بعد رحيل شهيد شاحنة البنزين: هل يُغسل من توفي محترقًا؟ دار الإفتاء تشرح الحكم الشرعي.

بعد رحيل شهيد شاحنة البنزين: هل يُغسل من توفي محترقًا؟ دار الإفتاء تشرح الحكم الشرعي.

في مشهد بطولي مؤثر ومفعم بالتضحية، ودّعت مصر اليوم أحد أبنائها الأبطال، سائق شاحنة وقود، قدّم روحه فداءً لحياة الآخرين، بعدما أنقذ عشرات المواطنين من كارثة محققة. السائق الشجاع واجه النيران لحماية من حوله، قبل أن تلتهمه ألسنة اللهب، ويلقى ربه متأثرًا بالحروق التي أصيب بها خلال الحادث.

دار الإفتاء: من توفي بالحريق شهيد من شهداء الآخرة

في تعقيب على الحادث، أكدت دار الإفتاء المصرية أن من يُتوفى نتيجة الحريق يُعد من شهداء الآخرة، استنادًا إلى حديث النبي محمد ﷺ:

“الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة”
(رواه أبو داود)

هذا التوصيف يضع شهيد الحريق في مرتبة الشهداء من حيث الأجر والثواب في الآخرة، وإن كان لا يُعامل في الدنيا كشهيد المعركة من حيث الأحكام الشرعية الخاصة بالغسل والكفن.

أحكام تغسيل المتوفى بالحريق

أوضح الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى ومدير إدارة الفتوى الشفوية بدار الإفتاء المصرية، الأحكام المتعلقة بتغسيل المتوفى بالحريق، مشيرًا إلى أنه إذا أمكن تغسيل الجثمان دون أن يسبب الغسل ضررًا، فإنه يُغسل كغيره من الموتى. أما إذا خُشي من تهرّ الجسد أو تمزقه نتيجة الغسل، فيُكتفى بصب الماء عليه دون دلك أو مسّ مباشر.

وفي حال كانت حتى عملية صب الماء تُهدد سلامة الجسد، يُلجأ حينها إلى التيمم، وذلك بمسح وجه المتوفى ويديه بالتراب أو ما يقوم مقامه شرعًا. وتُطبّق هذه الأحكام بناءً على ما ورد في فقه الإمام ابن قدامة في كتابه “المغني” (2/209)، حيث يقول:

“والمجدور، والمحترق، والغريق، إذا أمكن غسله غُسل، وإن خِيف تقطعه بالغسل صُب عليه الماء صبًّا، ولم يُمس، فإن خيف تقطعه بالماء لم يُغسل، ويُيمم إن أمكن، كالحي الذي يؤذيه الماء.”

الموسوعة الفقهية الكويتية تؤيد نفس الرأي

ما ورد عن دار الإفتاء يتفق أيضًا مع ما جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية”، التي أشارت إلى أن من احترق بالنار يُعامل معاملة سائر الموتى إذا أمكن تغسيله، مؤكدة أن الذي لا يُغسل هو شهيد المعركة فقط. أما المحترق في غير ساحات القتال، فهو من شهداء الآخرة، ويُغسل ويُكفّن وتُصلّى عليه وفقًا لأحكام الموتى العامة.

الفرق بين شهيد الدنيا وشهيد الآخرة

اختتمت دار الإفتاء توضيحاتها بالتأكيد على أن أحكام الشهداء تختلف بين الدنيا والآخرة. فشهيد المعركة لا يُغسل ولا يُكفّن بثيابه، لأنه شهيد دنيا وآخرة. أما من يُصنف من شهداء الآخرة – مثل المتوفى بالحريق أو الغريق أو المبطون – فله أجر الشهيد في الآخرة، لكن تجري عليه أحكام الموتى من تغسيل وتكفين وصلاة، بما يتناسب مع حالته ويضمن احترام جسده وكرامته.