مؤتمر نيس العالمي يبرز ضرورة تسريع الجهود لحماية المحيطات

تستضيف مدينة “نيس” في جنوب شرق فرنسا، من 9 إلى 13 يونيو الجاري مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات (UNOC 3)، الذي تترأسه فرنسا وكوستاريكا، وهو حدث كبير يمثل خطوة مهمة في الحشد الدولي لحماية المحيطات وتنفيذ الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام.
يأتي هذا المؤتمر بعد مؤتمري نيويورك عام 2017 ولشبونة عام 2022، وستمثل هذه الدورة الجديدة إنجازا هاما في الأجندة الدولية لحوكمة المحيطات، التي تواجه تحديات عديدة من بينها تغير المناخ وارتفاع منسوب مياه البحار والصيد الجائر وغير المشروع.
توقعات بحضور كبير
ومن المتوقع حضور نحو 50 من رؤساء الدول والحكومات وممثلي أكثر من 100 دولة، فضلا عن ممثلي المنظمات الدولية وجميع الجهات المعنية بالحفاظ على المحيطات، حيث يهدف هذا الحدث الدولي إلى حشد الجهات الفاعلة من المجتمع المدني والأوساط العلمية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، بهدف اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل حماية المحيطات بشكل مستدام.
تغطي المحيطات أكثر من 70% من سطح الكوكب، وتمثل 97% من موارد المياه، وتعد بذلك عاملا رئيسيا لانتظام التوازنات البيئية الرئيسية، ومصدرا للموارد الغنية والتنوع البيولوجي، بالإضافة إلى كونها ناقلا رئيسيا للتبادلات الاقتصادية ورابطا بين الدول والمجتمعات البشرية.. إلا أنها تواجه اليوم تهديدات عدة، مثل آثار تغير المناخ والتلوث والاستغلال المفرط للموارد البحرية.
من هذا المنطلق، يأتي انعقاد هذا المؤتمر بهدف أساسي وهو “تسريع العمل وتعبئة جميع الجهات المعنية للحفاظ على المحيطات واستخدامها على نحو مستدام”، كما تتمثل مهمة هذه الدورة الثالثة في اتخاذ التزامات ملموسة، وتشجيع شراكات جديدة، وتوفير حلول دائمة للتهديدات المتزايدة على النظم البيئية البحرية.
في هذا الصدد، وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة قبل انعقاد هذا المؤتمر أكد فيها أن حماية المحيطات تعني حماية احتياطيات لا تقدر بثمن من التنوع البيولوجي، كما تعني “منح الأمل لكل من تعتمد حياتهم على محيطاتنا”.
وأضاف أن خطة عمل نيس من أجل المحيطات ستكون لحظة تأسيسية من أجل حوكمة المحيطات، “وستمثل اتفاقيات نيس إطارا يجتمع ضمنه المجتمع العلمي من أجل إنذار رؤساء الدول وتوجيه أعمالهم في مجال المناخ.
وينبغي أخيرا أن يصبح مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمحيطات حيزا للتضامن، ندعم فيه الدول النامية من أجل التكيف مع الاقتصاد الأزرق الحديث، والتصدي للصيد غير القانوني، وحيزا نساعد فيه المجتمعات المحلية والمناطق الساحلية التي تعاني من النتائج المترتبة على التغيرات المناخية”.
يهدف مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات إلى تنفيذ الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة، والذي يركز على الحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام، وهو الهدف الوحيد من بين أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر المخصص بالكامل للمحيطات.
ويغطي قضايا متنوعة مثل مكافحة التلوث البلاستيكي، والحد من الصيد الجائر، وإنشاء مناطق بحرية محمية.
لذلك، يركز المؤتمر على تنفيذ هذا الهدف من خلال ثلاث أولويات، وهي: العمل على إتاحة عمليات متعددة الأطراف تخص المحيطات بغية رفع مستوى الأهداف الرامية إلى حمايتها؛ وحشد التمويل للحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة ودعم تنمية اقتصاد أزرق مستدام من خلال تعبئة الجهات المعنية من القطاعين العام والخاص والجمعيات الخيرية؛ وتعزيز المعارف المتعلقة بعلوم البحار وتحسين أوجه نشرها من أجل إتاحة اتخاذ قرارات سياسية أفضل.
يعقد المؤتمر على مدى خمسة أيام في مدينة “نيس” الساحلية، مع جلسات عامة كل صباح، تدلي خلالها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة، ببيانات حول التزامها تجاه المحيطات، كما تعقد بعد ظهر كل يوم جلسات تجمع الدول الأعضاء والوكالات الأممية وممثلي المجتمع المدني. وتتيح هذه الحوارات وهي “جلسات عمل بشأن المحيطات”، مشاركة مختلف الجهات المعنية، وتشكيل تحالفات، كما ترسخ فكرة العمل من خلال اقتراح حلول ملموسة مع جميع المشاركين. وسيتم اعتماد “خطة عمل نيس للمحيطات”، التي تتضمن إعلانا سياسيا وقائمة بالتزامات طوعية تقطعها الجهات الفاعلة، عقب هذه المناقشات.
كما تقام، على هامش المؤتمر، ثلاث فعاليات وهي “مؤتمر علوم المحيطات الواحد، وينظم بالتعاون مع معهد الأبحاث الفرنسي لاستغلال الموارد البحرية والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، ويجمع أكثر من ألفي عالم من جميع أنحاء العالم، بهدف تحديد المؤشرات والحلول المبتكرة في مجال صحة المحيطات، كما تقام قمة “تحالف ارتفاع منسوب المحيطات والقدرة على الصمود في المناطق الساحلية” والتي تركز على تحديات التكيف إزاء ارتفاع مستوى سطح البحر.
ويقام “منتدى الاقتصاد الأزرق والتمويل” في موناكو ويحشد رؤساء الدول والشركات والممولين والمجتمع المدني للاستثمار بشكل كبير في الاقتصاد الأزرق والنقل البحري المستدام.
كذلك، تقام على ميناء نيس منطقة مفتوحة تسمى بالمنطقة الخضراء حيث تقام أكثر من 400 فعالية مخصصة للجمهور للتوعية بحماية المحيطات والاحتفاء بالثقافة البحرية.
تحتضن فرنسا هذا المؤتمر والتي أكدت منذ عام 2017، طموحا واضحا يتمثل في اعتبار المحيط ركيزة استراتيجية لدبلوماسيتها واقتصادها وسياساتها البيئية.. وتولي اهتماما كبيرا بهذا الحدث الدولي، وتشارك مع كوستاريكا في تنظيم هذه الدورة الثالثة من المؤتمر بحضور ممثلي المجتمع المدني والأوساط العلمية والقطاع الخاص، والجمعيات الخيرية من أجل التعاون والعمل معا لحماية المحيطات.
فإن المخاطر عديدة والحفاظ على المحيطات يعني التحرك من أجل المناخ والتنوع البيولوجي والأمن الغذائي وسبل عيش ملايين البشر.. لذلك، تأمل باريس في زيادة نسبة المحيطات المحمية من 8.4% حاليا إلى 30% بحلول عام 2030، وفقا لبيان صادر عن مكتب وزيرة التحول البيئي أنييس بانييه-روناشيه.. وأوضح البيان: “يمثل مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات فرصة فريدة لتأكيد وتعزيز الالتزامات التي قطعناها على أنفسنا على المستوى الدولي”.
لا يهدف مؤتمر نيس إلى حل جميع التحديات وحده، بل إلى تعزيز ديناميكية جماعية مبنية على مبادرات ملموسة وشراكات والتزام مشترك.. وفي هذا الإطار، كل جهة معنية، سواء كانت مؤسسية أو خاصة، محلية أو دولية، مدعوة إلى القيام بدورها خلال هذا المؤتمر.
ومن المتوقع أن يمثل هذا المؤتمر نقطة تحول في التعاون الدولي بشأن المحيطات.. وينصب التركيز على العمل والحلول الملموسة والخبرات المتكاملة.. ففي نيس، سيجتمع باحثون وصناع قرار ومواطنون وجهات معنية اقتصادية لدعم قضية تهمنا جميعا وهي الحفاظ على المحيطات واستخدامها بشكل مستدام.