اكتشاف المدينة المفقودة في معابد الكرنك: ماذا تم الكشف عنه خلف الجدران القديمة؟

اكتشاف المدينة المفقودة في معابد الكرنك: ماذا تم الكشف عنه خلف الجدران القديمة؟

الأقصر – محمد محروس:

بين جدران الكرنك الصامتة، في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية، كان الزمن يخبئ سره. هناك، تحت طبقات من الرمال التي غطّت ملامح الحياة، دقّت أولى نبضات الاكتشاف، ولم تكن تلك النبضات إلا من أنفاس مدينة قديمة، نسيها الناس واحتفظ بها الحجر.

في صيف هذا العام، وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الحفائر الصامتة التي تقودها بعثة مصرية فرنسية، خرج إلى النور كشف أثري وصفه الخبراء بأنه قد يعيد تشكيل فهمنا لمعابد الكرنك؛ لم تُكتشف أطلال فقط، بل مدينة كاملة من عصر الدولة الوسطى (2050 – 1710 ق.م)، نابضة بتفاصيل الحياة القديمة: منازل، وورش، ومخازن، وأزقة ضيقة ربما سار فيها الكهنة والعمال يومًا بعد يوم.

هذه المدينة الفريدة كانت تقع بين سورين زمنيين: سور الملك تحتمس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، وسور ضخم بناه الملك نختنبو الأول في أواخر عصور الفراعنة. بين هذين السورين، عاشت المدينة ألف عام من الحركة والعبادة والعمل.

البعثة، التابعة للمركز المصري الفرنسي لدراسة معابد الكرنك (CFEETK)، عملت منذ 2021 في هذا الركن المهجور. واليوم، يصفها الباحثون بأنها أقدم مدينة عمالية تم العثور عليها بمحيط الكرنك، ربما سكنت فيها أجيال من الخدم والحرفيين والكهنة، ممن خدموا المعبد وطقوسه وأربابه، وتركوا خلفهم آثارًا تحكي بصمت.

لكن الكشف لم يتوقف عند المدينة وحدها، ففي موقعٍ آخر داخل الكرنك، افتتح الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مشروع ترميم وتأهيل “المقاصير الجنوبية” لمعبد “أخ منو”، الذي يعود إلى عهد الملك تحتمس الثالث. المشروع، ثمرة تعاون مصري فرنسي آخر، أعاد الحياة إلى منطقة شعائرية كانت مغلقة، تضم سبع مقاصير وغرفتين فسيحتين، تزين جدرانها نقوش طقسية واحتفالات ملكية مذهلة، منها احتفال “حب سد” الشهير.

وأكد الدكتور خالد أهمية هذه الخطوة التي جاءت ضمن خطة وزارة السياحة والآثار لفتح مزارات أثرية جديدة، ورفع جودة التجربة السياحية، لا سيما لزوار معابد الكرنك، أحد أعظم معابد العالم القديم.

ولم تتوقف الحفريات هناك، ففي العساسيف غرب الأقصر، عثرت بعثة أثرية مصرية على مجموعة من التوابيت الخشبية الصغيرة تعود على الأرجح لأطفال، خالية من النقوش وفي حالة سيئة، وعلى مقربة منها، كُشف عن عشرات الأوستراكات وتماثيل أوشابتي، وخاتمين يحملان اسم المشرف “خونسو”.

أما في نجع أبو عصبة، فالاكتشافات بدت أكثر صناعية: سور ضخم من الطوب اللبن مؤرخ لعهد الملك “من خبر رع”، وبوابة حجرية، وورش لصناعة تماثيل البرونز، وحتى ورشة جعة كبيرة، تشير إلى وجود منطقة صناعية متكاملة كانت تدعم المعبد أو تحيط به في فترات مختلفة من تاريخه.

اقرأ أيضا:

توابيت أطفال وأوشابتي وجعة فرعونية.. تفاصيل كشف أثري فريد في الأقصر

مدينة مدفونة في معابد الكرنك.. كشف أثري جديد بالأقصر