أكاديمية المملكة تدعو إلى إدارة مستدامة للمحيطات

نظمت أكاديمية المملكة المغربية، أمس الأربعاء بنيس، حدثا موازيا حول موضوع “التعاون بين إفريقيا والمتوسط وأوروبا من أجل حكامة مستدامة للمحيط”، وذلك على هامش مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، الذي تتواصل أشغاله إلى غاية 13 يونيو الجاري.
ويأتي هذا اللقاء العلمي، المنظم بشراكة مع المنظمة غير الحكومية “لا سيزون بلو” (La Saison Bleue)، في سياق التشاور الإقليمي الإفريقي حول مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، وقمة “إفريقيا الزرقاء” التي انعقدت بطنجة في أكتوبر الماضي.
وقد جمع هذا الحدث نخبة من الفاعلين من إفريقيا، ومنطقة المتوسط وأوروبا، بهدف بلورة شراكة معززة تستند إلى “خارطة طريق في أفق 2030: قيادة مشتركة للشراكة الإفريقية-الأوروبية من أجل المحيط”.
وفي كلمة له بالمناسبة، أبرز المدير التنفيذي لأكاديمية المملكة المغربية، البشير تامر، الذي أدار أشغال الجلسة، أن رهانات هذا التعاون، إلى جانب التعاون الإقليمي عموما، والتعاون جنوب-جنوب وشمال-جنوب، تظل في صلب اهتمامات المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، مشيرا إلى الرسالة القوية التي وجهها الملك إلى المشاركين في قمة “إفريقيا من أجل المحيط”، التي انعقدت يوم الإثنين ضمن فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، والتي تلتها صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء، ممثلة للملك، خلال ترؤسها للقمة إلى جانب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
وأشار إلى أن الملك أكد في هذه الرسالة على ضرورة مراجعة استراتيجية للدور البحري الإفريقي في إطار ثلاثة محاور: نمو أزرق، تعاون جنوب-جنوب معزز وتكامل إقليمي حول الفضاءات المحيطية، ونجاعة بحرية من خلال تكامل السياسات المتعلقة بالمحيط الأطلسي.
من جهته، شدد رئيس المعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي، عبد المالك العلوي، على أن “المطلوب منا، انسجاما مع الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في قمة إفريقيا من أجل المحيط، هو أن نعيد التفكير في المحيط ليس فقط كمورد يجب حمايته، بل كفضاء ينبغي حكامته”، مشيرا إلى أن الملك أكد في رسالته السامية أن “البحر كان وسيظل صلة وصل وأفقا مشتركا، من واجبنا جميعا أن نحميه ونحسن تدبيره، لنجعله فضاء للسلم والاستقرار والتنمية”.
وأضاف قائلا: “هذه الكلمات تلزمنا كمغاربة، كأفارقة وكدول متوسطية”، موجها حديثه إلى الحضور الذي ضم فاعلين مرموقين من ضفتي المتوسط يمثلون مجالات مؤسساتية وعلمية واقتصادية ومدنية متنوعة.
وفي مداخلة خلال مائدة مستديرة حول “الحكامة في مواجهة تحديات الاقتصاد الأزرق بإفريقيا”، حدد العلوي ثلاث ثغرات تعرقل جهود القارة الإفريقية في مجال الحكامة البحرية، وهي “حكامة مجزأة وغير دامجة”، و”عجز في السيادة التكنولوجية والمعلوماتية”، و”غياب دبلوماسية بحرية منسقة”.
كما انضم رئيس المعهد إلى عدد من الأصوات، بينها صوت باسكال لامي، الرئيس المشارك لمجموعة استراتيجية إفريقيا-أوروبا للمحيط، التابعة لمؤسسة إفريقيا-أوروبا، والتي دعت إلى تعزيز البحث العلمي والتعاون في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص، ونهج مقاربات متعددة التخصصات، لتمكين الدول الإفريقية من مواجهة التحديات البحرية، لاسيما على صعيد الرصد والمعطيات المفتوحة الكفيلة بإرشاد صناع القرار.
وتضمنت توصيات المشاركين أيضا أهمية التكوين وتعزيز قدرات الدول الإفريقية في هذا المجال، مع ضرورة إشراك الشباب والفاعلين المحليين في هذه الدينامية.
واختتم اللقاء بتقديم “الميثاق من أجل إفريقيا زرقاء ومستدامة”، من قبل المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية الفرنسية لمؤتمر الأمم المتحدة حول المحيط، وسفير فرنسا المكلف بالقطبين والمحيطات، أوليفيي بوافغ دارفور، وذلك في أفق انعقاد النسخة الثالثة من قمة “إفريقيا الزرقاء”، المقررة يومي 9 و10 أكتوبر المقبل بمدينة طنجة.
ويعد هذا الميثاق محطة بارزة تروم رسم خارطة طريق ملموسة لتعزيز التعاون بين إفريقيا والمتوسط وأوروبا، من خلال الالتزام بتنفيذ الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة “الحياة تحت الماء”، المتعلق بالحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية، ودعم ازدهار المجتمعات الساحلية، وتحقيق تنمية مستدامة دامجة لصالح جميع الفئات السكانية التي تعتمد على المحيط.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد بوافغ دارفور أن “إفريقيا الزرقاء بحاجة إلى خارطة طريق، وبرنامج ملموس، وأجندة عمل”، موضحا أن قمة طنجة المقبلة ستجمع أربعة محاور عمل، تشمل الحكامة، والعلماء من جهة، والسلطات المحلية والدول من جهة أخرى، بالإضافة إلى محور الاقتصاد والمقاولات، ومحور المنظمات غير الحكومية.
وأشار إلى أن هذه المحاور الأربعة ستعمل بشكل مشترك طيلة عام كامل، لتسليم خارطة طريق شاملة تتضمن تمويلات موجهة لإطلاق المسار الفعلي لـ”الطريق الأزرق الإفريقي”، وذلك خلال النسخة الرابعة من قمة “إفريقيا الزرقاء” المرتقبة في أكتوبر 2026.
ويعد لقاء “إفريقيا-المتوسط-أوروبا”، المنظم بشكل مشترك بين “لا سيزون بلو” وأكاديمية المملكة المغربية، المؤسستين المنظمتين لقمة “إفريقيا الزرقاء” بطنجة، منصة جامعة للعديد من الفاعلين الاستراتيجيين، من بينهم: مؤسسة إفريقيا-أوروبا، المفوضية الأوروبية ومبادرة “بلو ميشن ميد”، الاتحاد الإفريقي، الاتحاد من أجل المتوسط، لجنة المحيط الهندي، منظمة غومبوك، معهد جاك دولور، المعهد الأوقيانوغرافي بول ريكار، معهد البحث من أجل التنمية، شبكة “ميدبان” وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة/ خطة عمل البحر الأبيض المتوسط.