السعدي: المغرب يحتضن 7874 جمعية نسائية وأقمنا 54 سوقًا متجولًا

أبرز كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لحسن السعدي، أهمية إدماج هذا النموذج الاقتصادي في الطلب العمومي، وكذا دوره في تحوّل النسيج الإنتاجي:
1ـ كيف يمكن للاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن يشكل ركيزة للتنمية المحلية والشمول بالمغرب؟
يضطلع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بدور جوهري في تعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي وتقليص الفوارق الترابية. إذ تتدخل منظماته، سواء كانت تعاونيات أو جمعيات أو تعاضديات أو مقاولات اجتماعية، في مجموعة واسعة من القطاعات، وتحرص على القرب من الساكنة المستهدفة.
وتكمن قوة هذا القطاع خصوصا في هذا التجذر الترابي، إذ أن غالبية المشاريع المنبثقة عنه تُصممها الساكنة المحلية بنفسها، حتى تستجيب لحاجيات جد واقعية (إنتاج سلع، توفير خدمات أو تثمين الموارد البشرية والطبيعية المتوفرة في منطقة معينة).
ومن جهة أخرى، تدمج هذه المبادرات في الغالب بُعدًا لتعزيز القدرات من خلال المساهمة في تطوير الكفاءات المحلية. كما تؤدي دورًا رئيسيا في تمكين النساء، لاسيما في المناطق التي لا يزال فيها الولوج إلى سوق الشغل صعبا.
وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المغرب يضم اليوم 7.874 تعاونية نسائية بها 72.910 منخرطة.
2ـ أطلق قطاعكم آليات عديدة تروم دعم التعاونيات والمقاولات الاجتماعية. هل يمكنكم توضيح هذه الآليات والأهداف المتوخاة منها على مستوى التأثير الاقتصادي والاجتماعي؟
من أجل مواكبة الزخم المتنامي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتعزيز أثره الاقتصادي والاجتماعي، بادرنا بإطلاق مجموعة من آليات الدعم في إطار الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل التي نعتمدها لتنمية هذا القطاع.
ويتعلق الأمر قبل كل شيء بإحداث نقلة نوعية عن طريق توفير دعم أوسع لمنظمات هذا القطاع في مجالات الهيكلة والاحترافية وإدماجها في الديناميات الترابية.
ومن بين أبرز هذه الآليات، أذكر في بادئ الأمر برنامج “مؤازرة” الذي يساهم في تمويل مشاريع تنموية تشرف عليها جمعيات، وشبكات جمعوية وتعاونيات. إلى حدود اليوم، تم انتقاء 577 مشروعًا، 47 في المائة منها بالمجال القروي، مع حضور قوي للمقاربة النوعية حيث تشمل حوالي 58 في المائة من هذه المشاريع نساء.
كما أطلقنا برنامج “تحفيز نسوة” المخصص بالتحديد لتمكين النساء من خلال ريادة الأعمال في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. ويرمي هذا البرنامج إلى مواكبة حاملات المشاريع التي تم تحديدها في جهات مستهدفة، من خلال تعزيز قدراتهن التنظيمية والتقنية والتسييرية، وكذا تثمين منتجاتهن وخدماتهن.
ويتعلق الأمر أيضا بالعمل على تسهيل إدماجهن في منظومة اجتماعية واقتصادية مهنية مناسبة لنموهن.
وعلى مستوى التسويق، نظمنا عدة تظاهرات كبرى، من بينها 8 معارض وطنية ضمت 3.231 منظمة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، و32 معرضًا جهويًا بمشاركة 4.978 هيئة، إلى جانب 54 سوقًا متنقلًا عرف مشاركة 3.568 منظمة.
ولا تساهم هذه المنصات في تنشيط زخم البيع فحسب، بل تعزز إشعاع المنتجات ومهارات الفاعلين المحليين.
بالإضافة إلى ذلك، أبرمنا عدة اتفاقيات شراكة على الصعيد الدولي، من بينها شراكة مع الوكالة الفرنسية للتنمية بغرض إعادة هيكلة الإطار القانوني للقطاع وإحداث أقطاب ترابية.
كما نتعاون مع الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية خاصة حول مشاريع تمكين النساء والشباب عبر ريادة الأعمال في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
أما على المستوى الوطني، فإن شراكاتنا مع المجالس الجهوية تهم تنظيم المعارض، وإحداث دُور للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتنمية الأقطاب الترابية فضلا عن تعزيز قدرات المنظمات.
وبفضل هذه المبادرات، سُجل 18.288 مستفيدا من تكوينات متخصصة حول مواضيع ذات الصلة بهذا القطاع، موازاة مع التظاهرات التي ذكرتها للتو.
3ـ يُعتبر إدماج الاقتصاد الاجتماعي في الطلبية العمومية بشكل أكبر أحد الرهانات الحالية. ما هي الإجراءات العملية التي تم اتخاذها لتيسير ولوج منظمات القطاع إلى الصفقات العمومية؟
يشكل إدماج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في الصفقات العمومية رافعة استراتيجية لتعزيز تجذره الاقتصادي. وقد بادر المغرب بالفعل إلى إرساء عدة إصلاحات ملموسة في هذا الإطار قصد تيسير ولوج التعاونيات إلى الصفقات العمومية.
وعلى المستوى التشريعي، ينص الفصل 9 من القانون 112.12 المتعلق بالتعاونيات على أن التسجيل بالسجل المحلي يؤهل التعاونيات للمشاركة في طلبات العروض العمومية، ويعتبر هذا الاعتراف القانوني خطوة أولية مهمة.
غير أن التطور الأهم تمثل في إدراج مفهوم “الأفضلية الوطنية” ضمن المرسوم 2.19.69 المتعلق بالصفقات العمومية، إذ شمل هذا الأخير صراحة التعاونيات إلى قائمة المستفيدين من هذه الأفضلية إلى جانب المقاولات الصغرى والمتوسطة.
وبشكل عملي، تم اعتماد آليات مختلفة، منها تخصيص حصة من الصفقات العمومية السنوية للتعاونيات، وفي حال تساوي عرضين، تُمنح الأفضلية لعرض التعاونيات، وإلزام أصحاب المشاريع بنشر لائحة الطلبات المسندة لهذه الهيئات عند نهاية كل سنة مالية.
كما يمكن تقسيم الصفقات إلى حصص بغرض تسهيل ولوج الهيئات صغيرة الحجم، على غرار التعاونيات.
وهناك إجراء آخر مهم يتمثل في إلزام المتعهد الأجنبي، عند فوزه بصفقة، بإسناد جزء من تنفيذ المشروع إلى تعاونية أو مقاول ذاتي محلي، إذا تطلب الأمر اللجوء إلى التعاقد من الباطن.
وأخيرًا، تم توجيه حصة 30 في المائة من المبلغ السنوي المتوقع للصفقات العمومية لفائدة المقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة، بما فيها طبعا التعاونيات.
وتفتح هذه الإصلاحات المجال أمام مشاركة عادلة لمنظمات الاقتصاد الاجتماعي في الطلب العمومي، وتعزز مكانتها باعتبارها فاعلا رئيسيا في التنمية الاقتصادية الوطنية.
4ـ كيف تصفون دور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تحوّل النسيج الإنتاجي المغربي على المدى المتوسط؟
يمكن للاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن يضطلع بدور محوري في تحوّل النسيج الإنتاجي الوطني، خاصة في ظل توجه المغرب نحو نموذج اقتصادي أكثر إدماجًا وتوازنًا من حيث التوزيع الترابي والاستدامة.
ومن بين أكبر مميزات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني قدرته على الاستثمار في قطاعات غالبًا ما يتجاهلها الاقتصاد الكلاسيكي ـ الذي يرتكز في الغالب على المقاولات الكبرى. وبذلك، يصبح من شأنه الإسهام في مواجهة تحديات رئيسية، من ضمنها تحقيق الأمن الغذائي، مع الحرص على تقليص حجم الاقتصاد غير المهيكل.
وأكثر من ذلك، يساهم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في خلق منظومات اقتصادية جد صغيرة متجذّرة في مجالاتها الترابية، تثمن المهارات المحلية، وتخلق فرصًا في سياقات كانت تتسم بنُدرتها، مع تحريك زخم المناطق القروية وشبه الحضرية. وعلى المدى المتوسط، يشكل الاقتصاد الاجتماعي رافعة استراتيجية لبناء اقتصاد أكثر مرونة، يخدم التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي.
5ـ نحن على بعد أيام من الدورة الخامسة للمناظرات الوطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، المقرر تنظيمها يومي 17 و18 يونيو. ما هي الأهداف المتوخاة من هذا الموعد؟ وكيف تساهم مثل هذه الفعاليات في النهوض بالقطاع؟
يعرف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تغيرا مستمرا، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. ويقوم زخمه على الممارسات الميدانية المعتمَدة في مختلف الدول، وعلى التفكير والابتكار والنظريات التي يطوّرها الخبراء والباحثون والمتخصصون.
وفي هذا السياق، يندرج تنظيم المناظرات الوطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في إطار رغبتنا في ربط الاقتصاد الاجتماعي المغربي بأحدث التوجهات الدولية والتجارب المثلى.
وتتوخى هذه الدورة الخامسة تحقيق الكثير من الأهداف المهمة، أبرزها عرض المحاور الاستراتيجية الوطنية الكبرى لتطوير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والمشاريع المهيكلة التي أطلقتها كتابة الدولة، بشراكة مع الفاعلين المؤسساتيين والخواص في القطاع. والغاية من ذلك هي تعزيز التقائية التدخلات وتكاملها.
كما تشكل هذه المناظرات مناسبة لتعزيز إشعاع القطاع، وتحسيس المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين بأهمية الاقتصاد الاجتماعي الجوهرية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
ونسعى أيضًا لأن نجعل منها منصة لتقاسم التجارب والممارسات الفضلى، وذلك عبر تسليط الضوء على مشاريع ملهمة تشجّع حاملي المبادرات على الانطلاق في تجربة ريادة الأعمال الجماعية.
وأخيرًا، من شأن هذا الموعد تحفيز أوجه التعاون بين الفاعلين، من خلال تعزيز الشراكات، والتعاون والتشبيك. كما سيساهم في بلورة توصيات عملية تدعم القطاع من خلال سياسات عمومية تحترم خصوصياته وطموحاته.