ما أسباب اندلاع الحرائق في مزارع شرق النفق بالسويس؟ (صور)

السويس – حسام الدين أحمد:
أعمدة دخان بيضاء كثيفة كانت تتصاعد من الأرض للسماء وكأنها القيامة.
تلك المساحة الخضراء الواسعة على مدّ البصر شرقي نفق الشهيد أحمد حمدي بالسويس، والتي تقف أسوارًا شجرية تمنع رمال الصحراء زحفها، منتجة أغنى الثمار، مهددةٌ الآن بحرائق، بلغت حصيلتها خمس وقائع خلال شهر واحد فقط، كان آخرها أول من أمس.
اختلفت أماكن اندلاع هذه النيران، بينما ظل السبب واحدًا.
يُلقي أهالي قرية عرب الشط، التي تقع تلك المزارع في نطاقها، المسؤولية على طرق التخلص من المخلفات الزراعية؛ فالمزارع لا تشتعل من تلقاء نفسها بفعل الطقس كما يروّج البعض، وإن كان ارتفاع درجات الحرارة يسهم في جفاف تلك المخلفات ويجعلها أكثر قابلية للاشتعال.
“تقليم وقصّ الأشجار يخلف مخلفات من الأغصان والفروع الخضراء، التي سرعان ما تجف بفعل الحرارة”، يوضح بدر غريب، أحد ملاك مزارع الفاكهة شرقي النفق. ويضيف أن تلك المخلفات تُجمع عادة بجوار الأسوار، وتتراكم بمرور الوقت لتجف، ثم تُحرق للتخلص منها، وهو ما يفتح الباب أمام اندلاع النيران وانتشارها.
تقع عرب الشط في منطقة ذات تيارات هوائية نشطة، ما يسهم في امتداد ألسنة اللهب من بقايا المخلفات إلى الأشجار المثمرة، خصوصًا الزيتون والمانجو، المعروفة بقابليتها السريعة للاشتعال. لا ينكر الأهالي جهود الحماية المدنية في السيطرة على تلك الحرائق التي يعجز المزارعون غالبًا عن إخمادها، لكنهم لا يتعاطفون مع سلوكيات خاطئة تنتج عنها تلك الكوارث.
يُباع إنتاج أغلب هذه المزارع بأسعار مرتفعة، ويحظى بإقبال كبير من التجار، نظرًا لاعتماد تلك الزراعات على أساليب خالية من الرش والمبيدات الكيميائية، ما يجعلها مؤهلة للتصدير ويوفر عائدًا من العملة الصعبة.
يقول فكري عاطف، أحد سكان المنطقة، إن الأسوار الشجرية، رغم أهميتها في حماية المزروعات خلال فترة التزهير، أصبحت في الوقت ذاته مصدر خطر حقيقي. ويشرح أن معظم المزارع مخصصةً لأشجار الموالح والزيتون، نظرًا لملاءمتها لطبيعة التربة الصحراوية وقلة حصص المياه. وبسبب المساحات الكبيرة لكل مزرعة، والتي تتراوح بين 10 و20 فدانًا، اتجه المزارعون قبل سنوات إلى زراعة أشجار الكافور والبزروميا و”العَبْل”، لتشكيل أسوار شجرية تحمي الأزهار من رياح الربيع.
ويستطرد عاطف موضحًا أن تلك الأشجار، التي تداخلت فروعها مع مرور السنوات لتشكيل السور، لا تلقى العناية الكافية. وعند تهذيبها، تنتج عنها كميات كبيرة من المخلفات الزراعية تفوق تلك الناتجة عن تقليم أشجار الفاكهة. ونظرًا لطبيعة المنطقة الصحراوية، وعدم الاستفادة من تلك الفروع الذابلة والجافة، يلجأ العمال إلى حرقها بالقرب من نفس الأسوار، ما يزيد من مخاطر الاشتعال.
ويحذر من أن إهمال نظافة الأسوار الشجرية وتطهير الأرض أسفلها يؤدي إلى تراكم كميات كبيرة من الأوراق الجافة عامًا بعد عام، حتى تصبح شديدة القابلية للاشتعال. ومع أول شرارة تصدر عن محاولة حرق بقايا تقليم، تنتقل النيران إلى الأوراق الجافة ثم إلى الأشجار، ليشتعل السياج الأخضر بالكامل في دقائق.
وفي مواجهة هذا التهديد، طالب عدد من سكان المنطقة باستبدال الأسوار الشجرية بجدران من الطوب أو الحجارة للحد من خطر الحرائق، فيما رأى آخرون أن هذا الاقتراح غير واقعي في ظل التكاليف المرتفعة حاليًا. وأكدوا أن الحل الأفضل يتمثل في وقف حرق المخلفات نهائيًا، والعمل على نقلها إلى مناطق بعيدة داخل الأرض أو دفنها والاستفادة منها في إنتاج سماد عضوي (كومبوست) يعيد تغذية التربة.
وقد نفى مصدر مسؤول فرضية أن الحمل الحراري وحده يمكن أن يؤدي إلى اشتعال حرائق داخل المزارع، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو لا يحدث إلا في تجمعات القمامة خلال فصل الصيف، حيث ترفع حرارة الجو معدل التفاعل بين المخلفات العضوية وبقايا الطعام، ما يؤدي أحيانًا إلى إنتاج حرارة كافية للاشتعال الذاتي.
وأضاف أن المخلفات الزراعية تحتاج إلى فترات طويلة قد تمتد لأشهر حتى تجف بالكامل، إذ إن الطبقات المعرضة لأشعة الشمس تبخّر الرطوبة ببطء، بينما تظل الطبقات السفلية محتفظة بالرطوبة. ولفت إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في إلقاء نفايات منزلية مختلطة ببقايا الطعام فوق تلك المخلفات الجافة، وهو ما قد يؤدي بالفعل إلى اندلاع الحرائق.