عجرود سيناء وقوص عيذاب: طرق سفر المسلمين إلى الحج والعمرة في العصور القديمة.

السويس – حسام الدين أحمد:
لأكثر من 10 قرون كانت السويس المحطة الرئيسية على درب الحاج المصري، وبوابة العبور في الطريق المؤدي إلى الأراضي الحجازية قبل تقسيم شبه الجزيرة العربية إلى الدول المعروفة حاليًا، وكانت قلعة وخان عجرود من المحطات المهمة على ذلك الدرب.
بيت للضيافة
كانت القلزم “اسم السويس قديمًا” نقطة الانطلاق وبوابة العبور إلى مكة، وكانت قلعة وخان عجرود من أهم محطات العبور للقوافل القادمة من الفسطاط، لتنزل عجرود وتتزود بالمؤن والمياه قبل السفر واستكمال الرحلة برًا أو بحرًا.
يقول الدكتور سامي عبد الملك، مدير عام آثار شرق الدلتا الأسبق، إن قلعة عجرود نالت نصيبًا من الشهرة جعلها في نظر الحجاج من أهم المحطات للتزود بالمؤن قبل ركوب البحر، ويضيف أن الرحالة المغاربة، والأندلسيين، اهتموا بذكرها في توثيق رحلات الحجاج، كون القلعة كانت موردًا رئيسًا للمياه على طريق الحاج المِصري، تزود به كل الحجاج من مصر وأفريقيا والأندلس.
قلاوون والغوري
وأوضح الدكتور سامي، الباحث المتخصص في القلاع وطريق الحاج المصري، أن القلعة جرى إنشاؤها في عهد المماليك، إذ شيد القلعة السلطان الأشرف أبو النصر قَنصوه الغَوري سنة 914 هـ/ 1508-1509م، وبإشراف الأمير خاير بك المعمار، شاد العمائر السلطانية.
واستكمل، أن الخان المُحصن شُيد في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وهو من سلاطين دولة المماليك البحرية، تحت إشراف الأَمير الحاج سيف الدين آل مَلَك الجوكندار الناصري، نائب السلطنة بالديار المصرية، حيث أفاد فحص ما تبقى من القلعة أنها لم تنشأ دفعة واحدة، وإنما بدأت بالمنشآت المائية والخدمية، وكان الخان أول ما جرى إنشاؤه لأجل تخزين ودائع الحجاج والمؤن.
خدمات متكاملة
يقول الدكتور عبد الملك لموقع “مصراوي” إن القلعة تم إنشاؤها بجوار الحصن ثم تطور الأمر واتسعت القلعة، وكان منهل عجرود الكائن على طريق الحاج المصري قد اشتمل على العديد من المُنشآت المعمارية مختلفة الوظائف، فيوجد خان حصين للمسافرين، ومساجد وملحقات خدمية، وبئر وبِرَك وقنوات للمياه، وجبانة لدفن المتوفين من الحُجاج.
تجارة وحج
كانت قلعة عجرود قبل 7 قرون بمثابة منهل رئيس، ومكان لمبيت قوافل الحج في رحلة الذهاب والعودة، وعلى طريق التجارة بين مصر وبلاد الشام، وتجارة الشرق العابرة عبر ميناء السويس وموانئ البحر الأحمر واليمن وشرق آسيا.
ويحدد الدكتور سامي عبد الملك موقع خان وقلعة عجرود، إذ يقعان على مسافة 20 كيلو غرب مدينة السويس، ما تبقى منهما الآن يبدو للمسافر على طريق “السويس_ القاهرة” حيث بقيت أطلالهما بجوار مستودعات إحدى شركات البترول بالمنطقة، ومكان الخان الحصين في شرق قلعة السلطان قنصوه الغَوري على مسافة 150 مترًا.
السكة الحديد
وتابع أن ما تبقى من القلعة والخان يفصل بينهما حاليًا شريط السكة الحديدية الذي تم الانتهاء من تنفيذه عام 1882، وقد بُني في منطقة منبسطة تمامًا، ولا تزال أطلال الخان تدل على تخطيطه، وإن كان تجريف الأرض المجاورة لعمل السكة الحديد قد ساعد على ضياع قسم كبير منه.
الانهيار
وتكاتفت عدة عوامل في تحديد مصير قلعة وخان عجرود، وانتهاء دورها، وذلك بعد تشغيل خط سكة حديد يربط بين السويس والقاهرة، حيث تغيرت وسيلة السفر من القاهرة إلى السويس، واستبدلت قوافل الحجاج القطار بالجمال والدواب.
ووفقًا للسجلات الملكية، فقد بدأت هجرة قوافل الحجاج قلعة عجرود بشكل شبه رسمي في عهد الخديوي إسماعيل، وتم إلغاؤها في تلك الفترة نظرًا لعدم الحاجة إليها بعد أَن تم تدشين خط سكة حدِيد للقطارات فيما بين القاهرة وميناء السويس.
الأندلس وشمال أفريقيا
يقول عبد الرحيم ريحان، مدير عام بحوث الآثار والدراسات الأثرية بسيناء الأسبق، إن درب الحاج لم يكن قاصرًا على الحجاج المصريين بل خدم حجاج المغرب العربي، وبلاد الأندلس وشمال أفريقيا، ظل الوضع في مصر على هذا الحال، إذ يفد إليها هؤلاء الحجاج المسلمون، يصلون إلى مدينة القاهرة عبر دمياط والإسكندرية ثم يتجهون إلى بركة الحجاج، وينضمون للقوافل المصرية التي تسلك طريق السويس والذي عُرف وقتها بالطريق البري حيث أغلب مسافة الرحلة في البر.
بدأ بالفتح وانتهى بالمماليك
وأضاف الخبير الأثري عبد الرحيم ريحان، أن طريق الحج البري كان يبدأ من السويس وصولًا إلى مدينة ينبع شمال الأراضي الحجازية، وانقسم الطريق البري زمنيًا إلى 3 مراحل، الأولى من الفتح الإسلامي وحتى نهاية حكم الدولة الفاطمية في مصر، والثانية فمن نهاية الحكم الفاطمي وحتى أوائل حكم المماليك، أما المرحلة الثالثة فبدأت مع حكم المماليك، وحتى عام 1303 هجرية الموافق 1885 ميلاديًا، حيث انتهت تلك الحقبة بالتحول إلى الطريق البحري.
رحلة 500 كيلو
ويكشف ريحان أن رحلات الحجاج البرية التي كانت تقطع سيناء عرضًا، تبدأ من القاهرة من منطقة تعرف باسم بركة الحاج، وصولًا إلى قلعة عجرود، وكانت القافلة تقطع طريقًا طوله 150 كيلو في تلك المرحلة، حيث تهتدي للطريق وتحافظ على مسارها باتباع خط يضم 24 عمودًا حجريًا كانت كأعلام منصوبة وقرائن دالة على الطريق.
واستكمل، بعد التزود بالمؤن والماء، تستكمل القافلة سيرها من عجرود إلى منطقة نخل بوسط سيناء، وهي بطول 150 كيلو أيضًا، وبعد الوصول لنخل، تتحرك القافلة بعرض سيناء متجهة إلى أقصى نقطة في رأس خليج العقبة، لتصل إلى مدينة العقبة بالأردن حاليًا، وتلك الرحلة مسافتها 200 كيلو.
بمحاذاة الشاطئ
عقب ذلك يستكمل الحجاج سيرهم بمحاذاة الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر، يمرون بمناطق حقل ومدين وينبع، وبدر ثم رابغ، وبطن مر ومنها إلى مكة المكرمة.
يخبرنا ريحان أن كل مرحلة من الرحلة كانت تستغرق 3 أيام سيرًا بالجمال والخيل، وبين كل مرحلة وأخرى ينال الحجيج قسطًا من الراحة، وكانت الرحلات كلها برية قبل حفر قناة السويس، وبعد الحفر كانت القافلة تعبر القناة بالفُلك للوصول إلى الضفة الشرقية للقناة، ثم تستكمل المرحلة الأخيرة داخل الأراضي الحجازية، وكانت أطول نسبيًا.
بري وبحري
ويضيف ريحان أن رحلات الحجاج في مصر كان لها مسلكان، إما برًا والذي ذكرناه تفصيلًا سابقًا، ويبدأ من القاهرة للسويس ومنها إلى سيناء وصولًا إلى العقبة في الأردن، أو بالاتجاه بحرًا وعبور البحر الأحمر.
البحري أطول
ويكشف ريحان أن أول طريق بحري للحج، اتخذه الحجاج المصريون والعرب في أفريقيا، وكان أطول نسبيًا، فكانت القافلة تخرج من القاهرة إلى مدينة قوص بمحافظة قنا حاليًا، وكانت القافلة تسير بمحاذاة نهر النيل وتقطع مسافة 640 كيلو.
“قوص- جدة”
بعد الوصول والاستراحة بقنا، يستكمل الحجاج السير في القوافل متجهين شرقًا، قاصدين ميناء عيذاب أو مكانه حاليًا مدينة القصير بالبحر الأحمر، وكانت تلك الرحلة تبدأ زمنيًا قبل شهر رمضان، وبعد وصول القافلة لعيذاب، ينتظر الحجاج أكثر من شهر الفُلك التي تنقل أمتعتهم ودوابهم إلى شاطئ البحر الأحمر الشرقي، حيث ينزلون بميناء جدة.
رحلة شجر الدر
إلا أن الطريق البري كان الطريق الرسمي للدولة الأيوبية، إذ سلكت السلطانة شجر الدر، زوجة الأمير الصالح أيوب، آخر ملوك الدولة الأيوبية، درب الحج المصري القديم عبر سيناء وذلك في العام 645 بعد الهجرة، الموافق 1247م، ولذلك اعتبر الطريق مسلكًا رئيسيًا للحجاج كونه أقصر، لكن ذلك لم يستمر طويلًا.
الصليبيون أعادوا عيذاب
يصف ريحان وضع الطريق الذي يمر بصعيد مصر، حيث قل اعتماد قوافل الحجاج عليه، وأصبح طريقًا تجاريًا يسلكه التجار في مصر، ثم توقفت رحلات التجارة في ذلك الطريق، عام 760هـ / 1359م.
ويكشف الباحث الأثري أن الحروب الصليبية أعادت قوافل الحجاج مجددًا إلى طريق “القاهرة- عيذاب –جدة” ذلك لأنهم تركوا درب الحاج القديم المار من السويس إلى سيناء، تجنبًا للمرور بأرض الشام حيث دارت المعارك الصليبية التي كانت فيها الغلبة للغزاة القادمين من أوروبا.