نتائج البكالوريا: متى يُعترف بتميز الطلاب في الأقسام الأدبية؟

صار المتعلم في المقاربات الحديثة ــ ضمنها المقاربة بالكفايات ــ محور الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التعلُّمية، إذ بات يُنظر إلى العلاقة بين عملية التعليم وعملية التعلم بأنها علاقة تفاعلية بين معلم ومتعلم في محيط معين، أجبرت المعلم على ترك مسافة للتلميذ من أجل التعلم الذاتي والتعبير عن الرأي والتعايش مع خبرات التعلم، ونقلت دور المعلم من التلقين الذي يجعل التلميذ متفرجا على التعلم، إلى التنشيط والتوجيه والتحفيز. ويُقصد بالتنشيط إنعاش عقل المتعلم وقدراته ومواهبه.
ويُجْمِعُ القائمون على سير العملية التعليمية على أهمية التقويم في النظام التربوي، وعلى دوره الكبير في تحسين إنجاز المتعلمين، وفي الحكم على مدى وصول العملية التعليمية إلى أهدافها وتحقيقها لغاياتها الكبرى الموجِّهة لنظام التربية والتكوين. فالتقويم في مجموع النظريات الحديثة لا يدفع فقط نحو تطوير أداء المتعلمين، بل يدفع نحو تطوير المناهج التربوية والبرامج الدراسية وطرق التدريس، بحيث يُصيب ريحُها الطيب كافة المتدخلين في الحياة المدرسية، ويُجَوِّدُ كافة الموارد والعناصر الأخرى ذات الصلة بالعملية التعلِيمية التعلُّمية، فيتحسن بسبب التقويم أداء المعلم وتتقوى علاقته بالتلميذ، ويتحسن دور الإدارة وتتقوى علاقتها بالمعلم، وتتحسن ظروف التدريس والتمويل والشرَاكات التربوية، فتتقوى علاقة المؤسسة التربوية بمحيطها.
وهكذا فإن الحكم الموضوعي والدقيق على جودة مُخرجات العملية التعلِيمية التعلُّمية برمتها يقع على عاتق التقويم التربوي، الذي يُعد المُقَوِّم الأساسي لكل أنظمة التعليم. وعطفا عليه، فإن عدم فاعلية نظام التقويم تؤدي بالضرورة إلى عدم فاعلية جميع أنظمة التعليم، من مناهج دراسية ومقررات وأهداف وغايات…
وإذا كان التقويم هو عملية منظمة ووسيلة لقياس معلومات التلاميذ وقدراتهم العقلية كالقدرة على الملاحظة والفهم والتذكر والاستدلال… بطريقة كمية أو كيفية، وإصدار حكم بشأنها (التقييم) في انتظار اتخاذ قرار بشأنها؛ فإن الأسئلة الشفوية والكتابية التي يطرحها المدرس على المتعلمين تُعَدُّ أهم أدوات التقويم المدرسي بكافة مستوياته الرئيسية في بناء الكفايات وتحققها، سواء أكان التقويم تشخيصيا (قبليا)، أم مرحليا (تكوينيا)، أم إجماليا (نهائيا)، وهذا الأخير هو موضوع مقالنا.
ويطرح التقويم النهائي لتعلمات التلاميذ بالمدرسة المغربية في السنوات الإشهادية على الخصوص عدة إشكالات تربوية واجتماعية على مستوى وظيفته الجزائية، خاصة بعد اعتماد الدولة المغربية المقاربة بالكفايات في أواخر القرن الماضي (1999). ففي الوقت الذي ينشغل فيه الجميع ــ تلاميذَ وأولياءَ أمورٍ وعمومَ الناس ــ عند ظهور نتائج الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا، بمعرفة أسماء المتفوقين على الصعيد الوطني والمقارنة بين معدلاتهم، ومعرفة المديريات الجهوية والإقليمية والمدارس التي ينتمون إليها، فإنهم يغفلون عن عدد من الملاحظات ذات الطابع الإشكالي التي تفرزها هذه النتائج في الواقع التربوي، ولا بد من رصدها وإثارة الأسئلة حولها إذا كنا فعلا نروم تجويد التعلمات، ونطمح إلى ضمان تقويم شامل (لمعارف المتعلمين) بإمكانه السير نحو التطور المرغوب فيه، ويتم اختباره باستمرار. ويمكن ترتيبها على النحو الآتي:
الإشكال الأول: محاباة أساليب التقويم لتلاميذ الشُّعب العلمية
بعيدا عن أية مبالغة، ومنذ انتقال الدولة المغربية من التدريس بالأهداف إلى التدريس بالكفايات (1999)، تسجل وزارة التربية الوطنية في كل موسم دراسي أعلى معدل على الصعيدين الوطني والجهوي (يتجاوز عتبة 20/19,5) بامتحانات البكالوريا في دورتها العادية بإحدى الشُّعب العلمية: مسلك العلوم الفيزيائية على الخصوص، ثم مسلك العلوم الرياضية؛ وأحيانا نادرة في شعبة من الشُّعب التقنية: مسلك العلوم الاقتصادية نموذجا. وعلى النقيض من ذلك، لم يسبق أن أعلنت الوزارة ولو مرة واحدة في بلاغ من بلاغاتها حول نتائج الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا عن أعلى معدل وطني بشعبة من الشُّعب الأدبية. ما يُشعر طلبتها بِجَوْرِ نظام التقويم عليهم، ويُوَلِّدُ عندهم إحساسا بالدُّونِية أمام نظرائهم من طلبة الشُّعب العلمية، ويصبح وصف التلميذ ب “أدبي” مَعَرَّةً يخجل منه الأدبيون، ووصمة عار ينعت بها الطلبة العلميون أحد زملائهم في الشعبة كلما فشل في فهم درس من الدروس، أو في معالجة مسألة من المسائل العلمية بقولهم له: “الأخ أدبي لا يفهم”.
وبسبب هذا الجَوْرِ عليهم في التقويم تنشأ عندهم قناعات واستنتاجات خاطئة حول الشُّعب الأدبية، وحول اختياراتهم الدراسية وإمكاناتهم وقدراتهم العقلية، وينتهون إلى أنهم عاجزون عن مجاراة الطلبة العلميين في ذكائهم واجتهادهم، ويقتنعون أن الشُّعب الأدبية هي خيار من لا حظ له في الذكاء، وخيار من لا مكان له بين الطلبة العلميين النجباء. والواقع أن ذكاء الطلبة الأدبيين لا يقل عن نظرائهم من العلميين لو كانت هناك بالفعل عدالة في التقويم التربوي للاختبارات التحصيلية، ولو كانت هناك معايير دقيقة ترصد تلك الاختلافات البسيطة في الإجابات بين التلاميذ.
وحتى لو سلَّمنا، مع سابق الأسف والحسرة، بأن الأستاذ المصحح أيضا يتحمل جزءاً من المسؤولية عند تقويمه لإجابات التلاميذ في المواد الأدبية، وهي اللغة العربية واللغات الأجنبية والتربية الإسلامية والاجتماعيات والفلسفة، بحيث نجد أن أعلى درجة يمنحها المصححون لتلميذ الشُّعب الأدبية هي 20/18 مهما كانت إجابته وافية شافية؛ فإن المفروض أن هؤلاء المصححين يُقَوِّمون الإجابات بناء على أُطُر مرجعية خاصة بالامتحانات الإشهادية، وكفيلة بتحديد القدرات والمجالات المتوخى قياسها بدقة عالية، اعتمادا على إجراءات عملية ومعايير ثابتة يُفترض أن تُفرز نتائج منسجمة وغير متباينة؛ وبناء على دليل تصحيح يستطيع أن يميز الفروق الصغيرة في الأجوبة بين المتعلمين وفق سلم تنقيط دقيق وموثوق به، يتراوح بين صفر و20 نقطة. ما يدفعنا إلى التساؤل: هل نحن أمام تقويم حائف للمواد الأدبية، ومُحابٍ للمواد العلمية؟
الحقيقة أننا نشهد على مظهر من مظاهر هذا الحيف كل عام.
الإشكال الثاني: منح أساليب التقويم امتيازا كبيرا لمسلك العلوم الفيزيائية
المتتبع لنتائج البكالوريا منذ بداية الألفية الثالثة أيضا، لا يجد أدنى صعوبة في ملاحظة تَسَيُّدِ شعبة العلوم الفيزيائية لمشهد المعدلات المرتفعة في امتحانات البكالوريا في دورتها العادية. فمن بين العشرة الأوائل على الصعيد الوطني والجهوي، نجد أن مسلك العلوم الفيزيائية يحصد كل سنة تقريبا 10/05 فما فوق مقارنة مع باقي الشُّعب العلمية (مسلك العلوم الرياضية ومسلك علوم الحياة والأرض…) والشُّعب التقنية الأخرى (مسلك العلوم الاقتصادية، ومسلك علوم التدبير المحاسباتي، ومسلك العلوم والتكنولوجيات الكهربائية…)، بل إن بعض المسالك كمسلك علوم الحياة والأرض، ظل مُغَيَّبًا عن منصة التتويج لأكثر من عقدين من الزمن. ما يدعو للتساؤل والاستغراب في هذا الباب هو أن تلاميذ الشُّعب العلمية يتفرعون عن جذع مشترك علمي واحد!
فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن امتحانات مسلك العلوم الرياضية صعبة للغاية، ولا يختار هذه الشُّعبة إلا نخبة النخبة من المتفوقين، لما تتطلبه من نبوغ علمي لدى التلميذ، وقدرات لا حدود لها كالقدرة الفائقة على الملاحظة والقياس والتجريب والاستنتاج، فضلا عن الاستعداد للتحصيل الدراسي طيلة الموسم الدراسي، والقابلية للاشتغال لساعات طويلة على حل التمارين والمسائل بشكل يومي ومتكرر؛ فإن مسلك علوم الحياة والأرض من أيسر المسالك العلمية مقارنة مع مسلك العلوم الرياضية. والمنطق يفرض أن تتصدر هذه الشُّعبة النتائج الوطنية والجهوية أكثر من مسلك العلوم الفيزيائية التي تهيمن على المعدلات المرتفعة سنويا، وأكثر من مسلك العلوم الرياضية الذي لا يختلف اثنان حول صعوبة تجاوز عتبة 20/19 فيه في الامتحانات النهائية.
أتصور أن تقويم التعلمات له نصيب من المسؤولية في هذا الاختلال، خاصة إذا علمنا أن اختبارات المواد العلمية تكون إجرائية أكثر من اختبارات المواد الأدبية، وقياس الأهداف التعليمية فيها يكون أكثر دقة وموضوعية، ولا يطرح أية مشاكل على مستوى الثبات في النتائج. فكيف نفسر هيمنة شعبة العلوم الفيزيائية على باقي الشُّعب العلمية والتقنية؟ حتى أن التلاميذ المتفوقين باتوا يختارونها لهذه الغاية، ويراهنون عليها أكثر من باقي الشُّعب في حصد المراتب الأولى. ولن أَتَجَنَّى على أساتذة الفيزياء والرياضيات إذا زعمتُ أنهم يتمنون تدريس أقسام مسلك العلوم الفيزيائية دون أقسام مسلك علوم الحياة والأرض، وبقية الشُّعب التقنية الأخرى للسبب ذاته. أليس تلاميذ هذه الشُّعب نتاجا للمدرسة المغربية وتعلماتها، ويستحقون التتويج بالرتب الأولى أيضا مثل نظرائهم في مسلك العلوم الفيزيائية؟ أسئلة تحتاج إلى إجابة من ذوي الاختصاص.
الإشكال الثالث: استعصاء الأهداف الصُّنافية على القياس في المواد الأدبية
علاقة بالإشكال الأول، ومحاولةً منا لإلقاء الضوء على بعض الأسباب التي تحول دون تحقق عدالة تقويمية بين المواد العلمية والمواد الأدبية، أعتقد أن نظام التقويم المعتمد عندنا لقياس التحصيل الدراسي في المواد الأدبية، مهما ادعى القائمون على إعداده أنه يساير الأهداف المتوخاة من التعلمات، فإن طبيعة الأهداف الصُّنافية التي سطرها “بلوم” (حين قسَّم مستويات الأداء الإدراكي إلى ستة وهي: المعرفة؛ الفهم؛ التطبيق؛ التحليل؛ التركيب؛ التقييم) مازالت عَصِيَّةً ــ إلى حد التمنع ــ على القياس في مجمل الاختبارات التحصيلية. وجزءٌ من تلك الأهداف وإن توافق مع أدوات التقويم، فإنه لا يتوافق مع معايير الإنجاز التي يُشترط توفرها في الوضعيات التقويمية، بحيث لا يستطيع المصحح قياسها من خلال مؤشرات واضحة، كتلك التي نقيس بها مدى تحقق الأهداف التعليمية في المواد العلمية. مما يعني أن أهم خاصية في تقويم المواد الأدبية قد ٱنْتَفَتْ، ألا وهي “الصدق”.
فالتقويم التربوي يكون “صادقا” متى ما حصل التوافق بين وسيلة القياس وبين ما نريد قياسه من أهداف تعليمية اعتمادا على معايير دقيقة، تؤكدها مؤشراتٌ عند الإنجاز. وهذا يرشدنا إلى وجود مشكلتين في عملية التقويم التربوي: الأولى لها علاقة بلجنة وضع الامتحان، والتي ربما بَنَتْ أسئلة الاختبار التحصيلي على أسس لا تتلاءم مع طبيعة الأهداف التعليمية، وربما وضعتها بكيفية لا تستجيب لمؤشرات الإنجاز. والثانية لها علاقة بخبراء التقويم ومصمميه، وتتمثل في عدم تطويرهم لنظام تقويم مَرِن ومناسب للأهداف الصُّنافية الخاصة بالمواد الأدبية، بشكل يجعل إجراء عملية القياس الفعلي للتعلمات في وضعية تقويمية ممكنا، ويعطي الأحكام الناتجة عن عملية التقويم مصداقية وموضوعية.
وأحسب أن أكثر الأهداف التعليمية التي لا تناسبها معايير الإنجاز المطلوبة في المواد الأدبية هي “التحليل والتركيب والتقييم”. ذلك أن الاختلاف بين الأساتذة المصححين غالبا ما يأخذ هامشا كبيرا عند تقويم الأسئلة المقالية/المفتوحة التي تصلح لقياس التعبير عن الرأي في القضايا المطروحة والتعبير عن المواقف، إضافة إلى قياس عناصر الربط والدمج والتحليل والتركيب. نتحدث هنا عن مكون التعبير والإنشاء في مادة اللغة العربية، والموضوع المقالي في مادة الاجتماعيات، ومناقشة قولة في مادة الفلسفة ونحوها.
إن عدم اتفاق المصححين على تقدير الدرجة نفسها أو تقدير درجات تتباين فقط في جزء من النقطة، يدل بما لا يدع مجالا للشك أن خاصية “الثبات” قد ٱنْتَفَتْ بدورها عند تقويم “التحليل والتركيب والتقييم” بوصفها أهم الأهداف الصُّنافية التي تميز الاختبارات التحصيلية في المواد الأدبية. وخير مثال على صدق هذا الاستنتاج أن المفتشة التربوية اجتمعت بنا نحن أساتذة اللغة العربية في يوليوز 2024 قبل شروعنا في عملية التصحيح لأوراق الامتحان، ووزعت على بضعة أساتذة ــ دون انتقاء ــ عشر نسخ من إنشاء واحد يعود لأحد التلاميذ الممتحنين، ثم طلبت منهم تصحيح الموضوع الإنشائي نفسه على ضوء عناصر الإجابة التي بين أيديهم، فجاءت العلامات التي قدَّرها المصححون متباينة جدا وتدعو إلى الدهشة والحيرة في آن واحد.
أنْ تأتي تقويمات الأساتذة لموضوع إنشائي واحد متباينةً بنصف نقطة إلى نقطة على الأكثر تبقى مقبولة من الناحية التربوية في العلوم الإنسانية، بحكم أن طبيعة الأسئلة المفتوحة (ومنها الإنشاء) تتيح للمصحح هامشا من التدخل في تقدير الجواب الصحيح، لكن أن يصل التباين إلى أربع نقط من أصل ستة، فلا ريب أنه تمييز لا سند له في عناصر الإنجاز ولا في شروطه، ويجب على القائمين على نظام التقويم تصويبه.
أمام هذا التمييز، لا مناص عن تدقيق المعايير ومؤشرات الإنجاز، بحيث يستطيع المصحح إعطاء أجزاء من النقطة على كل تقدم للمتعلم في جزء من أجزاء السؤال، ولا مناص من توضيح ذلك في عناصر الإجابة حتى تتقارب درجات تقييم الأجوبة بين المصححين من جهة، وتتساوى الفرص بين جميع التلاميذ بمختلف شُعبهم ومسالكهم من جهة أخرى.
ويعود هذا القصور ــ من وجهة نظري ــ في تقويم الأهداف التعليمية الخاصة بالمواد الأدبية، إلى تأثر عملية التصحيح تارة بالخلفية الفكرية المسبقة التي قد يحملها المصحح (يساري، ليبيرالي؛ إخواني…) حول الموضوعات والقضايا المطروحة للاختبار، وتارة أخرى تتأثر ببعض الأحكام الذاتية التي يُنشئها المصحح حول إجابات التلاميذ لحظة التصحيح.
وهذا عيب آخر في التقويم ينضاف إلى سَابِقَيْهِ. ذلك أن عدم استقلالية النتائج عن الأحكام الذاتية للمصحح يجعل خاصية “الموضوعية” تنتفي هي الأخرى من التقويم، ويضع الأستاذ في قفص الاتهام بتعمده إفشال أية نظرية ناجعة للتقويم بناء على قاعدة: “نبل النظرية وقبح الممارسة/التطبيق”.
افتقار التقويم إلى ثلاث صفات من صفاته الأساسية، وهي: الصدق (ملاءمة وسيلة القياس لما نريد قياسه من أهداف)، والثبات (منح المصححين درجة واحدة/متقاربة للإجابة نفسها)، والموضوعية (تجرد المصححين من الأهواء الذاتية)، يُسائل أصحاب نظريات التقويم الحديثة عن مصداقية الأحكام التي يصدرونها حول مُخرجات العملية التعلِيمية التعلُّمية، وما يصاحبها (الأحكام) من قرارات لإصلاح الاختلالات ومعالجة التعثرات؛ ويدعوهم إلى مراجعة مقارباتهم التربوية لقياس التحصيل الدراسي في جميع المسالك.
خاتمة:
إن الهيمنة المطلقة للشُّعب العلمية على أعلى المعدلات وطنيا وجهويا، وتربُّع شُعبة العلوم الفيزيائية على عرش التتويج بالذهب في كل سنة تقريبا، تضع مصداقية التقويم النهائي لتعلمات التلاميذ بالمدرسة المغربية على المِحك، وتُضعف ثقة المتعلمين المتضررين في طريقة التقويم، كما تُضعف ثقة المُدرسين في وظائفه وأدواره، وأسوأ منهما أنها تُضعف العلاقة بين المدرس والمتعلم، لأن هذا الأخير سَيَتَّهِمُ المصححَ بالشح في التقويم، ويُحَمِّله جزءًا من المسؤولية في تهزيل النقطة، ولن يُتعب نفسه في البحث عن أسباب أخرى قد تعود إلى طريقة التقويم المعتمدة مثلا من قبل وزارة التربية والتعليم بالمغرب.
فإذا كنا فعلا نقيس التحصيل الدراسي عند المتعلمين بمختلف المسالك، فلماذا لا تُنصف أساليبُ التقويم الطلبةَ الأدبيين والتقنيين مثلما أنصفت الطلبة العلميين لِرَدْحٍ طويل من الزمن؟ أين تكافؤ الفرص بين التلاميذ على مستوى نظام التقويم؟ وأيهما أولى والحالة هذه: تقويم التقويم أم تقويم التحصيل؟
أسئلة وأخرى كثيرة لا يمكن الإجابة عنها إلا من خلال تطوير جميع أنظمة التعليم لتجاوز القصور في بعض مُدخلات التعليم، ومواجهة انخفاض مستوى مُخرجاته. وأولى الأولويات مراجعة نظام التقويم التربوي في ظل المقاربة بالكفايات، بشكل يضمن مبدأ “التتويج للجميع” بدل “النجاح للجميع والتتويج للعلميين”.