مزاد البطيخ في الإسماعيلية: موسم ‘أحمر على أبوه’

الإسماعيلية – أميرة يوسف:
مع انحدار أشعة الشمس نحو المغيب، يبدأ سوق الجملة بمدينة المستقبل في الإسماعيلية في التحول إلى ما يشبه المسرح المفتوح، الطبل البلدي يُقرع كإشارة بدء، والعشرات من التجار والمزارعين يصطفون حول أكوام من البطيخ تتلألأ بلونها الأخضر تحت أضواء ما بعد العصر.
في ذلك الركن من السوق، يقف الحاج جابر، مزارع من قرية أبو خليفة، وقد افترش الأرض بجانب محصوله، يراقب عن كثب كيف تتصاعد الأرقام في المزاد، تبدأ من خمسة جنيهات، ثم تقفز سبعة.. عشرة.. خمسة عشر.. وربما تصل إلى سبعين جنيهًا للبطيخة الواحدة، كلٌّ حسب وزنها ونوعها.
“البطيخة دي 18 كيلو يا باشا، حمرا زي الدم وسكرها زي العسل”، يقولها أحد الدلالين بحماس وهو يرفع بطيخة ضخمة أمام أعين المشترين، بينما يبتسم تاجر قاهري قائلاً: “بس الحجم ده كبير على الزباين بتوعي.. أنا عايز المتوسطة، اللي تتباع بسهولة”.
في خلفية المشهد، صدى المزاد لا يتوقف، وتبادل العبارات بين الحضور يحمل مزيجًا من التفاوض والود الريفي الأصيل. هنا لا تُباع البطيخة فحسب، بل يُباع جزء من تراث المدينة الزراعي، وتُروى حكاية صيف جديد ينتظر المصريون فيه هذا الزائر الأحمر المحبب.
على طرف السوق، تجلس أم إبراهيم، بائعة موسمية، تقطع شرائح بطيخ توزعها للتذوق على الزبائن، وهي تردد بثقة: “اللي يدوق البطيخ بتاع إسماعيلية، ما يرضاش بغيره”.
في حديث سريع مع أحد التجار، يقول: “البطيخ هنا مش مجرد أكل.. دا موسم، ورزق، وفرحة للناس كلها.. في ناس بتنتظره من السنة للسنة”، موضحًا أن البطيخ الإسماعيلاوي مطلوب في محافظات كتير بسبب جودته العالية وطعمه السكري الطبيعي.
يحرص البعض على شراء البطيخة متوسطة الحجم، ويستدلون على جودتها من لون القشرة، ونغمة الصوت عند الطرق الخفيف عليها، بينما يحذر آخرون من البطيخ الهرموني، الذي يظهر عادةً في الحجم الضخم غير المتناسق.
يعرف الجميع أن البطيخ هو ضيف الصيف الدائم، فاكهة لا يخلو منها بيت مصري في أيام الحر. بنسبة مياه تتجاوز 92%، لا تُروى بها العطش فقط، بل تحمي من الجفاف، وتنظم حرارة الجسم، وتدعم صحة القلب، وتحسن الهضم، كما أنها صديقة الرياضيين لمحاربة التقلصات، وصديقة السيدات لبشرة أكثر نضارة.
حين تغادر السوق مع غروب الشمس، يظل في الذاكرة صوت الطبل، ووجوه التجار، وضحكات المزارعين، ورائحة الأرض المختلطة بحلاوة البطيخ. وتدرك أن هذا السوق ليس مجرد مكان للبيع والشراء، بل حكاية صيف، يُكتب فصلها كل عام على أرض الإسماعيلية.