سباق الدرجات وزيادة التوقعات الاجتماعية يجعل من البكالوريا “شهادة للطبقات الاجتماعية”

ككل عام، يتجدد موسم الاحتفاء بأوائل البكالوريا في المغرب، وتتجدد معه التساؤلات القديمة الجديدة حول ارتفاع معدلات النجاح الاستثنائية، التي باتت تتجاوز عتبة 18 و19 على 20 في العديد من الحالات.
فبينما يُنظر إلى هذه المعدلات كدليل على تحسن الأداء الدراسي، يثير هذا التميز “الرقمي” نقاشًا عميقًا حول مصداقية التقييم التربوي وحدود الإنصاف داخل منظومة التعليم.
ففي السنوات الأخيرة، أصبحت النقط المرتفعة ظاهرة بارزة في مشهد التعليم المغربي، لكنها في نظر العديد من الباحثين، لا تعكس دومًا واقع الكفاءة أو عمق الفهم.
الباحثة في علم الاجتماع التربوي، زينب العروسي، ترى أن هذه الأرقام “تعكس تحولات في منطق الامتحان ذاته، وضغطًا متزايدًا من التوقعات الاجتماعية، أكثر مما تعكس تطورًا حقيقيًا في المستوى المعرفي للتلاميذ”.
وتعتبر العروسي في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن البكالوريا ما تزال في المخيال الجماعي المغربي تمثل جسرًا رئيسيًا للارتقاء الاجتماعي، خاصة في ظل ما توليه الأسر، وخصوصًا من الطبقة الوسطى، من أهمية بالغة للشهادات المدرسية.
ولفتت إلى أن هذا ما يفسر حجم الاستثمار الأسري في تعليم الأبناء، سواء من خلال المدارس الخاصة، أو دروس الدعم المؤدى عنها، أو حتى التتبع المكثف لمسارهم الدراسي. لكن هذا “الاستثمار” يتحول، في كثير من الأحيان، إلى ضغط اجتماعي يجعل التفوق هدفًا في حد ذاته، وليس نتيجة لمسار تربوي سليم.
وسجلت المتحدثة أنه رغم أن النقط المرتفعة تُوحي بمبدأ الجدارة والاستحقاق، إلا أن الواقع يكشف عن تفاوتات صارخة في الولوج إلى فرص التعلم.
وأضافت “فبينما يستفيد بعض التلاميذ من بيئة داعمة، ومؤطرين، ومدارس خاصة بنُظم تقييم مرنة، تفتقر مؤسسات أخرى، لا سيما في العالم القروي والمناطق الهشة، لأبسط شروط التحصيل العلمي. هذا الخلل يكرس اللامساواة الاجتماعية في حقل التعليم، ويحوّل المعدلات العليا إلى امتياز طبقي أكثر منه مؤشرا على الكفاءة الذاتية”.
وفي السياق ذاته، تؤكد العروسي أن “النقطة” في الثقافة التعليمية المغربية اكتسبت رمزية مبالغًا فيها، تكاد تُختزل فيها قيمة التلميذ، وتُبنى عليها أحكام المجتمع حول ذكائه ومكانته ومستقبله.
وقالت إن هذا التركيز المفرط أفرز سلوكيات تربوية غير صحية، أبرزها تهميش التلاميذ ذوي المعدلات المتوسطة، وربط النجاح الاجتماعي بنتائج آنية، بدلًا من التركيز على بناء شخصية متوازنة ومهارات مستدامة.
ولعل أبرز تجليات هذا الخلل، وبحسب الباحثة في علم الاجتماع التربوي، تظهر في اختلال التوجيه الجامعي، حيث يتحول التنافس على النقطة إلى “سباق أرقام” يؤدي إلى اكتظاظ بعض الشعب (كالطب والهندسة)، في حين يُقصى طلبة أكفاء بفعل فوارق ضئيلة في المعدل.
كما أن هذا “التضخم العددي” لا ينعكس دائمًا في الأداء الجامعي، إذ يواجه العديد من المتفوقين صدمة معرفية وبيداغوجية عند الانتقال إلى التعليم العالي، تشير زينب العروسي في حديثها للجريدة.
أمام هذا الواقع، أكدت الباحثة، تبرز الحاجة إلى مراجعة عميقة لمنظومة التقويم التربوي، تُوازن بين التقييم الكمي والنوعي، وتعتمد مقاربات أكثر عدالة في قياس الكفاءة، بما يضمن تكافؤ الفرص بين التلاميذ، ويُعيد للمدرسة المغربية دورها الحقيقي كمصعد اجتماعي، لا كفضاء لإعادة إنتاج الفوارق.