؟ وبما أن الجواب هو النفي؛ وما دام الأمر يتعلق بالتشريع؛ أي وضع قواعد قانونية؛ تكتسي نفس الحجية ما دامت تخضع لنفس مسطرة التشريع المعمول بها؛ وتتحول إلى قواعد قانونية هي أسمى تعبير عن إرادة الأمة (الفصل 6 من الدستور)؛ مادامت تخضع لتصويت البرلمان، سواء كانت المبادرة إلى اقتراحها حكومية (مشاريع قوانين) او برلمانية (مقترحات قوانين)؟ فلماذا التعامل بكيفيتين مختلفتين: وجوب حضور الحكومة حينما يتعلق الأمر بمشاريعها؛ في حين تكون مخيرة في الحضور من عدمه حينما يتعلق الأمر بمقترحات القوانين؟ وما هو معيار التمييز؟

ثانيهما: إذا جاز لبعضهم أن يقول إن الحكومة ملزمة سياسيا وأخلاقيا بالحضور الفعلي لمختلف أطوار دراسة مشاريع القوانين التي تتقدم بها؛ على خلاف مقترحات القوانين التي يبقى لها حق الاختيار في الحضور من عدمه؛ فماذا عن حضور الحكومة في حالة توصل اللجنة بمقترحات تعديلية على مقترح القانون؟ أليس من الواجب حضور الحكومة لكي تعبر عن رأيها في قبول تلك التعديلات أو رفضها؟

 الوجه السابع: يتعلق بمدلول حضور ممثل الحكومة:

إن حضور ممثل الحكومة يغني عن حضور باقي أعضائها؛ وذلك بالنظر إلى أن المشرع الدستوري قد أخذ بمفهوم المسؤولية التضامنية لأعضاء الحكومة (الفصل 93 من الدستور)، وهذا مما لا جدال فيه؛ غير أن وقائع الجلسة التشريعية العامة ل 2 يونيو 2025 المخصصة للدراسة والتصويت على مقترحات القوانين أفرزت جملة مسائل جديرة بالدراسة؛ نرى أن نناقش اثنتين منهما تتعلقان بمسألة حضور ممثل الحكومة لهذه الجلسة وآثار هذا الحضور دستوريا وسياسيا:

المسألة الأولى: لئن كان الدستور ينص على أن الحكومة تتألف من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة (الفصل 87)؛ فإنه -في الوقت ذاته- يميز بين صنف الوزراء وصنف كتاب الدولة داخل تركيبة الحكومة؛ حيث إن الوزراء أعضاء طبيعيون في الحكومة؛ بينما يبقى انضمام كتاب الدولة إليها مجرد إمكانية قد تتحقق وقد لا تتحقق؛ فلا يعتبر عدم وجود كتاب دولة ضمن تركيبة الحكومة شرطا لصحة تشكيلها؛ وهو ما تؤكده التجربة الحكومية الحالية نفسها؛ حيث لم تكن الحكومة -في صيغتها الأولى- تضم إلا وزراء ووزراء منتدبين؛ ولم تتعضد تركيبتها بكتاب الدولة إلا بعد انقضاء نصف مدتها الانتدابية؛ أي بمناسبة التعديل الحكومي.

وفي هذا الإطار؛ فإن الدستور -تأكيدا لهذا التمييز- يستعمل عبارة ‹أعضاء الحكومة› في فصول معينة؛ في حين يستعمل عبارة ‹الوزراء› في فصول أخرى؛ وهو بذلك يميز بين أحكام تسري على كافة أعضاء الحكومة؛ سواء كانوا وزراء أم كتاب دولة؛ عن أحكام أخرى لا تسري إلا على الوزراء دون كتاب الدولة؛ والأمثلة في هذا الإطار متعددة؛ نجتزئ منها أمثلة ثلاثة:

المثال الأول: يتعلق بتركيبة المجلس الوزاري؛ إذ تنص الفقرة الأولى من الفصل 48 على أن الملك يرأس المجلس الوزاري، الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء؛ وليس أعضاء الحكومة؛ وهو ما يستفاد منه أن كتاب الدولة -بنص الدستور- ليسوا أعضاء في المجلس الوزاري. ومما يؤكد هذا الأمر أنه حينما انعقد المجلس الوزاري يوم الاثنين 14 ذي القعدة 1446 (12 ماي 2025)؛ أي في نفس اليوم المخصص للجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفهية بمجلس النواب؛ فقد انعقدت هذه الجلسة الدستورية بحضور ثلاثة كتاب دولة.

المثال الثاني: إن التوقيع بالعطف على المقررات التنظيمية نيابة عن رئيس الحكومة يتم من قبل الوزراء المكلفين بتنفيذها؛ ولا يمكن أن يتم من قبل كتاب الدولة (الفصل 90 من الدستور).

بل إن هذا الموضوع هو أحد المعايير التي تميز بين الوزراء والوزراء المنتدبين من جهة، وبين كتاب الدولة من أخرى؛ ذلك أنه لئن كان الوزراء المنتدبون لدى رئيس الحكومة أو لدى الوزراء؛ يمكنهم -طبقا لأحكام المادة 10 من القانون التنظيمي 13-65- أن يتلقوا، حسب الحالة، تفويضا في الاختصاص أو في الإمضاء؛ كما أن هذا التفويض في الاختصاص يمتد إلى التوقيع بالعطف على المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة؛ فإن التفويض الذي قد يمنح لكتاب الدولة في الاختصاص أو الإمضاء -خلافا لذلك- لا يمكن أن يمتد إلى التوقيع بالعطف على المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة.

المثال الثالث: بالرغم من أن كافة أعضاء الحكومة يخضعون للسلطة الرئاسية لرئيس الحكومة؛ إذ تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين (الفصل 89)؛ إلا أن هناك تمايزا واضحا -من الناحية الدستورية- بين الأدوار الموكولة إلى الوزراء، وتلك التي تسند إلى كتاب الدولة.

فإذا كان الوزراء -طبقا لأحكام الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 93 من الدستور- مسؤولين عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، كما يقومون بأداء ا لمهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة؛ فإن كتاب الدولة يتولون القيام بمزاولة الاختصاصات التي قد يفوضها لهم الوزراء وليس رئيس الحكومة؛ علما أن الوزراء ليسوا ملزمين -دستوريا- بتفويض أي من اختصاصاتهم إليهم.

دون الاستطراد أكثر؛ فإن محل الشاهد عندنا -من خلال استعراض هذه الأمثلة الثلاثة- يتحدد في التأكيد على ضرورة التمييز بين الوزراء وبين كتاب الدولة في إطار تشكيل الحكومة؛ بل والتأكيد على أن بعض الحقوق أو الأدوار الدستورية المخولة للوزراء؛ ليست مخولة لكتاب الدولة.

وفي هذا الإطار؛ وعلاقة بموضوع حضور الحكومة لأشغال الجلسة التشريعية العامة المخصصة للدراسة والتصويت على عدد من مقترحات القوانين وكلها كانت قد تقدمت بها المعارضة؛ فإن حضور السيد كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة المكلف بالتجارة الخارجية؛ ممثلا عن الحكومة؛ في ظل غياب أي وزير آخر؛ أمر مخالف للدستور؛ وذلك بالنظر إلى أن الفقرة الأولى من الفصل 67 من الدستور تنص على حق الوزراء في الحضور وليس كافة أعضاء الحكومة.

المسألة الثانية: فضلا عن المأخذ الدستوري أعلاه؛ فإن السيد عمر احجيرة كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة المكلف بالتجارة الخارجية؛ إذ حضر للجلسة التشريعية العامة المخصصة للدراسة والتصويت على عدد من مقترحات القوانين؛ فإن حضوره ظل سلبيا؛ حيث إنه لم يطلب الكلمة للتعبير عن موقف الحكومة الرافض لكلا المقترحين اللذين تم تقديمهما؛ كما لم تمنح له الكلمة.

وهنا لا بد من التدقيق في مسألة هامة؛ تتعلق بأن النظام الداخلي لا ينص على منح الكلمة للحكومة خلال المناقشة العامة للنصوص التشريعية خلال الجلسات التشريعية العامة، وهذا صحيح. لكن شهدنا في مناسبات كثيرة -خلال الولاية التشريعية الحالية- وبالنظر إلى أهمية بعض النصوص التشريعية (من دون مشاريع قوانين المالية) أنه قد حصل توافق أثناء عدد من الجلسات العامة على منح ممثل الحكومة فرصة لتقديم توضيحات إضافية لأهميتها، بالرغم من أن النظام الداخلي لا يسمح بذلك. فإذا كان الأمر مباحا في مناسبات معينة تقديرا لأهمية بعض النصوص التشريعية؛ فإننا نعتبر منح الكلمة لممثل الحكومة لبيان موقف هذه الأخيرة من مقترحات قوانين تقدم بها أعضاء البرلمان مطلوب من باب أولى؛ خاصة وأنها مقترحات تقدمت بها المعارضة؛ مما يجعل الدينامية التي شهدتها مختلف اللجان الدائمة؛ والمتمثلة في برمجة اجتماعاتها؛ التي خصصت لتقديم مقترحات قوانين ظلت مجمدة في الرفوف منذ الأسابيع الأولى للولاية التشريعية الحادية عشرة؛ في ظل غياب تام لأعضاء الحكومة في الغالب الأعم؛ وفي ظل انخراط إيجابي عارم من مختلف مكونات المعارضة؛ التزاما بالتوافق المتوصل إليه في إطار ندوة الرؤساء؛ وهو الذي تحول -عمليا- إلى عملية تصفية الرصيد المتراكم من عشرات مقترحات القوانين؛ تفضي إلى التخلص من الإحراج السياسي والإعلامي الذي تشنه في الغالب مكونات المعارضة في مناسبات عديدة؛ كما تفضي إلى تلميع الحصيلة التشريعية لمجلس النواب والرفع منه مؤشراته العددية.

وفي الختام؛ فإننا إذ نعتبر أن امتناع الحكومة عن الحضور لجلسات البرلمان واجتماعات اللجان المخصصة لدراسة مقترحات القوانين؛ خاصة منها تلك التي تقدمت بها مكونات المعارضة، بقدر بما يحمله من اختلالات دستورية وقانونية مما حاولنا استعراضه في ثنايا هذه ا لمقالة؛ فإنه يعكس عجزا سياسيا وتواصليا تعاني منه الحكومة؛ بل وقصورا خطيرا في الثقافة والوعي الديموقراطيين؛ باعتبار أن هذا الامتناع يتجاوز مجرد إدارة صراع سياسي مع المعارضة؛ ليمتد إلى إضعاف المؤسسة التشريعية وتعطيل أدوارها.