بنية التقارير المقدمة إلى لجنة الاختفاء القسري: تحليلات متقاطعة بين المد والجزر

يثير هذا المقال أثر الحركات الحقوقية المعدة للتقارير الموازية على تقرير المملكة المغربية سواء من خلال تقديم التقرير الأولي أو أثناء فحص التقرير، ومن هنا يطرح تساؤل حول كيفية قراءة هذه التقارير؟ يمكن عرض بنية وهندسة ومضمون التقارير الموازية للمجتمع المدني الموجهة للجنة المعنية بالاختفاء القسري. وهي تتضمن ستة (6) ملاحظات وهي على النحو التالي:
ملاحظة الأولى: يلاحظ من خلالها أن هندسة التقارير الموازية الموجهة للجنة المعنية بالاختفاء القسري، أن هناك تقارير يغلب عليها الطابع الإداري ملتزمة بالحيثيات الأدبية في الاعداد من حيث الأسباب والوقائع والاستنتاجات وتقارير حقوقية منها من يغلب عليها الطابع النضالي ومنها تقارير ذات طابع سياسي ومنها من رسمت مسافة التفاعل ومنها من تعتمد على بناء التقرير بشكل منهجي وتقني. وبذلك يختلف الإطار المنهجي في اعداد التقرير ومن حيث الأسلوب واللغة المستعملة.
الملاحظة الثانية: تتجلى من حيث الشكل على أنه تم تقديم تقارير موازية للمجتمع المدني للجنة المعنية بالاختفاء القسري حول التقرير الأولي بشأن: الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري المقدم من لدن المملكة المغربية من خلال 12 منظمة حقوقية، وبلغ عدد المساهمين في إطار الفحص 14 فاعلا مدنيا قدموا تقاريرهم في غشت 2024 خلال دورة 27 أكثر من المرحلة الأولى. وتختلف هذه التقارير من منظمة إلى أخرى، هناك من قدم تقرير يضم 126 صفحة وهناك من قدم تقرير يضم بضع صفحات.
الملاحظة الثالثة: تتجلى في مضمون هذه التقارير تلتقي في أنها مقدمة إلى اللجنة المعنية بالاختفاء القسري في اطار إعداد تقرير موازي للتقرير الحكومي الخاص بالاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، هذه التقارير تكاد تلتقي في نفس المضمون الذي يتعلق بالاختفاء القسري، وبنيته تختلف من تقرير إلى آخر، حيث هناك من أعد التقرير بشكل مباشر في تحديد الإشكاليات الكبرى للاختفاء القسري وما شاب مسار العدالة الانتقالية من عدم الاستكمال طرق المعالجة وتنفيذ توصيات الهيأة وهناك من يحدد في تقريره أهمية تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب والمسار القانوني والمؤسساتي وانخراط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان.
الملاحظة الرابعة: تتجلى في لغة وأسلوب التقرير، حيث أن معظم هذه التقارير مكتوبة باللغة العربية والانجليزية والفرنسية والاسبانية، ولكنها تختلف من منظمة إلى أخرى من حيث الأيديولوجية التي تحكم معد التقرير داخل الدولة، وذلك يحكم بنية التقرير من حيث أسلوب الاعداد، إلى جانب هذا نجد بعض التقارير تقنية تقدم أرقام وتناقش حالات وتحدد أسماء وتدعم مسارها بتواريخ محددة، أي أنها تقدم براهين وحجج لدعم موقفها وتفاعلها الفعلي.
الملاحظة الخامسة: تتجلى في المصطلحات التي تم توظيفها داخل هذه التقارير… تكاد تتشابه مصطلحات التي تنبني على عدم الرضا أو الدعوة إلى مواصلة الإصلاح أو غيرها من المصطلحات، على سبيل المثال: (غياب تام..)، (يلاحظ…) (تسجل…)، (كان من الأجدر..)، (لم يشر التقرير…)، (لم يستكمل…)، (لم يأتي التقرير بجديد…)، وهناك من وظف لغة عادية وبسيطة في تقديم التقرير ك (نسجل بأن…)، (تفعيل بعض الحقوق التي تحتاج…)، (تسريع الإصلاحات الجارية…)، (تعزيز ودعم…)، (نسجل إيجابية…) ،(عدم شمولية الإصلاحات…).
وهناك من وظف لغة تصعيدية ك (التأخير الكبير غير قابل للتبرير…)، (مواصلة الدولة رفضها الاعتراف…)، (عدم تصديق…)، (مخالفة المغرب..)، (لابد من التذكير..)، (لازال القضاء..)، (أما بالنسبة لملف…)، (لم يتم إجلاء الحقيقة…)، (عدم تمكين…)،( غياب الشفافية والوضوح…)، ( عدم معرفة أماكن…)…(مجانب للصواب..)، (لم ترق ..)، (دون اللجوء إلى الخبرة الجينية…)، (لم تلتزم بالاتفاقية…)، (إهانة للضحايا…)، (من الصعب جدا تصديق الأرقام الواردة….)،( عدم فاعلية التغطية الصحية…)، (لم يقر التقرير…).
الملاحظة السادسة: تتجلى في أن جلب توصيات التي قدمت في التقارير الموازية تكاد تذهب في نفس السياق وبأسلوب موحدة تارة وبأسلوب أكثر عقلانية التي تتماشى مع الواقع ومع تحديات العدالة الانتقالية بالمغرب ومع مضمون الاتفاقية المعنية بالاختفاء القسري.
استكمال الانخراط في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من للاختفاء القسريالإصلاحات القانونية والمؤسساتية؛ (اللجوء، الهجرة، الطب الشرعي، القانون الجنائي، والمسطرة الجنائية…إنشاء آلية وطنية للحقيقة لمواصلة الكشف عن الحقيقةالاستمرار في التعرف على الأشخاص المفقودين من خلال تحديد مصير وهوية الرفات التي تم العثور عليها.الاستمرار في تحديد وتحليل المقابر الجماعية والفردية.إنشاء قاعدة بيانات وراثية لأسر الضحاياحفظ الذاكرة….
في الخلاص، إن التقارير الموازية للمجتمع المدني الموجهة للجنة المعنية بالاختفاء القسري سواء خلال تقديم التقرير الأولي أو أثناء الفحص خلال دورة 27 تشكل بنية توثيقية معرفية مواكبة لعمل المغرب في مجال تنزيل أو تنفيذ الاتفاقية المعنية بحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، غير أن بعض من هذه التقارير بالرغم من أهميتها لاتزال في حاجة تجويدها وتدقيقها من حيث المعطيات والبيانات سواء من خلال المنجز وفي التحديات في مجال الاختفاء القسري في إطار عمليات تنفيذ أو إنجاز العدالة الانتقالية.
كما أن هذه التقارير يجب أن يتم توسيعها للنقاش والمشاركة في الاعداد والتفاعل مع مختلف الأفراد ذات صلة بعمليات الاختفاء القسري عوض الاقتصار في بعض الأحيان إلى بنية التقارير الرسمية أو مقالات صحافية واعلانات وبيانات حقوقية أو التقارير الفاعلين الآخرين مما نصبح أمام “تقارير نماذج”، دون التفاعل الفعلي لحالات من الميدان أو الحالات العالقة في ملف العدالة الانتقالية…. ايمانا أن جل التقارير الموازية تتطلع عليها اللجنة المعنية بحالات بالاختفاء القسري وتختلف “بروفايلاتها” وتوجهاتها السياسية والأيديولوجية وتخصصها العلمي الذي سيؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على مخرجات اللجنة من خلال ملاحظاتها الختامية. كما يمكن لمُعد التقارير الموازية أن تعد مشاورات واسعة بين مختلف مكونات المجتمع المدني والضحايا وذوي الحقوق في شأن الاختفاء القسري وكل ما له علاقة بمضمون الاتفاقية المعنية بحماية الأشخاص من الاختفاء القسري قصد بناء النهج وتجزيء هذه الأخيرة بعمليات تنفيذها على مستوى الواقع ومدى التزام المغرب بمضمونها، وأن تكون التقارير الموازية مبنية على تقسيمات افتراضية بين المجتمع المدني ليكون أكثر دقة بعيدة عن تكرار مضامين هذه التقارير من تقرير إلى أخر.
متخصص في شؤون العدالة الانتقالية-